هوٓ الَّذِيَ أَنزَلَ عَلَيْكَ الْكِتَابَ مِنْهُ آيَاتٌ مُّحْكَمَاتٌ هُنَّ أُمُّ الْكِتَابِ وَأُخَرُ مُتَشَابِهَاتٌ فَأَمَّا الَّذِينَ فِي قُلُوبِهِمْ زَيْغٌ فَيَتَّبِعُونَ مَا تَشَابَهَ مِنْهُ ابْتِغَاء الْفِتْنَةِ وَابْتِغَاء تَأْوِيلِهِ وَمَا يَعْلَمُ تَأْوِيلَهُ إِلاَّ اللَّهُ وَالرَّاسِخُونَ فِي الْعِلْمِ يَقُولُونَ آمَنَّا بِهِ كُلٌّ مِّنْ عِندِ رَبِّنَا وَمَا يَذَّكَّرُ إِلاَّ أُوْلُواْ الأَلْبَابِ رَبَّنَا لاَ تُزِغْ قُلُوبَنَا بَعْدَ إِذْ هَدَيْتَنَا وَهَبْ لَنَا مِن لَّدُنكَ رَحْمَةً إِنَّكَ أَنتَ الْوَهَّابُ عندما وقفت عند هذه الآيات هزتني كثيراً وأثارت تساؤلات عميقة جداً .... فأما الذين في قلوبهم زيغ فيتبعون ماتشابه منه ابتغاء الفتنة وابتغاء تأويله ...... مستحيل أن يكون الخطاب للذين كفروا فالذين كفروا لايتبعون القرآن أساساً بل هم لايعرفون المتشابه ولا المحكم .... إذن من هم هؤلاء !!! إن أي شخص يتبنى فكرة الأقصاء والإبعاد للآخر سواء بالقتل أو بالتكفير أو بالتدمير للمتلكات وتخريب المنشآت والتسبب بخسارة مالية للدولة أو جهات خاصة فهو يدخل ضمن هؤلاء ... يسمونه جهاداً في سبيل الله ! كيف يكون جهاداً في سبيل الله ونهايته قطع رؤوس وحرق ممتلكات ... ! كيف يكون جهاداً وهو مشبع ومتغذٍ على ثقافة الكره والبغض والحقد والحسد ! لقد وصف الله في هذه الآية .. (( ذلِكَ وَمَن يُعَظِّمْ شَعَائِرَ اللَّهِ فَإِنَّهَا مِن تَقْوَى الْقُلُوبِ )) تعظيم شعيرة وهي أمر مادي قد تكون نسك أو فريضة ... وصف الله من يعظمها بأن قلبه تقي نقي فكيف بمن يعظم نفس وروح خلقها الله ونفخ فيها من روحه سبحانه وتعالى .. هل يستوي هو ومن يزهقها بدون وجه حق تحت تأثير شيطاني وتفكير إبليسي متعطش للفتنة والتخريب !!. ثم كيف يكون جهاداً وهو يشوّه صورة من بعثه الله رحمةً للعالمين ... ألا يتعارض ما يفعله هؤلاء مع ... فَبِمَا رَحْمَةٍ مِّنَ اللَّهِ لِنتَ لَهُمْ وَلَوْ كُنتَ فَظًّا غَلِيظَ الْقَلْبِ لاَنفَضُّواْ مِنْ حَوْلِكَ فَاعْفُ عَنْهُمْ وَاسْتَغْفِرْ لَهُمْ وَشَاوِرْهُمْ فِي الأَمْرِ فَإِذَا عَزَمْتَ فَتَوَكَّلْ عَلَى اللَّهِ إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ الْمُتَوَكِّلِينَ انظروا كيف تصف الآية نبي الرحمة ... رقيق القلب لين يعفو بل ويستغفر لمن حاربه ويصل إلى أبعد من ذلك من مشاورتهم بالأمر ... تخيلوا مجرد غلظة في القلب سوف تنفر من حوله منه ... وأي غلظة أشد من إزهاق أرواح بريئة ...! أي خلق وأي رحمة وأي حكمة وقوة ملكتها ياحبيب الله ... ! ثم بعد هذا بكل بساطة يأتي مجموعة يدعون نصرة الدين ونصرة الحق تحت مسمى جهاد !! إن هذه القلوب زائغة عن الحق وبعيدة عن منهج الله الذي شرعه في كتابه والله ثم والله أن الجهاد برئ منكم ... وأكبر دليل أن هؤلاء يبتغون الفتنة ... وتكملة الآيات ... يثبت ضحالة فكرهم وسطحيته فهم ليسوا من أولي الألباب ... لأن من يعظم كلام الله فهو حتماً يملك علماً ... والذي يملك العلم لايتصرف بسطحية وعنجهية ولا يتكبر على الآخرين ويدعي المعرفة المطلقة ولا يرى أن دينه ومعتقداته ومذهبه هو الصح وماعداه كفراً ونفاقاً ...! لايمكن أن يجتمع الدين مع القسوة ولا يمكن أن يتبنى ثقافة الكره والتهديد بالقتل والقذف والسب والخروج عن قوانين الدولة ونظامها .... إن من يمتلك العلم يعرف أن خير البلد ومصلحة الأفراد فوق كل اعتبار فلا يمكن أن تراق قطرة دم من أجل حفنة تراب أو من أجل معتقد ساذج بقداسة مكان أو أشخاص ... إن من يمتلك العلم يدرك جيداً أن العلم الذي يملكه لايساوي شيئاً فهو في حالة بحث دائم ومستمر عن تطوير نفسه وإفادة غيره ... وهو إن رأى منكراً صريحاً يوجه بعلم وحكمة ويعرف عمق الآية .. (( يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ عَلَيْكُمْ أَنفُسَكُمْ لاَ يَضُرُّكُم مَّن ضَلَّ إِذَا اهْتَدَيْتُمْ إِلَى اللَّهِ مَرْجِعُكُمْ جَمِيعًا فَيُنَبِّئُكُم بِمَا كُنتُمْ تَعْمَلُونَ )) يعرف أنه لن يحاسب عن خطأ فلان وعلان ويعرف أنه لايملك له نفعاً ولا ضراً ... بل يقول ماعنده وينصرف .. لايهدد بالقتل والويل والثبور لمن خالفه أو انتقده أو رفض سماعه .. لأنه يعرف بوعي مدى عظمة الرسالة المحمدية .... ويفهم جيداً معنى الآية ... (( قُلْ يَا أَيُّهَا النَّاسُ قَدْ جَاءَكُمُ الْحَقُّ مِن رَّبِّكُمْ فَمَنِ اهْتَدَى فَإِنَّمَا يَهْتَدِي لِنَفْسِهِ وَمَن ضَلَّ فَإِنَّمَا يَضِلُّ عَلَيْهَا وَمَا أَنَاْ عَلَيْكُم بِوَكِيلٍ )) هذا مافعله محمد صلى الله عليه وسلم ... ومن أعلم من محمد صلى الله عليه وسلم غير الله سبحانه وتعالى !! لا يمكن لعقل لا تتجاوز قدراته ال10٪ من الذكاء أن يصدق ويؤمن بالقسوة والكره ... كمبدأ حياة .... فكيف بمن يمتلك النسبة الطبيعية والعادية للذكاء !! هل من الممكن أن يقتنع إنسان غير مسلم بهم ؟ إن الملاحدة الذين لايؤمنون بوجود الله تشمئز نفوسهم من الكره والقتل .... لأن الفطرة الإنسانية تأبى ضد الخير والسلام ... فكيف بمن يعرف الله ويدرك أنه عدل مطلق .. لايظلم مثقال ذرة ! الدين سماحة ، يسر ، بساطة ، حب ، تسامح ، رحمة ، عزة ، رفعة ، احترام الآخر ، قوة مع حكمة ولين .... من المستحيل أن يكون المؤمن مؤمناً حقاً وهو يتبنى ثقافة الكره لأنه يعرف أنه .... (( لاَ إِكْرَاهَ فِي الدِّينِ )) فوزية فواز