أثناء متابعتي للأحداث الراهنة طرأت في ذهني فكرة بادرتُ بتدوينها من أجل المساهمة في علاج ظاهرة تتضخم وتزداد سوءاً يوماً بعد يوم في المجتمع السعودي , ولا أُخفي عليك -أيها القارئ الكريم- أني وقعت في حيرة في نسج هذه الفكرة , فوقع القلم أسيراً في قبضة يدي وأنا أحاول توضيح الصورة المقلوبة التي عبثت بها الأيدي المتسخة والعقول الملوثة. ومن البديهي عند العقلاء أن لكل ظاهرة أسباباً في ظهورها وانتشارها , فلا علاج لها إلا بمعرفة أسبابها كاملة , ولا يتم ذلك إلا عبر مراكز الدراسات المتخصصة والقنوات الصحيحة التي تقوم بدورها في تعديل هذه الظاهرة عبر قوالب القيم الإسلامية والقواعد الشرعية لتنطلق من بلاد الحرمين إلى بلاد المسلمين عامة. وفي هذا الزمان تحديداً الكل ينادي بالمنهج الوسطي الذي لا يتم الحصول عليه إلا بالطرق الصحيحة التي تقطع ما يناقضه من الطرفين , فالطرف الأول – الإرهاب بمفهومه الإعلامي فقط - نال نصيبه الأوفر في تعديل الصورة وتصحيح الأخطاء , واختلفت طرق العلاج عبر الحملة الوطنية لمكافحة الإرهاب والتي مرت بها البلاد , وساهمت في هذه الحملة غالب مؤسسات الدولة , وقد حدد الإعلام المحلي – من وجهة نظره – أن مواطن الإرهاب الأساسية نشأت من الثقافة الدينية والمناهج التعليمية والمحاضن التربوية والمخيمات الصيفية ومنابر الخطباء ومحاريب الأئمة وحلقات تحفيظ القرآن الكريم والرئاسة العامة لهيئة الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر وبعض فتاوى العلماء وغيرها , ولكن بقي علاج الطرف الثاني - الفكر المتطرف من العلمانيين والليبراليين وغيرهم - وهو الأخطر بلا شك , ونتاجه يتسبب في إحياء الطرف الأول من جديد ونعاني بعد ذلك من المشكلة مرة أخرى ونعيش في دائرة مغلقة يصعب الخروج منها بسلام. ومما يدل على صحة ما سبق ما وقع من نتاج الطرف الثاني من سب للذات الإلهية , وتطاول على مقام النبي – صلى الله عليه وسلم – وطعن في الثوابت الشرعية بظهور موجة جديدة متشبعة بالإلحاد والزندقة , وهذا كله لم يأت من فراغ بل هناك خلايا لها حراك عقدي وفكري تتخم بالضلال , وتنشر هذه المعتقدات والأفكار بهدوء وتتشربها العقول المتلقية عبر الوسائل الإعلامية المختلفة , ومن أهمها المواقع الإلكترونية والصحف المحلية التي مازال كتَّابها يكتبون بحرية الرأي والتعبير ولكن بسقف يحدده رئيس تحريرها على ما تقتضيه المصالح الشخصية والدوافع الأيدلوجية ؛ فتمت التعبئة الملوثة للعقول البشرية , ونتج عنها عينات من الأقزام تصدروا الصحف المحلية عبر مقالاتهم كحمزة كاشغري , ومن قبله كبيرهم الذي علمهم الزندقة تركي الحمد , ومروراً بعبدالله حميد الدين – عاملهم الله بعدله -. وقد مارس أرباب الفكر المتطرف – الطرف الثاني - أساليب متنوعة واتخذوا طرائق متعددة عبر وسائل الإعلام لهدم الأصول والثوابت والتشكيك بالمسلمات والطعن في العلماء والمشايخ وطلبة العلم والدعاة تحت مظلة النقد الذاتي والتصحيح والموضوعية والإنصاف , فتزينت هذه العبارات البراقة واستقبلتها العقول الفارغة التي لم تتحصن بالحصون الشرعية , ومن نماذج الفكر المتطرف ما يلي : 1. كتب تركي الحمد روايةً سماها : (الكراديب) وفيها التعدي الواضح على الذات الإلهية – تعالى الله عما يقول الظالمون علواً كبيراً – حيث قال : (مسكين أنت يالله دائماً نحملك مانقوم به من أخطاء) , وقال كذلك : (أكل هذا جزء من قدر إلهي , أم هو عبث شيطاني , أم هي حكمة لا ندريها , مختبئة في عباءة قدر عابث , أو عبث قادر ؟ لا أحد يدري , فالله والشيطان واحد هنا وكلاهما وجهان لعملة واحدة). 2. كتب عبدالله حميد الدين كتاباً سماه : (الكينونة المتناغمة) المبني على الشك والإلحاد وتحول محتوياته إلى منهج لمجموعة من الشباب في محافظة جدة ومن مقولاته التي تشكك في وجود الله – سبحانه وتعالى – وتطعن في ثوابت ومعتقدات الشريعة قوله : (نحن بحاجة لله . لا شك . ولكن بحاجة لصياغة علاقة جديدة معه . وهذا لا يأتي إلا بالتشكيك به . فإذا تحب الله وتريد استمراره في حياتنا فشكك فيه). 3. قال رائف بدوي – مؤسس الشبكة الليبرالية السعودية على الإنترنت – في تسجيل له منشور على موقع اليوتيوب كلاماً فيه الجرأة بالباطل حيث قال : (من حق التيار المحافظ أو الجناح المحافظ أن يكون منغلقاً على نفسه , لكن ليس من حقه أن يلغي الآخرين , وأن يفرض فكره وأيديولوجيته على عامة الناس , من حق الإنسان أن يعبر , حتى الملحد من حقه أن يقول ما يريد ومن حقه أن يخرج إلى الناس ويصدع بصوته ويقول أنا ملحد وليس من حق أي أحد أن يحاسبه). 4. كتب عبده خال روايةً سماها : (فسوق) وفيها استغرابه الشديد بحجاب المرأة حيث قال : (لماذا تستعر من رجلك أو خشمك أو صدرك حينما يتكشف أي منها , أليست هي أعضاء من جسدك تفتخر بها , وهناك من يفتخر بأعضائه التناسلية أمام النساء ). 5. كتب منصور النقيدان في موقعه على الشبكة العنكبوتية كلاماً سيئاً حيث قال : (الجنون الذي نراه اليوم عرض من أعراض المرض والعلة التي استشرت في جسد هذه الأمة وثقافتها , وهذه راجعة أساساً إلى تراث متعفن , وثقافة الصديد والضحالة التي يربى أبناؤنا عليها صباحاً ومساءً , في المساجد , وعبر خطب الجمعة , وفي دروس الدين , ومن إذاعة القرآن الكريم). 6. كتب إبراهيم البليهي مقالاَ في جريدة الرياض يدعو فيه إلى نقد المسلَّمات ويزعم أن هذا هو صانع الحضارات حيث قال : (إن النقد للأفكار والرؤى والأوضاع والأعراف والتقاليد والمواضعات والمسلمات هو محرِّك الحضارة وهو صانع التقدم في كل مجالات الفكر والفعل وهو الشرارة التي فجرت طاقات الإنسان وصنعت له أمجاد الفكر والعلم ووفرت له أسباب الازدهار). 7. كتب عبدالله بن بجاد مقالاً في جريدة الوطن يدعو فيه إلى التشكيك في المعتقد والمنهج الذي يحمله العقل العربي الإسلامي بمسمى التنوير والإصلاح حيث قال : (إذاَ فلا بد كمنطلق لعملية التنوير والإصلاح أن يدخل الشك في آلية العقل العربي الإسلامي الحالي أن يشك في قضية جوهرية وهي هل هو قادر على العمل الآن ؟ هل آلياته ومناهجه ومنظومته المعرفية صالحة للتعامل مع الزمن الراهن). 8. كتب مشاري الذايدي مقالاً في جريدة الشرق الأوسط يدعو فيه إلى التهوين من خطر الرافضة في بلاد الحرمين ويسخر بما كتبه الأستاذ الدكتور ناصر العمر – حفظه الله تعالى - في مذكرة (واقع الرافضة في بلاد التوحيد) التي قدمها للعلامة عبدالعزيز بن باز – رحمه الله تعالى – حيث قال : (العمر تحدث عن هؤلاء الرافضة شاطباً من قاموسه الفكري وخيالة مفردة مواطن !! لقد نسي , أو تناسى , أن هؤلاء الذين يتحدث عنهم , هم – بمقتضى المواطنة – مثله تماماً . وهذا النسيان أو الشطب لمفهوم الوطنية نابع من أن مصدر الشريعة الأساس , للوجود والعمل قي الحياة هو مصدر أيدلوجي ديني لدى العمر وأقرانه). 9. كتب خالص جلبي مقالاً في جريدة الاقتصادية يدعو فيه إلى الانبهار بالحضارة الغربية والإشادة بأصحابها وقد تشرب حبه لأمريكا وفاض على غيره حيث قال : (يجب أن نحزن لحزن أمريكا ؛ لأنَّ فشلها فشل لكل الجنس البشري , ولأنها تمثل طليعة الجنس البشري). 10. كتب عبدالله أبو السمح مقالاً في جريدة عكاظ يدعو فيه إلى الاختلاط بين الجنسين في مجالات الحياة عموماً حيث قال : (التزمت والغلو هو الذي فرض التفريق والحجز بدعوى سد الذرائع). فهذه بعض النماذج المنوعة التي تهيج الطرف الأول والمجتمع السعودي عموماً ولو جمعت كل الأقوال التي تخالف وتطعن في الشريعة الإسلامية في الصحف والمجالات السعودية والقنوات الفضائية التي تستظل بوزارة الثقافة والإعلام لم يكفها مجلدات كبيرة وتزيد في كل يوم !!!. ويعيش أصحاب الفكر المتطرف - الطرف الثاني - تنظيماَ واضحاً ودعماً سخياً لإقامة المنتديات والمهرجانات والملتقيات الثقافية وإظهار المستوى الثقافي الذي يريدون تحديده للمجتمع السعودي فمثلاً : 1- أقيم منتدى جدة الاقتصادي وحضره رؤساء الدول الغربية ورموزهم مثل كلينتون ولورا بوش ومتيران وغيرهم وشارك فيه المثقفون ورموز التغريب من النساء والرجال السعوديين. 2- أقيم ملتقى للمثقفين السعوديين والسعوديات وأُقصي من لا يوافقهم وقد ظهرت الفضائح والخزي والعار في لقائهم الأخير الذي أقيم في فندق ماريوت بالرياض. 3- عقدت الدورات واللقاءات الثقافية عبر الأندية الأدبية المنتشرة في البلاد ودعي فيها بعض الشخصيات وطرحت الأوراق التي تخدم توجهاتهم الفكرية والثقافية. وينعم أصحاب الفكر المتطرف – الطرف الثاني – بالحرية في الظهور عبر القنوات الفضائية الداخلية والخارجية التي يملكها سعوديون ويتسابقون في نشر الباطل والضلال والمنكرات والرقص والغناء والمجون بحثاَ عن حطام الدنيا وتحطيماً للقيم الإسلامية وإرضاءَ للغرب , ويتنافسون فيما بينهم بالسبق الإعلامي في تغطية هذه الرذائل ومنها على مستوى الصحف السعودية تغطية برنامج ستار أكاديمي على قناة إل بي سي حيث كتب عنوانٌ في جريدة الرياض : (هشام ... كان رائعاً ومحترماً ... فكان بالفعل واجهة للشباب السعودي). ويتفنن أصحاب الفكر المتطرف – الطرف الثاني - في حرية التأليف والنشر وإصدار الكتب والروايات التي تخالف الآداب والقيم الإسلامية وتطعن في الثوابت الشرعية وتباع في المكتبات العامة وفي معرض الكتاب الدولي بالرياض - الذي يختلط فيه النساء بالرجال - وأعلن أصحاب هذا الفكر الضال السرور والابتهاج بالأنشطة المصاحبة للمعرض وبإقبال الجماهير إليهم في معرض الكتاب وبكتب المنحرفين من أصحاب المذاهب الهدامة , وعزفوا - في الوقت نفسه - عن كتب التراث الإسلامي ووصفوها بالعبثيات – عياذاً بالله تعالى – وقد كتب محمد المحمود مقالاً في جريدة الرياض واصفاً ما رآه في معرض الكتاب الدولي بالرياض : (لقد كان الإقبال ليس على تلك العبثيات والتراثيات , كما كان متوقعاً , بل رأينا القارئ الجماهيري يتجه صوب الكتب التي تؤسس روح العلم والمعرفة النقدية بالواقع والتراث . ورأينا المشاريع العلمية النقدية تتصدر قائمة المبيعات , وبأرقام تدعو إلى التفاؤل بمستقبل واعد وقريب – نسبياً - . لقد كنتُ في غاية السعادة وأنا أرى كتب الجابري , وعبدالمجيد الصغير , وحسن حنفي , وعلي حرب , ونصر أبو زيد , وأبي يعرب المرزوقي , وخليل عبدالكريم , واليوسفي , والوردي , ومحمد مفتاح , ورمسيس عوض , والمسيري .. إلخ , أرها محل احتفاء وتقدير وإقبال شرائي كبير من قبل القارئين والقارئات . والمبهج , إن كل هذا يحدث , رغم الحجر الثقافي , والدعاية الأيدلوجية العريضة , المضادة لهذه الأسماء أو بعضها . وهو ما يعني أن الإنسان يتحدى – لا شعورياً – ما يحس أنه يتهدد إنسانية , خاصة إذا مهدت له الظروف التي تكفل له حرية الاختيار). ومن تأمل حال أصحاب الفكر المتطرف – الطرف الثاني - لاحظ انكبابهم على التراث المنحرف والزائغ من أمثال غلاة الصوفية الزنادقة والفلاسفة الملاحدة , وضعفهم في العلم الشرعي الذي تسبب في انحراف بوصلة تفكيرهم وعدم اتزانهم العقلي وفتح الأبواب الغربية إلى حب التفلت والتحرر من كل القيود والضوابط الشرعية وتعميق الشك في المسلمات ونقض الثوابت الشرعية وتقديس العقل والمحسوسات وإنكار الكثير من الغيبيات والانبهار ببريق الحضارة الغربية الزائفة واحتقار واقع المسلمين في حياتهم المعاصرة. وختاماً ... فقد ذكرتُ لك - أيها القارئ الكريم - فيما سبق شيئاً قليلاً لا يذكر من ممارسات الفكر المتطرف– الطرف الثاني - , والذي لا يزال يمارس حتى الآن , وقد تمكن بعض أربابه من مواقع هامة تساعد على نشر ما يريدونه , ولكن بقي السؤال الذي يحير العاقل المتجرد من كل الدوافع ... هل نسمع في الأيام القادمة عن الحملة الوطنية لمكافحة الفكر المتطرف ؟! مثل الحملة الوطنية لمكافحة الإرهاب لكي يتم التوازن وتتحقق الوسطية وتختفي الشرارة وننعم بالأمن والأمان !!! نتمنى ذلك. أبوخلاد ناصر بن سعيد السيف 26 ربيع أول 1433 ه https://twitter.com/#!/abu_khalad