• القبض على هيلة القصير وهي في حالة خلوة غير شرعية • تجويز المنظرين للتنظيمات المتطرفة لحلق اللحى والتخفي في ملابس النساء لتضليل رجال الأمن • عدد من المتطرفين زوروا كوبونات إفطار صائم لجمع التبرعات لدعم العمليات الإرهابية . • اللبناني زياد الجراح أحد الذين نفذوا هجمات الحادي عشر من سبتمبر قضى ليلته الأخيرة في ملهى ليلي للتضليل. هذه العناوين الصحافية هي حقائق مثبتة كان فاعلوها أعضاء التنظيمات المتطرفة ولكن السؤال الذي يطرح نفسه كيف يتجرأ من يدعي أنه يجاهد في سبيل الله بارتكاب المحظورات واستباحة المحرمات المثبتة شرعا؟! ولو سألنا أي شاب أو طفل أو امرأة عن حكم هذه الأفعال لأجابنا بدون تردد جل هذه الأفعال محرمة شرعا وغير جائزة فالتحايل والكذب والخديعة والخلوة وارتداء الملابس النسائية وارتياد الملاهي الليلية أمور غير جائزة في ميزان الشرع. كل ما ورد ضمنه الإرهابيون في أدبياتهم تحت مخترع جديد خاص بهم أسموه (فقه الأمنيّات)، مصطلح جديد لم يذكر في كتب الفقه أو التراث الإسلامي ولم يشبههم في فعله سوى الخوارج عبر التاريخ الإسلامي الكبير. جوزوا من خلاله المحرمات لتضليل رجال الأمن والإيقاع بالشبان لتنفيذ عملياتهم وقتل الأبرياء من الرجال والنساء والأطفال. ورغم أن هذا المصطلح غير معروف في أوساط المجتمع والإعلام إلا أنه لدى التنظيمات المتطرفة والعاملين في مجال الأمن والمناصحة والفقهاء معروف مفضوح ومجمع على عدم جوازه . «عكاظ» كأول صحيفة سعودية طرحت ملف (فقه الأمنيّات) وناقشته تحرير مصطلحه؟ وتساءلت عن مدى وجوده في كتب الفقه والتاريخ؟ وصوره لدى التنظيمات المتطرفة؟ ومدى قناعة الإرهابيين به رجالا ونساء؟ وكيفية محاربته وفضح ممارسته التي تعتبر جزءا من تعرية الفكر الضال القائم على المحظورات الشرعية؟ ودور العلماء والتربويين والإعلاميين في ذلك؟! واستعرضت دور وزارة الداخلية ولجان المناصحة ووزارة الشؤون الإسلامية في تعرية هذا المفهوم في سياق التحقيق التالي: بداية نفى المستشار في وزير الشؤون الإسلامية المدير العام للتوعية العلمية والفكرية عضو لجان المناصحة الدكتور ماجد المرسال وجود علاقة بين فقه الأمنيات والفقه الإسلامي الصحيح، مبينا أنه لا أصل لهذا المصطلح، ولفت المرسال إلى أن ارتكاب المخالفات الشرعية تحت ذريعة الأمنيات ليس من الشرع في شيء، لأن الغاية في شرعنا لا تبرر الوسيلة إذا افترضنا مشروعية الغاية، موضحا أن التنظيمات المتطرفة تسعى لغايات غير مشروعة بوسائل غير مشروعة مستدلا على ذلك بتكفير المسلمين واستحلال دمائهم بغير حق وأعمال الفساد والتخريب جميعها غايات غير مشروعة والتحايل للوصول إليها بارتكاب المحرمات من الكذب والتزوير والتشبه بالنساء أو الخلوة المحرمة وحلق اللحية وترك الجمع والجماعات والاستيلاء على أملاك الآخرين بغير حق، جميعها وسائل غير مشروعة، مؤكدا أن هذه المخالفات ترتكب باسم الدين، والدين منها براء. وفي الوقت الذي نفى المرسال وجود هذا المصطلح في كتب الفقه شدد المشرف العام على فرع وزارة الشؤون الإسلامية في المدينةالمنورة رئيس لجنة تعزيز الوسطية الدكتور مسعود المحمدي أن ما هو موجود في الشريعة يناقض هذا المفهوم، مبينا أن الشريعة اعتنت بما يحقق الأمن للفرد والمجتمع وللأمة وللدولة الإسلامية، مضيفا «ما هو موجود في كتب العقيدة يضبط مسائل التكفير والتبديع بضوابط وشروط وموانع»، وشدد المحمدي على أنه لا أصل لهذا المصطلح من خلال قراءة النصوص الشرعية من كتاب وسنة وكلام السلف والمصادر الفقهية قديما وحديثا، موضحا أن هذا المصطلح دخيل على الفقه الإسلامي وفق ما يرمي إليه المبتدعون له من التنظيمات التكفيرية، مشيرا إلى أنه قصد به التبرير لأنفسهم في مخالفة أحكام وثوابت شرعية ليخلصوا إلى مرادهم من الانحراف عن الجادة والوقوع في شر أعمالهم. استخدام المصطلح وحول إمكانية استخدام هذا المصطلح في الأمور الإيجابية بين الدكتور ماجد المرسال أن أخذ الاحتياطات الأمنية من حيث الأصل أمر مشروع والمحافظة على الأمن العام والخاص من أوجب الواجبات، ولذا جاءت الشريعة الإسلامية بالمحافظة على الضروريات الخمس، والله تعالى يقول (وخذوا حذركم..)، واستدل على ذلك بحوادث للنبي صلى الله عليه وسلم منها إذا هم بغزوة ورى بغيرها، ولبس الدرع والمغفر في غزواته، وظاهر في أحد بين درعين، واتخذ الاحتياطات في هجرته صلى الله عليه وسلم، مستدركا «لكن جميع ذلك في عمل مشروع في الجهاد الشرعي الصحيح في مواجهة الكفار المحاربين وليس في مواجهة المسلمين والمعاهدين»، ولفت المرسال إلى «أن كثيرا من الشباب الموقوفين حينما نسألهم في لجان المناصحة ماذا قالوا لوالديهم حينما أرادوا الخروج إلى مواقع القتال، فبعضهم يقول أنا قلت لهم إنني سأذهب إلى مكة وبعضهم يقول إننا سنذهب إلى رحلة برية أو إلى الاصطياف في عسير ونحو ذلك»، مضيفا «ثم يقطع الاتصال بوالديه أشهرا تتقطع قلوبهم لا يدرون ماذا حصل له، ثم يفاجأون باتصال أنه في مواقع القتال أو في سجن كذا وسجن كذا، وحينما نسأل بعضهم عن دليل مشروعية فعلهم هذا وكذبهم على والديهم يستدلون بأن الحرب خدعة وأن النبي صلى الله عليه وسلم إذا هم بغزوة ورى بغيرها». تطبيق الخوارج لكن عضو لجان المناصحة مستشار مدير جامعة الإمام محمد بن سعود الإسلامية الدكتور إبراهيم الميمن خالفه الرأي، حين بين أن المصطلح طبق قديما وأنه ليس وليد هذا العصر، وقال «لا أعلم أن هذا المصطلح له أصل أو استخدم لدى فئة، لكن من يتتبع تاريخ الانحراف منذ عهد الخوارج يجد التشابه في التناقض، وأن هذا أمر ملازم لانحرافهم، وقد وصفهم الرسول بما يدل على هذه الازدواجية المقيتة حين قال عنهم: (يقتلون أهل الإسلام ويدعون أهل الأوثان)»، واستدل الميمن على ذلك بحوادث ذكرت في كتب التاريخ، مشيرا إلى أن الذي حصل من الخوارج يتشابه مع تنظيرات التنظيمات الإرهابية، وهي تشرعن القتل وسفك الدماء المعصومة، وهي جرائم عظيمة، وتوظف النصوص والقواعد الشرعية لتبرير باطلهم، مثل: «الباحث عن حكم قتل أفراد وضباط المباحث» و«تحريض المجاهدين الأبطال على إحياء سنة الاغتيال» و«تطمين النفوس في جواز قطع الرؤوس»، وكلها تدل على هذا الخلل العميق الذي لا يخدمهم فيه تأصيل شرعي، ولم يسيروا فيه خلف عالم معتبر، وإنما هي الأهواء. الاحتياط الامني ونفى الدكتور المرسال وجود علاقة بين الاحتياط الأمني المشروع وفقه الأمنيات، موضحا أن الاحتياط الأمني المشروع أمر به الشرع وفعله النبي صلى الله عليه وسلم، مفيدا أن ارتكاب الوسائل المحرمة من التزوير والكذب على الوالدين وعلى ولاة الأمر المسلمين وعلى العلماء للتوصل إلى غايات غير مشروعة في تكفير المسلمين واستحلال دمائهم بغير حق يختلف تماما عن الاحتياط الأمني المشروع، واستدل المرسال بفتاوى أهل العلم قديما وحديثا التي تؤكد هذه الأمور، مبينا أن من يجيز ارتكاب المخالفات الشرعية تحت ذريعة الأمنيات هم المنتمون للتنظيمات المتطرفة الذين يؤصلون لأتباعهم المخالفات الشرعية بذريعة الأمنيات. وأكد المحمدي على كلام المرسال من خلال بحثه العميق على هذه المسألة في كتب الفقه والتراث، قائلا: «لم أجد أحدا من الفقهاء المتقدمين قال بهذا المصطلح والمسائل المتفرعة تحته حسب الصورة المطروحة من تنظيم القاعدة له، ولم أعثر على كتب تحدثت عن التأصيل له ولم أر ذكرا لتنفيذه أو الإفادة من نظريته». ونظرا لعدم وجود حادثة تدل على تطبيق هذا الفقه في التاريخ الإسلامي بين المرسال خطورة استخدامه في العصر الحديث قائلا: «ارتكاب المخالفات الشرعية بذريعة هذا الفقه له مفاسد كثيرة وخطيرة في الدنيا والآخرة فمن مخالفة للنصوص الشرعية التي تحرم هذه المخالفات ومخالفة القواعد الشرعية المتعلقة بأحكام الوسائل والغايات وما ينتج عن ذلك من عقوق وخروج عن الجماعة واستحلال للدماء بغير حق وإثارة للفتنة واتباع للمتشابه والله تعالى يقول (وأما الذين في قلوبهم زيغ فيتبعون ما تشابه منه ابتغاء الفتنة وابتغاء تأويله)». خطورة استخدامه ورأى الدكتور مسعود المحمدي أن خطورة هذا الفكر في أمور تتلخص في أن دعاة التكفير والتفجير يجعلونه ستارا يتعبدون به لله بزعمهم لتنفيذ مخططهم، مستدلا على ذلك بحلق لحاهم ولبسهم لملابس النساء والتزوير وغير ذلك وتجويز هذه الأمور جائز عندهم لنصرة ما هم عليه من ضلال، مبينا أنه إذا حاججهم مناصح قالوا إن فعلهم من فقه الأمنيات فبهذا يلبسون على قليلي العلم من الشباب، ولفت المحمدي إلى أنهم يحاولون الخلط بين إعمال القواعد الفقهية المتعلقة برفع الحرج عن المضطر بفهم الفقهاء الصحيح وبين فهمهم الباطل، ويلبسون بذلك على ضعاف العقول وقليلي العلم من أبناء المسلمين، وشدد الدكتور مسعود على أن فعلهم هذا يشوه في نظر الجهال تعاليم جاء بها الشرع كحجاب المرأة ونحو ذلك، إلى غير ذلك من مفاسد ومخاطر تترتب على هذا المصطلح الآثم. تطبيق المفهوم ويعد تطبيق هذا الفقه مربوطا بمدى قناعة أفراد التنظيمات المتطرفة به، وهو ما أكده الدكتور ماجد المرسال حينما بين أن التنظيمات المتطرفة مقتنعة به وترى أنه مهم لها في تنفيذ مخططاتها الآثمة وتضلل الشباب بالتأصيل له من خلال لي أعناق النصوص أو تنزيل النصوص الواردة في الكفار على المسلمين، كما فعل الخوارج من قبل، وخالف الدكتور إبراهيم الميمن رأي المرسال حينما أوضح أن قناعات الإرهابيين بهذا الفقه تتفاوت، فمنهم من يقدم على مثل هذه الأمور بقناعة، بناء على هذا التضليل، ومنهم وهم الأغلب من يكون مدفوعا بفتاوى المنظرين. وعلى الصعيد النسائي أشارت الدكتورة فاطمة السلمي أن قناعة النساء المتطرفات بتنفيذه ترتبط بمدى قناعتهن بمفهوم فقه الأمنيات كما وصل إليهن وكما فسر لهن، فطالما النساء المتطرفات مثأثرات بآراء التنظيم بحجم التأثر سيتقبلن كل ما تمليه عليهن القاعدة بالتغاضي عن مدى تحريمه أو إنكاره الشرعي، مشددة على أنهن لديهن اقتناع أن ما يراه التنظيم حرام فهو حرام وما هو حلال فهو حلال. المواجهة والتحصين ولمواجهة هذا المفهوم الخطير دعا الدكتور مسعود المحمدي العلماء وطلبة العلم للقيام بدورهم في كشف مثل هذا الكذب على الشريعة، وبيان مخاطر ما ذهب إليه الإرهابيون من ابتداع مصطلحات خاطئة وتحريف للشرع، وتحذير الناس من البدع كافة خاصة تلك التي يبتدعها مجددا من يلبس ويخادع ويكذب وطريقته المكر، وطالب المحمدي الباحثين والمختصين بمزيد من البحوث في بيان بطلان بدع تنظيم القاعدة ومن سار مسارهم لكشف بطلان فقه الأمنيات. وهنا ترى الدكتورة فاطمة السلمي أهمية دور الأسرة في محاربة مثل هذه المفاهيم من خلال احتوائها لأبنائها وبناتها قبل أن تصل إلى مرحلة التطرف بتوضيح كثير من المفاهيم المغلوطة لديهم وتصحيح الأفكار المشوهة والمشبوهة، والرجوع في الأحكام الشرعية إلى أهلها من هيئة كبار العلماء أو العلماء الثقات، وهو ما أكد عليه الدكتور ماجد المرسال بأن المحاربة لهذه المفاهيم تأتي عبر بيان مخالفته للشرع ومناصحة من يدعو إليه أو يفتي به، وتحذير النشء من هذه التنظيمات المتطرفة وتحصينه من الأفكار المنحرفة وتربيته على الوسطية والاعتدال وربطهم بالعلماء الراسخين ممن شهد لهم الناس بالعلم والصلاح والقبول. مبينا أن وزارة الشؤون الإسلامية أطلقت برنامجا ضخما في جميع مناطق المملكة، وسينفذ هذا البرنامج على هيئة ندوات شهرية وورش عمل ودورات تدريبية في تعزيز الوسطية والاعتدال ومواجهة التطرف والغلو وتحقيق الأمن الفكري وفضح مثل هذه المفاهيم. بينما بينت الدكتورة فاطمة السلمي جهود لجان المناصحة في فضح مفهوم فقه الأمنيات من خلال المناصحة والتوعية ومقارعة الحجة بالحجة والدليل بالدليل، خصوصا أن لديهن قدرة على تسخير الأحكام الشرعية لخدمة أهداف التنظيم، مشيرة إلى عودة الكثيرات عن هذه الأفكار بعد بيان زيفها.