الأردن: لن نسمح بمرور الصواريخ أو المسيرات عبر أجوائنا    إطلاق مهرجان هيئة تطوير محمية الملك سلمان بن عبد العزيز الملكية    رونالدو يعلق على تعادل النصر في ديربي الرياض    وسم تختتم مشاركتها في أبحاث وعلاج التصلب المتعدد MENACTRIMS بجدة    حقيقة انتقال نيمار إلى إنتر ميامي    «الداخلية»: ضبط 21370 مخالفًا لأنظمة الإقامة والعمل وأمن الحدود.    بلدية محافظة البكيرية تنفذ فرضية ارتفاع منسوب المياه وتجمعات سطحية    الهلال يتفوق على سلسلة الأهلي بعد ديربي الرياض    اتفاقية لخدمات النقل الجوي بين كوسوفا والمملكة لتسهيل نقل الحجاج والمعتمرين    السعودية تعرب عن قلقها إزاء استمرار القتال في السودان الشقيق وتصاعد أعمال العنف التي طالت المدنيين من نساء وأطفال    مرثية مشاري بن سعود بن ناصر بن فرحان آل سعود    الفرصة لاتزال مهيأة لهطول الأمطار على معظم مناطق المملكة    الشيف الباكستانية نشوى.. حكاية نكهات تتلاقى من كراتشي إلى الرياض    المملكة "برؤية طموحة".. جعلتها وجهة سياحية عالمية    في الجوف: صالون أدب يعزف على زخات المطر    مثقفون يناقشون "علمانيون وإسلاميون: جدالات في الثقافة العربية"    معدل وفيات العاملين في السعودية.. ضمن الأدنى عالمياً    مؤشرات الأسهم الأمريكية تغلق على ارتفاع    "الأرصاد": أمطار على منطقة المدينة المنورة    آلية جديدة لمراجعة أجور خدمات الأجرة عبر التطبيقات    أمانة القصيم تقيم المعرض التوعوي بالأمن السيبراني لمنسوبيها    انطلاق فعاليات "موسم التشجير السنوي 2024" ، تحت شعار "نزرعها لمستقبلنا"    هيئة الهلال الاحمر بالقصيم ترفع جاهزيتها استعداداً للحالة المطرية    الكلية التقنية مع جامعة نجران تنظم ورشة عمل بعنوان "بوصلة البحث العلمي"    جمعية البر بالجنينة في زيارة ل "بر أبها"    ضمك يتعادل إيجابياً مع الرياض في دوري روشن للمحترفين    أروماتك تحتفل بزواج نجم الهلال "نيفيز" بالزي السعودي    تن هاج يشكر جماهير مانشستر يونايتد بعد إقالته    وقاء جازان ينفذ ورشة عمل عن تجربة المحاكاة في تفشي مرض حمى الوادي المتصدع    ارتفاع حصيلة ضحايا انهيار سقف محطة قطار في صربيا إلى 14 قتيلاً    الشؤون الإسلامية في جازان تطلق مبادرة كسوة الشتاء    الرياض تشهد انطلاق نهائيات رابطة محترفات التنس لأول مرةٍ في المملكة    تصعيد لفظي بين هاريس وترامب في الشوط الأخير من السباق للبيت الابيض    ماسك يتنبأ بفوز ترمب.. والاستطلاعات ترجح هاريس    الحمد ل«عكاظ»: مدران وديمبلي مفتاحا فوز الاتفاق    المذنب «A3» يودِّع سماء الحدود الشمالية في آخر ظهور له اليوم    حائل: إطلاق مهرجان هيئة تطوير محمية الملك سلمان بوادي السلف    البدء في تنفيذ جسر «مرحباً ألف» بأبها    مبدعون «في مهب رياح التواصل»    أمير المدينة يرعى حفل تكريم الفائزين بجوائز التميز السنوية بجامعة الأمير مقرن بن عبدالعزيز    الطائرة الإغاثية السعودية السابعة عشرة تصل إلى لبنان    ما الأفضل للتحكم بالسكري    صيغة تواصل    هاتف ذكي يتوهج في الظلام    الدبلة وخاتم بروميثيوس    أماكن خالدة.. المختبر الإقليمي بالرياض    السل أكبر الأمراض القاتلة    نورا سليمان.. أيقونة سعودية في عالم الموضة العالمية    «الرؤية السعودية» تسبق رؤية الأمم المتحدة بمستقبل المدن الحضرية    الأنساق التاريخية والثقافية    هوس التربية المثالية يقود الآباء للاحتراق النفسي    عمليات التجميل: دعوة للتأني والوعي    المرأة السعودية.. تشارك العالم قصة نجاحها    عن فخ نجومية المثقف    خادم الحرمين وولي العهد يعزيان ملك إسبانيا إثر الفيضانات التي اجتاحت جنوب شرق بلاده    مدير هيئة الأمر بالمعروف في منطقة نجران يزور مدير الشرطة    أمير منطقة تبوك ونائبه يزوران الشيخ أحمد الخريصي    لا تكذب ولا تتجمّل!    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



إِعْصَارٌ وحريقٌ وانفجار.. نظرٌ واعتبار
نشر في تواصل يوم 05 - 11 - 2012

الحَمْد للهِ العَزِيزِ العَلِيمِ، الجَبَّارِ الحَكِيمِ؛ بَطْشه شَدِيدٌ، فَعَّالٌ لِمَا يرِيد،خَلَقَ الخَلْقَ بِقدْرَتِهِ، وَيمْهِلهمْ بِحِلْمِهِ، وَيَعْفو عَنْهمْ بِرَحْمَتِهِ، وَيعَذِّبهمْ بِعَدْلِهِ؛ ويصرف أقضيته بينهم بحكمته، وَأَشْهَد أَنْ لاَ إِلَهَ إِلاَّ الله وَحْدَه لاَ شَرِيكَ لَه؛ خَضَعَ المؤْمِنونَ لِعَظَمَتِهِ وَقدْرَتِهِ، وَسَلَّموا بِقَضَائِهِ وَقَدَرِهِ؛ وَأَشْهَد أَنَّ محَمَّداً عَبْده وَرَسوله؛ كَانَ إِذَا تَغَيَّرَتِ السَّمَاء، وَهَاجَتِ الرِّيح لاَ يَقِر لَه قَرَارٌ، وَلَا يَهْدَأ لَه بَالٌ، يَخْشَى أَنْ يَكونَ عَذَاباً، حَتَّى إِذَا مَطَرَتِ السَّمَاء، وَانْقَشَعَ الغَمَام، وَهَدَأَتِ الرِّيح سَكَنَتْ نَفْسه، وَاطْمَأَنَّ قَلْبه، وَاسْتَبْشَرَ بِرَحْمَةِ اللهِ تَعَالَى لِعِبَادِهِ، صَلَّى الله وَسَلَّمَ وَبَارَكَ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَأَصْحَابِهِ وَأَتْبَاعِهِ إِلَى يَوْمِ الدِّينِ.
أَمَّا بَعْد:
فَاتَّقوا اللهَ تَعَالَى وَأَطِيعوه، وَعَظِّموه كَمَا يَنْبَغِي لَه أَنْ يعَظَّمَ، فَقَدْ دَلَّتْ دَلاَئِل الخَلْقِ وَالوَحْيِ عَلَى عَظَمَتِهِ وَقدْرَتِهِ، وَدَلَّتْ آيَاته الكَوْنِيَّة، وَأَيَّامه على أنه بالعبادة حقيق، وعلى أنه الملجأ في السعة والضيق، وأنه الركن الوثيق، وأنه مهما قضى، وقلم قدره بالمصائب مضى فهو بعباده اللطيف الرفيق: {سَنرِيهِمْ آَيَاتِنَا فِي الآَفَاقِ وَفِي أَنْفسِهِمْ حَتَّى يَتَبَيَّنَ لَهمْ أَنَّه الحَق أَوَلَمْ يَكْفِ بِرَبِّكَ أَنَّه عَلَى كلِّ شَيْءٍ شَهِيدٌ} [فصلت: 53].
أَيهَا النَّاس:
لِرَبِّنَا سبْحَانَه وتَعَالَى أَفْعَالٌ وَمَقَادِير فِي خَلْقِهِ يَجْهَل الخَلْق عِلَلَهَا، وَلاَ يحِيطونَ بِحِكَمِهَا، أَفْعَالٌ فِي الإِنْسِ وَالجِنِّ وَالحَيَوَانِ، وَفِي الكَبِيرِ وَالصَّغِيرِ، وَأَفْعَالٌ فِي الأَفْرَادِ وَالجَمَاعَاتِ، وَأَفْعَالٌ فِي الدوَلِ وَالأمَمِ، مَقَادِير خَاصَّةٌ بِأَشْخَاصٍ، وَمَقَادِير عَامَّةٌ عَلَى النَّاسِ؛ فَيحْيِي وَيمِيت، وَيعِز وَيذِل، وَيَرْفَع وَيَضَع، وَيعْطِي وَيَمْنَع، وَيعَافِي وَيَبْتَلِي، وَيؤْتِي الملْكَ مَنْ يَشَاء، وَيَنْزِع الملْكَ مِمَّنْ يَشَاء؛ {كلَّ يَوْمٍ هوَ فِي شَأْنٍ} [الرحمن: 29]، فَهَذَا مِنْ شَأْنِهِ سبْحَانَه، وَهوَ الخَلاَّق العَلِيم.
وَالخَلْق كل الخَلْقِ لاَ يَعْلَمونَ مِنْ فِعْلِهِ وَقَدَرِهِ وَأَمْرِهِ وَشَرْعِهِ وَخَبَرِهِ إِلاَّ مَا عَلَّمَهمْ بِوَحْيِهِ، أَوْ دَلَّهمْ عَلَيْهِ بِخَلْقِهِ، عَرَفَ ذَلِكَ عَنْه مَلاَئِكَته المقَرَّبونَ، وَأَنْبِيَاؤه المرْسَلونَ، وَعِبَاده الصَّالِحونَ؛ فَسَلَّموا وَاسْتَسْلَموا، وَأَذْعَنوا وَقَبِلوا، وَأَيْقَنوا وَآمَنوا، وَقَالوا: {رَبَّنَا مَا خَلَقْتَ هَذَا بَاطِلاً سبْحَانَكَ فَقِنَا عَذَابَ النَّارِ} [آل عمران: من الآية 91]، وَلَمْ يحَادوا اللهَ تَعَالَى فِي أَمْرِهِ، وَلَم ينَاكِفوه فِي فِعْلِهِ، وَلَمْ يَسْعَوْا فِي كَشْفِ قَدَرِهِ، وَلَمْ يَتَكَلَّفوا مَعْرِفَةَ عِلَلِ أَفْعَالِهِ، فَقَالَ المَلاَئِكَة عَلَيْهِم السَّلاَم:{سبْحَانَكَ لَا عِلْمَ لَنَا إِلَّا مَا عَلَّمْتَنَا إِنَّكَ أَنْتَ العَلِيم الحَكِيم} [البقرة: من الآية 32].
وَقَالَ الرسل عَلَيْهِم السَّلام: {لَا عِلْمَ لَنَا إِنَّكَ أَنْتَ عَلَّام الغيوبِ} [المائدة: 109]، وَقَالَ أَوَّل الرسلِ نوحٌ عَلَيْهِ السَّلاَم: {رَبِّ إِنِّي أَعوذ بِكَ أَنْ أَسْأَلَكَ مَا لَيْسَ لِي بِهِ عِلْمٌ} [هود: 47]، وَقَالَ المَسِيح عَلَيْهِ السَّلاَم: {تَعْلَم مَا فِي نَفْسِي وَلَا أَعْلَم مَا فِي نَفْسِكَ إِنَّكَ أَنْتَ عَلَّام الغيوبِ} [المائدة: من الآية 116]،وَقَالَ نَبِينَا محَمَّدٌ صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي دعَائِهِ: «اللهمَّ بِعِلْمِكَ الْغَيْبَ، وَقدْرَتِكَ عَلَى الْخَلْقِ، أَحْيِنِي مَا عَلِمْتَ الْحَيَاةَ خَيْراً لِي، وَتَوَفَّنِي إِذَا كَانَتِ الْوَفَاة خَيْراً لِي» [رَوَاه أَحْمَد].
تَأَمَّلوا هَذَا الدعَاءَ العَظِيمَ حِينَ يَتَوَسَّل النَّبِي صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إِلَى اللهِ تَعَالَى بِعِلْمِهِ وَقدْرَتِهِ فِي اخْتِيَارِ مَا هوَ أَحْسَن لَه: الحَيَاة أَوِ المَوْت، مَعَ أَنَّ بَنِي آدَمَ يَكْرَهونَ المَوْتَ، وَيَفِرونَ مِنْه، فَهوَ تَوَسَّلَ إِلَى اللهِ تَعَالَى بِعِلْمِهِ وَقدْرَتِهِ فِي أَخْطَرِ خِيَارٍ لِلْإِنْسَانِ وَهوَ الخِيَار بَيْنَ الحَيَاةِ وَالمَوْتِ.
وَإِذَا كَانَ الإِنْسَان يَجْهَل مَا هوَ خَيْرٌ لَه فِي نَفْسِهِ الَّتِي بَيْنَ جَنْبَيْهِ، وَفِي أَخْطَرِ قَضِيَّةٍ تَتَعَلَّق بِهَا؛ فَأَنَّى لَه أَنْ يحِيطَ بِحِكَمِ اللهِ تَعَالَى فِي خَلْقِهِ، أَوْ يدْرِكَ عِلَلَ أَفْعَالِهِ عَزَّ وَجَلَّ؟!
تَباً لِهَذَا الإِنْسَانِ الضَّعِيفِ الظَّلومِ الجَهولِ حِينَ يرِيد محَاكَمَةَ أَفْعَالِ اللهِ تَعَالَى إِلَىا عَقْلِهِ القَاصِرِ الَّذِي يَجْهَل كَثِيراً مِنْ أَسْرَارِ نَفْسِهِ الَّتِي بَيْنَ جَنْبَيْهِ، وَلاَ يحِيط عِلْماً بِأَحْدَاثِ اللَّحْظَةِ الَّتِي يَعِيشهَا، فَضْلاً عَنْ إِحَاطَتِهِ بِأَحْدَاثِ الزَّمَانِ كلِّهِ وَالعَالَمِ كلِّهِ.
إِنَّه بِجَهْلِهِ وَظلْمِهِ وَضَعْفِهِ يَعْتَرِض عَلَى أَفْعَالِ الخَلاَّقِ العَلِيمِ الحَكِيمِ القَدِيرِ؛ {أَلَا يَعْلَم مَنْ خَلَقَ وَهوَ اللَّطِيف الخَبِير} [الملك: 14]، {إِنَّمَا إِلَهكم الله الَّذِي لَا إِلَهَ إِلَّا هوَ وَسِعَ كلَّ شَيْءٍ عِلْماً} [طه: 98].
وَمِثْل هَذَا التَّأْصِيلِ المهِمِ يَجِب تَقْرِيره حَالَ وقوعِ المصائب بالناس كالحرائق والانفجارات والكَوَارِثِ وَالأَعَاصِيرِ الَّتِي تَجْتَاح المدنَ، فَتصِيب البَشَرَ، وَيَموت فِيهَا الأَطْفَال وَالحَيَوَان، وَمَنْ لاَ ذَنْبَ لَه، وَيشَرَّد الضعَفَاء، وَلَوْ كَانوا مِنْ أَهْلِ الإِيمَانِ؛ فَهِيَ مصائب وكَوَارِث دَائِرَةٌ عَلَى مَنْ أصِيبوا بِهَا بَيْنَ الابْتِلاَءِ وَالعَذَابِ؛ فَإِنْ كَانوا مؤْمِنِينَ قَائِمِينَ بِأَمْرِ اللهِ تَعَالَى فَهِيَ ابْتِلاَءٌ لَهمْ، وَتَكْفِيرٌ لِسَيِّئَاتِهِمْ، وَرِفْعَةٌ لِدَرَجَاتِهِمْ، وَإِنْ أَصَابَتْ كفَّاراً أَوْ فجَّاراً يبَارِزونَ اللهَ تَعَالَى فِي ملْكِهِ، وَيحَادونَه فِي حكْمِهِ، وَلاَ يَخْضَعونَ لِأَمْرِهِ وَنَهْيِهِ فَهِيَ عَذَابٌ عَلَيْهِمْ كَمَا عذِّبَتِ أمَم قَبْلَهمْ.
أَيهَا النَّاس:
إِنَّ أَوَّلَ الحَقَائِقِ الوَاجِبِ مَعْرِفَتهَا وَالتَّذْكِير بِهَا حِينَ وقوعِ الكَوَارِثِ:
أَنَّه لاَ يَقَع فِي هَذَا الكَوْنِ حَادِثٌ صَغِيرٌ وَلاَ كَبِيرٌ، مِمَّا يَفْرَح لَه النَّاس أَوْ يَحْزَنونَ أَوْ يَتَفَرَّقونَ فِيهِ، إِلاَّ بِقَدَرٍ سَابِقٍ سَطَّرَه القَلَم فِي اللَّوْحِ المَحْفوظِ قَبْلَ خَلْقِ السَّمَوَاتِ وَالأَرْضِ بِخَمْسِينَ أَلْفِ سَنَةٍ -وَعَرْش الرَّحْمَنِ عَلَى المَاءِ- مطَابِقاً لِعِلْمِ العَلِيمِ الحَكِيمِ، الَّذِي لاَ يَعْزب عَنْه مِثْقَال ذَرَّةٍ فِي السَّمَوَاتِ وَلَا فِي الأَرْضِ، فَلاَ تَهْمِس شِفَةٌ، وَلاَ تَنْزِل قَطْرَةٌ، وَلاَ تَسْتَقِر ذَرَّةٌ، إِلاَّ بِمقْتَضَى ذَلِكَ.
وَالإِعْصَار الَّذِي ضَرَبَ أمريكا هَذَا الأسْبوعَ لاَ يَخْرج عَنْ قَدَرِ اللهِ تَعَالَى، وَهوَ عَذَابٌ لِمَنْ يَسْتَحِق العَذَابَ مِنَ الكفَّارِ وَالظَّلَمَةِ وَالمسْتَكْبِرِينَ مِمَّنْ أَصَابَهمْ وَهم الأَكْثَر، وَيَفْرَح المؤْمِنونَ بِمَا أَصَابَهمْ؛ لِأَنَّه يشْرَع الدعَاء عَلَيْهِمْ لِكفْرِهِمْ وَظلْمِهِمْ وَبَغْيِهِمْ، فَإِذَا أَصَابَهمْ بَعْض مَا دعِيَ عَلَيْهِمْ بِهِ كَانَ الفَرَح بِهِ مَشْروعاً مِنْ بَابِ أَوْلَى؛ لِأَنَّ الدعَاءَ بِعَذَابِ الظَّالِمِينَ أَعْظَم أَثَراً مِنْ مجَرَّدِ الفَرَحِ بِهِ، فَإِذَا شرِعَ الدعَاء عَلَيْهِمْ شرِعَ مَا هوَ دونَه وَهوَ الفَرَح بِمصَابِهِمْ.
لقد قال الله سبحانه مخبراً عن موسى عليه السلام: {وَقَالَ موسَى رَبَّنَا إِنَّكَ آتَيْتَ فِرْعَوْنَ وَمَلَأَه زِينَةً وَأَمْوَالاً فِي الْحَيَاةِ الدنْيَا رَبَّنَا لِيضِلوا عَنْ سَبِيلِكَ رَبَّنَا اطْمِسْ عَلَى أَمْوَالِهِمْ وَاشْددْ عَلَى قلوبِهِمْ فَلا يؤْمِنوا حَتَّى يَرَوا الْعَذَابَ الْأَلِيمَ} [يونس: 88]، فقال الله جلّ وعلا: {قَدْ أجِيبَت دَّعْوَتكمَا}؛ لأن موسى كان يدعو وهارون كان يؤمن، فأجاب الله دعوتهما، ولو لم تكن دعوة شرعية، عادلة، لما أجاب الله دعاءهما… حاشاهما أن يدعوا بغير أمر مشروع..
وإذا كان مشروعاً فلم لا نفرح به؟ ألم يشرع لنا صيام ذلك اليوم الذي استجيبت فيه الدعوة شكراً لله؟
وَهذَا الإِعْصَار ابْتِلاَءٌ لِمَنْ أَصَابَ مِنَ المؤْمِنِينَ الطَّائِعِينَ، وَيَحْزَن المؤْمِنونَ عَلَيْهِمْ لِأَجْلِ مصَابِهِمْ، وَيدْعَى لَهمْ بِالتَّخْفِيفِ عَنْهمْ، وَلَيْسَ ثَمَّةَ مَا يَمْنَع مِنَ اجْتِمَاعِ الفَرَحِ وَالحزْنِ فِي الكَارِثَةِ الوَاحِدَةِ لِاخْتِلاَفِ مَحِلِّ الفَرَحِ وَالحزْنِ.
وَأَهَم مِنَ الفَرَحِ وَالتَّشَفِّي بمَا يصِيب المحَادِّينَ للهِ تَعَالَى فِي شَرْعِهِ، النَّظَر إِلَى قدْرَةِ اللهِ تَعَالَى فِي هَذَا الحَدَثِ العَظِيمِ، وَمَلْءِ القَلْبِ بِمَحَبَّتِهِ وَخَوْفِهِ وَرَجَائِهِ، فَهَا هِيَ أَقْوَى دوَلِ الأَرْضِ تَعْجِز عَنْ رَدِّ جنْدِيٍّ وَاحِدٍ مِنْ جنودِ اللهِ تَعَالَى {وَمَا يَعْلَم جنودَ رَبِّكَ إِلَّا هوَ} [المدثر: 31]، فَتَتَرَقَّبه وَتَنْتَظِره وَلاَ تَسْتَطِيع إِيقَافَه وَلاَ تَخْفِيفَه، وَتَتَجَرَّع أَلَمَ خَسَائِرِهِ وَهِيَ تَنْظر عَاجِزَةً حَسِيرَةً.
لَمْ تَنْفَعْهَا بِوَارِجهَا الَّتِي مَخَرَتِ المحِيطَاتِ، وَلَا طَائِرَاتهَا التي في الأجواء سابحات، هَا هِيَ تضْرَب بِالذلِّ وَالعَجْزِ وَالذعْرِ فِي سَاعَاتٍ خَسِرَتْ خِلاَلَهَا عَشَرَاتِ المِلْيَارَاتِ، وَتَوَقَّفَتْ حَرَكَة الطَّيَرَانِ فِي مَدِينَةٍ كَانَتْ تَعج سَمَاؤهَا بِالطَّائِرَاتِ، وَشلَّتْ حَرَكَة النَّقْلِ، وَعَانَى المَلاَيِين مِنَ انْقِطَاعِ الكَهْرباَءِ الَّذِي هوَ ضَرورَةٌ فِي هَذَا العَصْرِ، وَرَأَى العَالَم آثَارَ الحطَامِ وَالدَّمَارِ، وَأَصْبَحَتِ المَدِينَة النَّشِطَة بِالحَرَكَةِ، المَلِيئَة بِالبَشَرِ خَالِيَةً مَهْجورَةً، فَمَا أَعْظَمَ اللهَ تَعَالَى! وَمَا أَضْعَفَ البَشَرَ! وَمَا أَشَدَّ انْتِقَامَه سبْحَانَه {فَكَأَيِّنْ مِنْ قَرْيَةٍ أَهْلَكْنَاهَا وَهِيَ ظَالِمَةٌ فَهِيَ خَاوِيَةٌ عَلَى عروشِهَا وَبِئْرٍ معَطَّلَةٍ وَقَصْرٍ مَشِيدٍ} [الحج: 45]، وَأَقول قَوْلِي هَذَا وَأَسْتَغْفِر اللهَ…
الخطْبَة الثَّانِيَة
الحَمْد للهِ على إحسانه.. اللهم إنّا نسألك اللطف في القضاء.. والصبر على البلاء.. والخلف في المصاب ومس الضراء.. حولنا وقوتنا وقدرتنا قد فوضناها إليك، فنسألك بقوتك وضعفنا.. وبعزك وذلنا.. وبغناك وفقرنا.. إلا رحمتنا.. وآوايتنا وسترتنا وخففت عنا.. اللهم ارحم إخواننا وأخواتنا اللذين قضوا في حادثي الحريق والانفجار.. اللهم تقبلهم شهداء فقد صحّ عنه صلى الله عليه وسلم: «الحريق شهيد» اللهم تقبلهم شهداء.. وارفعهم في منازل السعداء.
اللهم اشفي إخواننا وأخواتنا اللذين أصيبوا في حادثي الحريق والانفجار.. اللهم اربط على قلوبهم وقلوب أهاليهم وأحبابهم.. هي الحوادث ياعباد الله تقرب منّا وتبعد.. يصرف الله أقضيته بين خلقه حكمة وبلاء وعظة واعتباراً.
والمؤمن البِصِر لا تقف نظرته عند هذه الأحداث مقصورة على أخبارٍ ينقلها.. أو صورٍ يتناقلها فحسب.. بل يقلب هذه الحوادث على مائدة العبر.. ويستجلي فيها لطف ربِّ البشر..
العبرة الأولى:
إن حرائق الدنيا وانفجاراتها وفزعها على عظم هولها ليست شيئاً أمام حرق الآخرة وانفجارها وفزعها، والقرآن أبلغ من ألف بيان، فاسمع رعاك ربي وتأمل: {إِذَا السَّمَاء انفَطَرَتْ. وَإِذَا الْكَوَاكِب انتَثَرَتْ. وَإِذَا الْبِحَار فجِّرَتْ} [الانفطار: 1-3]، البحار ياعباد الله.. البحار بمحيطاتها ستنفجر.. اللهم رحمتك.. اللهم رحمتك.. اللهم رحمتك.
{إِنَّ الَّذِينَ فَتَنوا الْمؤْمِنِينَ وَالْمؤْمِنَاتِ ثمَّ لَمْ يَتوبوا فَلَهمْ عَذَاب جَهَنَّمَ وَلَهمْ عَذَاب الْحَرِيقِ} [البروج: 10]
{يَا أَيهَا النَّاس اتَّقوا رَبَّكمْ إِنَّ زَلْزَلَةَ السَّاعَةِ شَيْءٌ عَظِيمٌ. يَوْمَ تَرَوْنَهَا تَذْهَل كل مرْضِعَةٍ عَمَّا أَرْضَعَتْ وَتَضَع كل ذَاتِ حَمْلٍ حَمْلَهَا وَتَرَى النَّاسَ سكَارَىٰ وَمَا هم بِسكَارَىٰ وَلَكِنَّ عَذَابَ اللَّهِ شَدِيدٌ} [الحج:1-2]، اللهم أمن فزعنا يوم الوعيد.
العبرة الثانية:
إن المصائب على المؤمن مهما كبرت.. والعظائم مهما عظمت إلا أنك ترى ألطاف اللطيف فيها، فمن أصيب في الحادثين قليل القليل ممن كان موجوداً في مكانهما، ناهيك أن كثيراً ممن أصيب خرج من المستشفى.
ثم إن الحادثين كانا محدودي المكان فلم يمتد لأماكن أخرى كمثل الحرائق التي نسمعها هنا وهناك تبدأ شرارتها متراً.. لتحرق أراض ومحلات كثيرة لتتركها بعد الحياة أثراً.
كما أن وقوع حادث الانفجار كان صباحاً باكرا في يوم إجازة الناس فيه قليل، كيف لو كان في يوم عمل أو في ساعة زحام.
العبرة الثالثة:
فزع القلوب وترويعها من مصابات الدنيا الأليمة والتي بسببها طاشت عقول وخرست ألسن وأصيبت قلوب في مقاتلها.. وأمن الوطن وعافية البدن.. ما الدنيا كلها عندها صح في البخاري قول حبيبك صلى الله عليه وسلم: «من أصبح آمناً في سربه، معافى في بدنه، عنده قوت يومه فكأنما حيزت له الدنيا».
العبرة الرابعة:
الشائعات وتناقلها لاسيما مع شبكات التواصل وَوسائل الاتصال السريعة.. تستدعي مزيداً من التثبت والوقوف.. قبل تفزيع الناس وترويعهم بالحقيقة فضلاً عن الكذب والتهويل المبالغ فيه.
والشائعات لم تقف عند حد الحوادث والأخبار.. بل انتقلت للأحاديث والآثار في نقل وتسارع عجيب تصلك كثيراً على شاشة جوالك فإذا ما سألت مرسلها ما مصدرها؟ وما صحتها؟ قال لك لاأدري أرسلتها نشراً للخير، وكم من مريدٍ خيراً يظنه فإذا بها أكذوبة أو بدعة ينشرها.
العبرة الخامسة:
إجراءات الأمن والسلامة ومعرفة الإسعافات الأولية من عمل الأسباب المشروع التي يهمنا جداً معرفتها وتعلمها، وكم هي الحوادث التي تمر علينا ولا نشعر بضرورتها إلا عند وقوع الحدث، فهل نعلم ماذا نفعل عندما يقع حريق في البيت أو تسرب غازٍ حمانا الله وإياكم، أو عندما يغرق غريق ونحو ذلك، إن وجود أدوات الأمن والسلامة ومعرفة الإسعافات الأولية كم أنقذت بعد تيسر الله نفساً، وخففت مصاباً.
العبرة السادسة:
صحّ عن الحبيب صلى الله عليه وسلم أنه في آخر الزمان يَكثر موت الفجأة، فيا بصير هل كان يدور بخلد من جاءوا لعرسهم أنهم سيخرجون منه أمواتاً؟!، وهل كان يدور بخلد من ركب سيارته صبيحة الانفجار أنه سينزل منها إلى قبره؟!
{وَجَاءَتْ سَكْرَة الْمَوْتِ بِالْحَقِّ ذَٰلِكَ مَا كنتَ مِنْه تَحِيد} [ق: 19].
العبرة السابعة:
حقوق الناس محفوظة خطب بها رسول الله صلى الله عليه وسلم في حجة الوداع مذكراً ومنذراً ومعظماً «إن دماءكم وأموالكم وأعراضكم حرامٌ عليكم كحرمة يومكم هذا في شهركم هذا في بلدكم هذا»، ويتأكد حفظ هذه الحقوق في الأزمات، فلا يجوز تصوير عورات المصابين، وسرقة ممتلكاتهم.
العبرة الثامنة:
إطلاق النار من المسدسات والرشاشات في الأعراس لا يجوز وفاعله آثم، وذلك لأنه تعريض لحياة الناس وممتلكاتهم للخطر والضرر والتهلكة والله تعالى يقول: {وَلَا تلْقوا بِأَيْدِيكمْ إِلَى التَّهْلكَةِ} [البقرة: من الآية 195] والنبي صلى الله عليه وسلم يقول: «لاضرر ولاضرار»، ثم إنه مخالفة للنظام الذي أصدره ولي الأمر.
العبرة التاسعة:
من شهد موقع الحادث للعون والمساعدة وهذا ما نقلته بعض الصور فأجره عظيم، وفيه إحياء نفس {وَمَنْ أَحْيَاهَا فَكَأَنَّمَا أَحْيَا النَّاسَ جَمِيعاً} [المائدة: 32]، ولكن من حضر للتجمهر وفضول النظر وهم الأكثر حسب تصريح الدفاع المدني أنهم بالآلاف فهم معيقون للإسعاف ومعرضون أنفسهم للخطر نتيجه تسرب الغاز، مفيداً أن آثار التسرب ستبقى لساعات بعد الحادث، وهذه الظاهرة تستدعي المعالجة والتطرق لها وضبطها توعية ونظاما.
العبرة العاشرة:
أو أفزعنا انفجار الرياض وحريق بقيق، فكيف بالانفجارات وحرائق القنابل اليومية التي يصطلي بها إخواننا وأخواتنا وأطفالنا في سوريا، لطفك الله بهم..
العبرة الحادية عشرة:
أنه من المهم جداً أن تولي الجهات المعنية ناقلات الغاز والوقود أهمية في وضع نظام يضبطها، ويبعد حوادثها عن التجمعات السكانية وطرقاً لتفادي تكرار مثل هذه الحوادث. وَصَلوا وَسَلِّموا عَلَى نَبِيِّكمْ.


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.