أعادت «عاصفة الحزم» فتح ملف كاد يطوى في أذهان السعوديين، على المستويين الرسمي والشعبي، على رغم تجدد النقاش في شأنه، وهو «التجنيد الإلزامي». وإذا كان المسؤولون الأمنيون يرون «كفاية وقدرة» القوات المسلحة على المواجهات المرتبطة ب «عاصفة الحزم»، فإن البعض يطالب بالتدريب والتأهيل على التجنيد الإجباري، أو ما يعرف ب «نظام حماية العلم»، ليكون الشبان «عوناً للوطن وقادرين على الدفاع عن ترابه، إذا ما صدرت أوامر ملكية تقضي بذلك». وقال رئيس لجنة الشؤون الأمنية في مجلس الشورى السعودي الدكتور سعد السبيعي، في تصريح إلى «الحياة» إن «القوات المسلحة تملك قدرة عالية على مواجهة كل ما يرتبط ب «عاصفة الحزم»، وكذلك الدول المتحالفة مع المملكة، التي زادت من قوتها»، مضيفاً أن «ولي الأمر هو من يملك صلاحية إصدار قرار التجنيد الإجباري، وإن كان بشكل عاجل». إلا أن السبيعي ذكر أنه «في حال اتجاه المملكة لاتخاذ مثل هذا القرار، فإنها ستضع نظاماً يدرس من طريق لجان اختصاصية، ويعرض على مجلس الشورى، ثم مجلس الوزراء، ثم يعرض على ولي الأمر»، موضحاً أنه «في حال العمل على ذلك، سيحدد النظام الأمور المتعلقة بالتجنيد، ومنها سن التجنيد، والكيفية، وغير ذلك». وأكد زميله نائب رئيس لجنة الشؤون الأمنية في مجلس الشورى الدكتور نواف الفغم، ضرورة «درس تجنيد الشبان إجبارياً، ليكونوا عوناً للوطن في الظروف الصعبة»، مؤكداً أن القوات المسلحة «قادرة على مواجهة العدو في «عاصفة الحزم»، ولا توجد حاجة إلى فرض التجنيد بشكل عاجل، إلا إذا رأى ولي الأمر ذلك»، موضحاً أن «التجنيد الإجباري تحتاج إليه الدول في حال التهديد الأمني أو وجود قلاقل في الدول المجاورة». كما أكد الفريق المتقاعد عبدالعزيز الهنيدي أهمية «تهيئة شبان المرحلة الثانوية لخدمة العلم، في مرحلة أولية، ليس من طريق التجنيد العسكري، ولكن بوضع دورة تنشيطية، بالتعاون بين وزارتي الدفاع والشؤون الاجتماعية ورعاية الشباب، ومدتها سبعة أشهر، يُدرب خلالها على الأنشطة التي تسهم في زيادة قوته وتخفيف وزنه، مثل الألعاب الرياضية المتعارف عليها، وألعاب القوى والفروسية، وكذلك تقديم نشاطات في مجال الأمن والسلامة، وتنمية ثقافة خدمة المجتمع. ثم يقدم للطالب شهادة في هذه الدورة تهيئه لإكمال التدريب لدى القوات العسكرية». من جهته، أكد اللواء المتقاعد الدكتور سعد علي الشهراني أن «التجنيد الإجباري أو خدمة العلم - كما يسمى أحياناً - لا يتقرر بناء على أزمات أو حروب عارضة، بل يسن ويشرع بقانون بعد دراسات مستفيضة، والجيوش المحترفة المزودة بالتقنيات الذكية هي المعول عليها، وإذا رأت حكومة خادم الحرمين الشريفين أن ذلك مطلوب ومفيد وضروري، فربما تقرر الطريقة التي ينفذ بها، علماً بأن شبان وفتيات المملكة مستعدون في أية لحظة للدفاع عن المملكة، ودعم قوات الأمن والجيش». وأكد أحد الاختصاصين في علم الاجتماع العميد الدكتور عبدالعزيز الحوشان أن لدى المواطنين السعوديين والمجتمع «جاهزية نفسية واجتماعية للمبادرة في الذود عن تراب الوطن، ويتضح ذلك جلياً في تعبيره عن فرحته بالانتصارات التي تحققها القوات حالياً في عاصفة الحزم». وقال الحوشان ل «الحياة» إن «جاهزية المواطنين السعوديين للدفاع عن أرض الوطن وطاعة ولي الأمر، ليست بالأمر الجديد والحديث، إذ كانوا كذلك في حرب الخليج (عاصفة الصحراء)، حين تدافعوا لطاعة ولي الأمر والدفاع في دولة الكويت الشقيقة»، مؤكداً أن «اتخاذ قرار التجنيد من عدمه عائد إلى ولي الأمر، والمعاهد العسكرية قادرة ومهيأة لتدريب أعداد كبيرة من المواطنين». ومن جانبه، طالب الخبير في الشؤون الأمنية ومكافحة الإرهاب الدكتور أحمد الموكلي، بأن يُطرح موضوع تطبيق التجنيد الإجباري على طاولة مجلس الشورى، للدرس والنقاش. وقال ل «الحياة» إن «المملكة في حاجة إلى شبان يمتازون بالحيوية والجدية والانضباط، بغض النظر عن الحاجة إلى إسهاماتهم في الذود عن تراب هذا الوطن في هذه الأزمة أو غيرها، وهذا واجبهم». وأضاف الموكلي أن «تدريب الشبان على الشدة والقوة والاعتماد على الذات سينعكس إيجاباً على شخصيتهم وسلوكهم وأدائهم، حتى في حياتهم الخاصة»، مضيفاً أن «الطفرة التي عاشتها المملكة في السابق أنتجت في بعض فتراتها جيلاً من الشبان الاتكاليين (البعض وليس الكل)، الذين ليس لهم جرأة على تحمل المسؤولية». واستعرض الخبير في الشؤون الأمنية ومكافحة الإرهاب الخطوات، التي يجب أن تسبق اتخاذ هذا القرار، لافتاً إلى أن «التهيئة الفكرية والنفسية والاجتماعية أهم الخطوات، وهذه ربما تأخذ بعض الوقت، ولن تجد قبولاً في البداية، فالجيل اعتاد على الأخذ أكثر من العطاء». ورأى الموكلي أن «الفئة التي يمكن تجنيدها هي ما بعد المرحلة الجامعية، وهو تقريباً المعمول به في غالبية الدول التي تعتمد التجنيد الإجباري، لأن الفرد في هذه المرحلة يكون اكتسب قدراً كبيراً من الفكر وجرعات ثقافية، إضافة إلى القوة الجسمانية التي تساعده في تخطي برامج التجنيد». وأكد أن «اتخاذ القرار ليس سهلاً، إذ يحتاج إلى دراسة وافية تأخذ في الحسبان ثقافة المجتمع وطبيعة الشبان السعوديين، والحاجة إليهم في ظل تزايد التهديدات والصراعات في المنطقة».