استكمالًا لحلقة الأسبوع الماضي ، نشرت الثقافية - ب (صحيفة (الجزيرة السعودية)، تختتم ، الشأن الثقافي بصفة عامة والأدبي منه بصفة خاصة ، وقد تضمنت الحلقة الثانية التي طالعتنا اليوم ، والتي أعدها وحررها الأستاذ الأديب محمد الرويلي ، المحرر بالجزيرة الثقافية ، جاء فيها : يا لهذا الثراء الوافر في أراضي السلطنة الغنية بموروثها وتنوّع فنونها الثرّة, لن نطيل في مقدمتنا حولها القول مكتفين بما قطّفناه في النهاية من زاخر المحصول المنقول. بيد أنّا سنكتفي بالإشارة إلى أن الأعرابي سينتقل بعد نهاية هذا الجزء لأرض «اللؤلؤ» التي أطلق عليها الإغريقيون «تايلوس» حينما أكتشفها «نيرخوس». إلى (دلمون) المسماة «أرض الفردوس أو ارض الخلود والحياة. والمعروفة حديثًا بدولة مملكة البحرين, على ظهر قلوصه «العليا» هاشًا باشًا فما كان رجلٌ عُشٌ باليوم المطير ولا كسير الجناح من غبراء وحراء القيظ والسموم الهجير. سيدخلها أعرابينا بزوّادته طلق المحيَّا في السابع والعشرين من أبريل الجاري, ثم ينهي رحلة «دلمون» في الرابع من مايو. مواصلًا رحلته الصحفية العربية الشهيرة قبل هُلول هِلال شهر رمضان المبارك, إذ قاربت رحلته أن تنهي عامها الثاني راصدًا خلالها الحراك في بلدان العرب, سيعيد أعرابينا العيدين ويتجه لمستقر الإنسان, ومعبر ما قبله وما يليه, من مستوطنات بشرية أقامها الإنسان القديم في «وادي رم» جنوبًا, وسلك إليها من المشرق «وادي السرحان», هناك سيجد مملكة «الأنباط» وعاصمتها «البتراء», من غربي سلاسل جبال عاصمتها الحالية «عمان» سيودع الأعرابي أحبته الأردنيين, ليسلك الطريق الوعرة إلى جبال «بيروت», أقدم المدن والعواصم على الساحل الشرقي للبحر المتوسط, وبالتالي أقدم المدن في العالم القديم.. ولا تعجبوا إن سمعتم صوته ينساح منثالًا في الأودية وسهول البقاع, أم وهو يتسربل الغلسة في أعالي الجبال أم حين يندفق منحدرًا كالصباحات الندية والفراشات أمام الشواطئ البحرية ويفتح الشبابيك ويرفع الستائر ليركض وراء فيروز يطارد صوتها الذي عرف فيه لبنان وعشق منه لبنان وكل فنونها وحضاراتها العتيقة العريقة مترنمًا: بحبك يا لبنان يا وطني بحبك بشمالك بجنوبك بسهلك بحبك بعدها لا بد لنا أن نقول إن شمس صاحبنا الأعرابي دانية للمغيب, فقريبًا يختم رحلته ويتجه للقارة السمراء, سيدلفها من جديد لكن هذه المرة لمقابلة الإخوة الصوماليين والموريتانيين. سيقيم عندهم ما يشاء الله له عندهم المقام, ثم يلملم بقايا أضابيره المُحبّرة في نهاية رحلته مُودِعُها خِرْج (العلياء), عائدًا لجزيرته مصافحًا معلّمه الدكتور إبراهيم التركي مدير تحريره الذي تعهد يقينًا وإيمانًا بأهمية نشر خَرَاج رحلة صاحبنا, هذا ما سيكون - بحول الله - أما ما كان في نهاية رقيم سلطنة عمان فدونكم (قُرّاء الثقافية) حصيلته. ظفار.. القصص أنموذجاً تواصل القاصة «إشراق النهدي» في هذا الجزء حديثها بعد أن تطرقت في العدد السابق لجوانب من الحركة القصصية في ظفار قائلة: في الوقت الحاضر يمثل البراعة الفنية في القصة الروائي والقاص «محمد الشحري» الذي أصدر مجموعته «بذور البوار». ثم تطور إلى كتابة الرواية «موشكا», في مجموعته القصصية قدّم «الشحري» نفسه كاتباً موهوباً، وصاحب موقف، كما أنه نسب المجموعة إلى ظفار، وذلك بذكر مفردات تمت بشكل قاطع إلى البيئة التي ينتمي إليها؛ كاستخدام اسم طفول وظفاري في أحداث القصص. وهناك إيمان فضل «راسي مستعار», تقول في مجموعتها «قد لا تفضحك الكلمات أحياناً، بقدر ما تفضحنا مسافة بين كلمة وأخرى، تقول أسراراً ما كُنَّا نبغي أن تُباح للأعين، تَفضحنا أصوات صمتنا وأنين سكوننا بين الفتحة والضمة، لكأن الصمت اغتيال، وكأن الهمس ولادة للإخفاق». أيضاً القاص منذر السعيدي «أطماع رفات», اختزل الكاتب في هذه المجموعة الكثير من الأحداث، والوقائع، والقضايا التي تمر بها الأمة العربية والإسلامية، وتناول بها أيضاً مشاكل المجتمع بأسلوب سهل، بعيداً عن التكلّف اللفظي والرمزي، له مجموعة غير منشورة بعنوان «دماء السماء». وفي مطلع 2016، صدرت عن بيت الغشام العمانية للنشر والترجمة المجموعة القصصية «الأحمر» للكاتبة إشراق النهدي- كاتبة السطور- تم التنويه عنها من قبل الجمعية العمانية للكتاب والأدباء من حيث الاشتغال الفني للمجموعة التي احتوت على 12 قصة. بعدها نشرت تباعًا «روزيشيا، خرفجت، وحائط مموج». وأضافت «النهدي» وهناك «الحوجري» المجموعة التي نشرها «محمد جداد», واستطاع فيها نقل مدينة صلالة من خلال أحداث القصص المحكمة الحبكات الفنية التي تناولها وصفا وسردا، وإشارة إلى العنوان الذي خبأ في طياته منتج ظفاري أصيل بالعبق والأصالة, كما أصدرت الباحثة «ثمنة الجندل» مجموعتها «بحر الزين»، معتمدة القصص على أسلوب سردي يترجم الحياة الاجتماعية بعاداتها وتقاليدها وأعرافها، وتناولت المرأة بشتى صورها المختلفة وكامل قضاياها العميقة، وفي المرحلة التطورية للقصة نشرت خير الشحري «أيام لن تعود»، وجسدت فيها الطبيعة والبيئة ودورها في المجتمع الظفاري وتأثيرها على الإنسان في قالب قصصي يتميز بالصراع الحياتي في بيئة ريفية موثقة باللهجة الجبالية والعادات المجتمعية. كذلك تميز السرد القصصي في قالب لغة شعرية بجوانب فنية متعددة في كتاب «تشرق الشمس رغم كل شيء» لنور الشحري. أخيرًا نشرت «عايشة السريحي» المجموعتين «خيانة عابرة و حجارة الفجر السابع», تناولت فيهما سلوكيات المجتمع ومواقف الأفراد تجاه الأفكار السائدة. رائدات الشعر الفصيح في المشهد العماني وحول حضور الأسماء الإبداعية النسائية في السلطنة وتشكلات الحركة الشعرية لديها كشفت الشاعرة والناقدة الدكتورة «سعيدة خاطر الفارسي» أن المشهد الشعري النسوي في عُمان لا يختلف عن باقي الوطن العربي، من حيث الظهور، إذ كان المشهد الشعري في السبعينيات من القرن العشرين يبدو للرائي شبه خاوٍ - المنجز النصي الفصيح - فالشعر النسائي العامي بمختلف تنويعاته كان موجوداً منتشراً عبر التناقل الشفاهي، ولم يهتم بالكتابة لتؤسس لاستمرارية وجوده, لكنه كان مشهداً غنياً ومشاركاً مع الرجل بفاعلية، خاصة ذلك الشعر المرتبط بالغناء والرقص الفلكلوري العماني، وكان ذلك على النقيض من المنجز الشعري النسوي الفصيح الذي لم يحظ قبل السبعينيات إلا بالندرة النادرة من الأسماء النسائية وذلك لتقلص التعليم والكتابة، وإن كانت قد وردتنا شفاهياً عدة أسماء، كالشاعرة عزاء حماد المغيرية المتوفاة في بدايات القرن العشرين كما أفاد الأستاذ أحمد الفلاحي، وبهذا تكون (عزاء المغيرية) من جيل الرائدات في الوطن العربي والرائدة الأولى للخليج العربي، ومما وصلنا من أشعارها هذه المقطوعات القصيرة: إلهي لقد أكرمتني ووهبتني عطاء جزيلا فوق ما استحقه وقولها: أمَتُكَ الذليلةُ الفقيرة تعاظمتْ ذنوبُها كثيرةْ فاغفر إلهي الزلةَ الصغيرة وأعفُّ عن الخطيئةِ الكبيرة وقبرها يا سيدي تُنيره لكي يكون روضةً نظيرة إذ من الواضح الثقافة الدينية التي تمتاح منها الشاعرة, ولاشك أن شاعرة بهذه المقدرة والبراعة اللغوية والعروضية لها شعر كثير لم يحفظ، أو لم يسمح له أن يدون ويحفظ وفق عادات وأعراف كانت تحاكم الرجل في موروثه الغزلي، فما بالك بالمرأة. وأضافت: إذا تتبعنا المشهد الشعري ابتداء من أول السبعينيات في عمان «عصر النهضة العمانية» لوجدنا الساحة خالية تماماً من أي منجز نسوي مدون، وسمعنا عن بعض الشاعرات اللاتي لم يكتبن نتاجهن تماسا مع العادات والأعراف الاجتماعية, والحقيقة أنه لم يصلنا أي اسم من تلك الفترة سوى الشاعرة عائشة الحارثي, إذ ورد ذكر بعض قصائدها في كتاب (شقائق النعمان على سموط الجمان في أسماء شعراء عمان) للشيخ محمد الخصيبي. فكتبتْ قصائدها الكلاسيكية التي تشبه نوعاً ما شعر عزاء المغيرية، وأقرب إلى شعر الرائدات في الوطن العربي «عائشة التيمورية، وأم نزار» جاء شعر عائشة دينيا، تعليميا, يحمل الكثير من النبرة الوعظية, أو الوصفية كقصيدتها في وصف رحلة الحج وأداء المناسك التي قالت فيها: دعاني لحجِ البيتِ من بعد سبعة وعشرين عاماً قد مضتْ من حياتيا فجزنا طريقَ الجو نخترقُ الفضا وفي البرِّ أحياناً نؤمُ المعاليا وصلنا ضحىً أم القرى منبع الهدى فقرتْ بها عيني وسُرَّ فواديا وتابعت: وفي ظل ذلك الصمت الأنثوي المطبق تلك الفترة من تاريخ عمان, أنطلق صوت نسائي مختلف، هو صوت الشاعرة سعيدة خاطر الفارسي - كاتبة السطور- مسجلاً حضوره منتصف الثمانينيات، وكانت متسلحة بعدة عناصر تؤسس لانطلاقتها فهي خريجة جامعية، تشربتْ من انفتاح الأفق الثقافي في الكويت التي تلقت مراحل تعليمها فيها، ووريثة أسرة ينتمي العديد من أفرادها إلى دوحة الشعر، إيمانًا بضرورة سدَّ الفجوة في المشهد النسوي العماني عبر المشاركات الكثيفة، مخترقة المشهد الذكوري التام، فكانت بذلك أول امرأة تشارك في إدارة مجلس النادي الثقافي، وأول امرأة يصل نتاجها للنشر عبر الجرائد والمجلات، وأول امرأة عمانية تشارك في المهرجانات الشعرية والثقافية المحلية والخارجية، وصاحبة أول إصدار شعري نسائي سنة 1986م بعنوان (مدٌّ في بحر الأعماق)، كما كانت أول امرأة عمانية تحصل على تكريم إبداعي رسمي، إذ منحت وسام الأدب من ملوك وقادة دول مجلس التعاون، وحصلت على العديد من التكريم الأدبي داخل وخارج السلطنة، وقد أسستْ سنة 1996م أسرة الكاتبات العمانيات وترأستها. من نماذج الشعر قصيدة أُمومة: إذا ما تكوَّرتَ في داخلي وأثقلتَ جسماً خفيفاً خلي وصرتَ تلملمُ روحَ الحياةِ فلم يبقَ شيءٌ سوى الآهِ لي خصائص الشعر تتناول ذات الأنثى ولعل الريادة الحقيقة لشعر نسائي حديث يتسم بخصائص النسوية، وتتناول ذات الأنثى وبوحها بدأت مع سعيدة خاطر، تلك التجربة التي مهدتْ الدرب لمشاركات نسائية كثيفة ومتميزة فيما بعد. وحول ظهور المجموعات النسائية بعد ذلك قالت الناقدة «الخاطر» في أواخر الثمانينيات ظهرتْ مجموعة من الفتيات، ودخلت أسماء كثيرة غير أنها سرعان ما اختفتْ لضعف الموهبة، أو بالأصح لعدم وجودها أصلاً، استمرت منهن الشاعرة تركية البوسعيدي التي أصرتْ على التواجد، وظلَّ نتاج تركية متذبذبا إلى أن استقرتْ على قصيدة النثر تخلصاً من العروض، وكان أول دواوينها هو (أنا امرأة استثنائية), ثم نشرتْ (جنائن الروح), ثم ديوانها (سوار الحب) سنة 2006م، تزامناً مع كون مسقط عاصمة للثقافة العربية. وبعد تركية بقليل ظهرت الشاعرة عائشة الفزاري التي كتبت الشعر الشعبي والفصيح قليلاً ثم اختفتْ, وعادت مؤخراً متشجعة بالنشر الإلكتروني، وفي الفترة نفسها ظهرت نورة البادي، وهي شاعرة جريئة تخوض غمار التجريب في أكثر من مجال (كتابة الشعر، التمثيل، الإلقاء المسرحي) وظلت تجربتها الشعرية تقليدية متعثّرة إلى أن أصدرت ديوانها الأول (للشاهين جناحٌ حرّ) مسجلة حضوراً واضحاً، دعمته فيما بعد بإصدار (نصل الورق) تقول نورة من ديوانها نصل الورق: يجلدني .. بياضُك المحلوج من .. ندف الشتاء .. فينز ذاك الأحمر الممزوج نارا .. يشعل الظل الرمادي حياة النقد الأدبي في سلطنة عمان وفي محور النقد أوضحت الأستاذ المساعد في الجامعة العربية المفتوحة الناقدة «عائشة الدرمكي» أنه عندما نتحدث عن النقد الأدبي في عُمان فإنه لا بد من القول إن بواكيره بدأت متأخرة تاريخياً مع تلك المحاولات التي قدمها الأديب عبد الله الطائي في الستينيات على الرغم من كونها مادة أدبية أكثر منها نقدية، إلا أنها أسهمت في تقديم فكر نقدي وإن كان انطباعياً طارئاً، وهذه البدايات المتأخرة ربما أسهمت في بطء تطور النقد وتشكل هُويته الخاصة، وهو أمر نستطيع كشفه بسهولة من خلال تتبع تلك المحاولات النقدية التي تم تقديمها خلال الثمانينيات وبدايات التسعينيات وهي ذات بعد انطباعي صُحفي في جُله، يحاول مواكبة النمو المتسارع الذي يشهده النص الأدبي، لنجد الكثير من المقالات النقدية التي كتبها الصحفيون أو مجموعة من الكتَّاب بوصفهم قُراء. وأضافت: على الرغم من ذلك فإن النقد الأدبي في عُمان أخذ يتطور سريعاً، ليوجد لنفسه مكاناً بين آفاق النقد الأدبي في الوطن العربي، فها نحن نجد تجارب تستحق الإشادة من مثل تجربة د. إحسان صادق، د. سعيدة خاطر، د. خالد البلوشي, د. عزيزة الطائي, د. جوخة الحارثي, د. حمود الدغيشي وغيرهم، وكلهم أنتجوا دراسات نقدية علمية منهجية، بالإضافة إلى تلك الدراسات النقدية المتنوّعة التي تُنشر في المجلات والملاحق الثقافية المتنوِّعة داخل السلطنة وخارجها. وتابعت «الدرمكي»: ولأن النقد الأدبي يحتاج إلى تلك التقنيات المُعينة والمنهجيات العلمية التي تُمكِّن الناقد من سبر أغوار النصوص الأدبية وتفكيكها وتأويلها، كان الاعتماد على النقد الأكاديمي بوصفه الأساس الذي ينطلق منه باحثو النقد ومريدوه نحو تلك الآفاق، لذا سنجد أن النقد الأدبي في السلطنة منذ بداية الألفية الجديدة أخذ يتشكل في صورة تلك البحوث والأطروحات الأكاديمية التي تؤسس لتطبيقات منهجية في النقد الأدبي، والتي اتخذت من النصوص الروائية والشعرية والمسرحية مدونات للتحليل. وزادت: هناك جيل من النقاد ممن يحاولون إضافة رؤى عبر تطبيقات منهجية من مثل د. حميد الحجري, د. مبارك عيسى ومنى السليمي وفهد الحجري وغيرهم. وهي تطبيقات تسهم في تنامي الحِراك النقدي من ناحية وستسهم مع غيرها من المحاولات النقدية في تشكيل ذلك المنحى العام للنقد الأدبي في السلطنة. المسرح العماني فرس رهان في مرحلة حضارية خصبة عندما هبت رياح التعليم الحديث ومواكبة التطور الثقافي والفني في العالم العربي حملت بذور التلاقح المسرحي بين الغرب والشرق تلك الرياح وأوصلته إلى سلطنة عمان على يد مدرسين عرب أجلاء، فانطلق الفن المسرحي يختال مبتهجاً داخل أسوار المدارس في فترة العشرينات من القرن العشرين، ويؤكد الباحث المسرحي الدكتور «سعيد محمد السيابي» أن مسرحة المناهج كانت هي الموضوع الرئيس لما قدّم, إذ انطلقت بداياته من المدارس السعيدية في صلالة ومسقط ومطرح، إلا إن التربية الشعبية العمانية كانت تحمل «الظواهر المسرحية» التي كانت تسلّي وتثقف أطيف المجتمع من بداية اللقاء اليومي في السبلة والسوق حيث يلتقي الشعراء والحكاؤون والمقلدون إلى المناسبات والاحتفالات الاجتماعية التي تحمل التسلية وتقدّم فيها فنوناً شعبية كالعازي والرزحة والمالد وفن النيروز. وأضاف: برز دور»مسرح الأندية» وقدم عروضه من العام 1968م, ومن الأندية التي كان لها الفضل في ذلك نادي عمان والنادي الأهلي اللذان رفدا الساحة المسرحية الفنية العمانية بالجيل الأول من الممثلين والمخرجين والكتّاب العمانيين أمثال صالح شويرد ومحمد الياس وأمين عبداللطيف، فكان لهذه الأندية الفضل في تشكل القاعدة الجماهيرية الشعبية الحاضنة للمسرح وشجعت الجيل الثاني من الممثلين العمانيين بالظهور وقدمت على مسارح الأندية العديد من العروض المسرحية بعضها مأخوذ من نصوص عربية مثل «النار والزيتون»، كما قام بكتابة عدد كبير من العروض شباب عمانيون مثل مسرحية سقراط، وجنون العقل، وأغنية الحب والأرض وغيرها, إذ درس عدد كبير من هؤلاء الفنانون العمانيون في الدول العربية كلبنان ومصر وبعض دول الخليج, وشاهدوا المسرح عن قرب ونقلوا هذه التجربة إلى الأندية التي كانت مصدر إشعاع ثقافي ورياضي استمرت قوته إلى نهاية العام 1978م, وبسبب سفر الفنانين لاستكمال دراساتهم الجامعية وتوظيف عدد منهم في قطاعات الدولة توقف مسرح الأندية مما حدا بالدولة إلى التدخل وإنشاء أول فرقة مسرحية شبابية في العام 1980م. وتابع: بدأ «مسرح الشباب» بالظهور كفرقة في العاصمة مسقط, أشرف على تدريبها مخرج محترف هو «مصطفى حشيش» واستمرت في تقديم عروض مسرحية بدأت بمسرحية «تاجر البندقية» لوليم شكسبير عام 1980م, ثم توسعت فيما بعد لإنشاء فرقة أخرى في محافظة ظفار في العام 1985م, وبعدها في المحافظات الأخرى في العام 1990م, لتصل إلى سبع فرق مسرحية للشباب على مستوى السلطنة التي تنقلت في تبعيتها من وزارة الإعلام والشباب إلى عدد من المؤسسات لتستقر حاليا تحت مظلة وزارة التراث والثقافة. أما «مسرح الفرق الأهلية» فكان رافدًا كبيرًا تشكل منذ العام 1987, بمنح التصريح لفرقة (الصحوة المسرحية) لتقترب الفرق المسرحية لمحبيها والمشتغلين عليها في المناطق والولايات العمانية لتصل في العام 2017 إلى أكثر من 32 فرقة مسرحية تم منحها التصاريح اللازمة لتقديم عروضها الجماهيرية والمشاركة في المهرجان المسرحي العماني الذي يُقام كل عامين، إذ وصل هذا العام لمحطته السابعة، وهو في تقدّم مستمر وعروض تنافسية كثيرة تقدّمها الفرقة المسرحية الأهلية العمانية . وتمثّل السلطنة في العديد من المحافل والمهرجانات الخليجية والعربية والعالمية. وقد حصلت السلطنة على الكثير من الجوائز التنافسية ولا يكاد يخلو مهرجان عربي في الخمس السنوات الماضية من مشاركة عمانية مسرحية، إذ تحظى هذه الفرق برعاية ذاتية من أعضائها فأبرزت الكثير من الممثلين الذين يشار لهم بالبنان في الدراما التلفزيونية والسينما العمانية. كما أدى كل هذا الزخم والتنوع من العروض المسرحية لتشكل ذائقة فنية جماهيرية عمانية كبيرة، وسقف القضايا المطروح وحريتها والإبداع فيها متقبل حكومياً وشعبياً، لهذا يعد المسرح العماني فرس رهان كبيراً في المرحلة الحضارية التي يقودها جلالة السلطان قابوس وتبرز السمات العامة للشخصية العمانية ووجهها الثقافي والفني. مهرجان مسقط السينمائي وأكد رئيس الجمعية العمانية للسينما، رئيس مهرجان مسقط السينمائي الدولي المخرج والمنتج الأستاذ محمد سليمان الكندي أن التاريخ العماني لم يدون في كتبه وبحوثه السينمائية عن تاريخ نشأت السينما في سلطنة عمان لكن في عام 1996م وأنا أفتش وأبحث عن أفلام أرشيف مكتبة التلفزيون أثناء مونتاج المسلسل التاريخي «عمان في التاريخ» ظهر لي فيلماً تم تحويله من شريط سينمائي إلى شريط فيديو (تناظري - انلوج) تلفزيونياً ولم أجد أصله بعنوان «عمان 28-1929م». ليعطينا مؤشرًا بأن الإنتاج السينمائي كان معروفاً في سلطنة عمان عند خاصة من الناس وهم المشتغلون في الجانب السياسي لتوثيق بعض من الأحوال الاجتماعية والسياسية التي تدور في تلك الحقبة, لكن بفنيين غير عمانيين أو بالأصح بإنتاج أجنبي. لقد عرف العمانيون السينما في أواخر الستينيات من القران الماضي بظهور دار للسينما المفتوحة وهي سينما روي في روي وسينما النصر ومن ثم سينما النجوم وسينما النادي والوادي بولاية نزوى وسينما ظفار. وفي مطلع السبعينات عند انطلاق بناء عمان الحديثة لمؤسسها جلالة السلطان قابوس بن سعيد المعظم أخذ العمانيين المهاجرين بالعودة لوطنهم وكانوا يحملون معهم الكثير من الاحتياجات الحياتية الحديثة التي لم تكن متوفرة آنذاك ومن ضمنها أجهزة العرض (جهاز العرض المرئي) وكاميرات 16 مم السينمائية التي أخذوا يوثّقون بها حياة قراهم ومدنهم وعائلتهم ثم يرسلونها للهند من أجل التحميض. فظلت حبيسة أدراجهم إلى يومنا هذا إلا ما ندر. وأضاف: وفي 17 نوفمبر من عام 1974، تم افتتاح تلفزيون السلطنة الذي بدأ بالإنتاج السينمائي فاستقطب خبرات من (ألمانيا وبريطانيا ومصر والأردن وغيرها من الدول) لتوثيق مسيرة بناء عمان الحديثة، كما تم ابتعاث مجموعة كبيرة من الشباب للخارج للالتحاق بدورات متخصصة فبرزت العديد من الأسماء السينمائية المدربة في فترة السبعينات إلى نهاية منتصف الثمانيات, لكن التحول الذي طرأ في قنوات البث التلفزيوني في أرجاء العالم وتحول السينما إلى الفيديو التناظري ومن ثم الرقمي ألغى الوظائف السينمائية كالتحميض والمونتاج السينمائي ولكن ظل الشباب العماني يتعامل مع الإنتاج بالأسلوب السينمائي وتعاقبت الأجيال من بعدهم على نفس النهج خاصة في الأفلام الوثائقية. وبعد عودة الشباب العماني منتصف الثمانينات والتسعينات ممن تلقوا دراساتهم العليا في مجال الإنتاج والإخراج السينمائي ومن الخريجين من المعاهد المتخصصة ظل هاجس السينما في دواخلهم, فأسس مجموعة من الشباب العماني «نادي السينما» وهم الدكتور خالد بن عبدالرحيم الزدجالي والمكرم حاتم الطائي والدكتور سيف المعولي والمخرج محبوب موسى والصحفي خالد عبداللطيف وغيرهم من جاء مباشرة للتعاون معهم، وذلك لخلق جيل سينمائي آخر مختلف. فقدمت مجموعة من العروض السينمائية في النادي الثقافي وكذلك برامج تلفزيونية عن السينما وكانت المحاولة تستمر بالتصاعد . وفي عام 2001م, أقيم أول العروض العالمية غير التجارية الذي أخذ صفته كمهرجان مسقط السينمائي الأول ثم توالت العروض السينمائية غير التجارية للدول التي أخذت من هذا منهاجاً جيداً من أجل التعريف على ثقافتها. وفي 22-6-2002م تم إشهار الجمعية العمانية للسينما وتم إقامة مهرجان مسقط السينمائي الثاني قبل إعلان الجمعية وأقيم المهرجان الثالث في عام 2003م. وفي عام 2004 و2005 أقامت الجمعية فعالية أخرى سميت بأيام مجان السينمائية, وفي عام 2006م, مهرجان مسقط السينمائي الرابع والذي شهد مجموعة من الانطلاقات إلى الإنتاج السينمائي من حيث الأفلام السينمائية الوثائقية والقصيرة, وأقيمت أول ورشة سينمائية تعني بالشباب ونتاجاتهم وتحويلها إلى مهرجان مسقط للأفلام التسجيلية والقصيرة الأول ومن ثم الثاني ومنها بدأ الحراك السينمائي في عمان في تصوير الأفلام التسجيلية والقصيرة المستقلة والتي أسسها المخرج محمد الكندي - كاتب السطور- واستمر العديد من المنتسبين إليها بإنتاج أفلام مستقلة وتكوين مجموعات ومؤسسات وشركات إنتاج سينمائية فاعلة إلى يومنا هذا.