وقلنا لك يا أعرابي: إن على وجه هذه الأرض التي نقف عليها سويًا اليوم مشاهد وشواهد للأجداد السالفين, الخلائف المخلوفين, ومن أقوام سكنوا الأرض وعمروها بسواعدهم, وعرق جباههم المحموسة بمجد السنون المتعاقبة والأيام. أيامهم أنبتت لكن أخبارهم أنبثت, كما أثبتت البُحوثُ والدّراسات الحفْريّاتُ وأعمالُ التّنقيب منذ القديم. «تونسنا» مخزون نفيس أثيري وثر للمَنْاجم وللآثار القديمة (الحمّامات، المُنشآت المائيّة، المعابد ودُور العبادة، الأواني والخَزَفيّات وآلات الزّراعة والطبّ وغيرها من مستلزمات الحياة القديمة، في مختلف المجتمعات). هذه الأرض يا أعرابي شاهدة على قيام حضارات كثيرة لأقوام عمروا الأرض من «الفينيقيّين والرّومان والوندال حتّى الحضارة الإسلاميّة», فظفرنا بحضارات ومُنجزات تَرَاشحَت وأثْرت المخزون الحضاريّ لبلادنا, وأثرّت في تكوين الشّخصيّة القاعديّة الجمعيّة بيننا. فترانا «يابن الجزيرة» اتّسمنا بالقَبُول وبالاختلاف وبالتّسامح والانفتاح, وتَعَدّدنا بالمكوّنات واللّبِنات بل وحتى في إتْقان اللّغات. ولعّلك أمام «جامع الزيتونة» و»جامع عقبة بن نافع» بالقيروان وغيرها رصدت خير مثالٍ على المنارات الأخلاقيّة والدّينيّة المنتشرة في أرجاء البلاد. ورصدت مناراتٌ تتجاوَرُ معها من الكنائس القديمة وبعض أديرة اليهود (الكَنيس)، هذا يا أعرابي ولّدَ لدينا تَعَايُشًا في أرضنا الخضراء, بين المسلمين وبعض الجاليات الدّينيّة الأخرى، تجمعنا المُواطنة وحبّ البلاد والإيمان بالتسامُح. كما أنك خلال رحلتك دخلت بيوت التونسيين, ودخلت بيوت الشِّعر كذلك البيت الذي أداره في البداية الشاعر الرّاحل محمّد الصّغير أولاد أحمد ثم تداول عليه شعراء آخرون, ودخلت الصالونات الأدبية وتجولت بين آثارنا ومهرجاناتنا. استمتع يا أعرابي في رحلة رقيمك ودهاقك في تونسنا مُتعدّدت المُناخات والتضاريس: البحر والجبال والغابات والسّهول والصّحراء، والمُناخات الطّبيعة ومُناخات الإبداع. فكُلّها عناصرٌ شرّعت أن يُطلق على تونس: الخضراء. ملامح عن النقد الأدبي في تونس لن نؤرخ للحركة النقدية التونسية فدون ذلك صعوبات جمة، لكن أقصي ما نبتغيه هو الإشارة إلى بعض الخصوصيات وتعيين بعض الإنجازات والتنبيه إلى المسوغات التي جعلت المنجز النقدي التونسي رائداً في الوطن العربي بما يجعلنا لا نجازف إذا ما أطلقنا عليه المدرسة التونسية في النقد. هكذا يبدأ أستاذ الأدب والشعر ومناهج النقد والأدب المقارن بجامعة سوسة الناقد التونسي الدكتور حاتم الفَطْناسي حواره معنا، مؤكداً أن أهم المحاولات النقدية العلمية المتميزة تخلقت في رحم الجامعة التونسية منذ نشأتها بأيدي نخبة مستنيرة من الأساتذة البناة، أذكر منهم د. صالح القرمادي, د. محمد عبد السلام, د. محمد فريد وآخرون. وقبلهم لا يمكننا تناسي جهود الأديب البشير بن سلامة ودوره المتميز في تأسيسه «لمجلة الفكر» صحبه محمد مزالي، فقد كانت محصنًا للنصوص الأدبية، شعرًا ونثراً، تبشّر بالأقلام الواعدة وتتيح لها فرصًا للتعريف بها، ولأن تكون مادة للتناول النقدي. كما كانت منبراً جاداً للمحاولات النقدية الثقافية أو الجامعية. اللحظة النقدية الأهم أما اللحظة النقدية الأهم في نظري فتتمثل في منجزات الجيل الثاني من شيوخ الجامعة، أقصد د. حمّادي حمّود, ود. عبد السلام المسدّي, ود. محمود طرشونة وآخرون. ممن مثّل منجزهم تأسيساً لكثير من المنطلقات النظرية التي تُرسّخ الدرس النقدي باعتباره علماً قائم الذات وليس مجرد محاولات قرائية انطباعية يغلب عليها الإنشاء والذّاتيّات. والحقيقة أن رائد النقد التطبيقي بامتياز إنما هو الأستاذ توفيق بكار, مُعلّم السؤال كما يحلو لي أن أسميه.. لقد عمل الرجل انطلاقًا من تأثره بالنقد الفرنسي وبالفلسفة وباللسانيّات وبشتى العلوم والمعارف الواجب اكتسابها لدى الناقد الحق، واعتمادًا على إطلاعه الواسع على النصوص المؤسسة الوامضة في التراث العربي الإسلامي, عمل على الانكباب على المدونة الشعرية التونسية والعربية, وبشر بما سماه «عيون الحداثة» في الإبداعات السردية قصة ورواية, عبر قراءتها متنقلاً بذلك من مفهوم النقد بصرامته الأكاديمية إلى مفهوم أوسع وأشمل وأكثر مراعاة لما يحف بالنص الإبداعي، أقصد مختلف سياقاته «الايبستيميّة والسوسيولوجيّة والبسكولوجيّة» وغيرها.. فكانت قراءاته بمنزلة الإبداع على الإبداع، دون السقوط في الانطباعية والاستسهال, فحقق بذلك معادلة صعبة عصيّة إلاّ على فحول النقاد, صرامة المفاهيم و»عملية التحليل» وأناقة العبارة، وهي لعمري ضرب من التدبر النقدي لا مثيل له في النقد العربي يضاهي دون مبالغة منجز الناقد الفرنسي الكبير «رولان بارط». أساسه السؤال، بما يحمله في طياته من الحيرة بكل أصنافها المعرفية واللغوية والأجناسيّة والحضاريّة، حيرة الحقل العربي المتمزّق بين قطبين: الشرق والغرب, القديم والحديث. و الذات والموضوع, الأنا والآخر، تجلّي ذلك فيما أطلق عليه (المنهج الجدلي في النقد). إذ نهض الرّجل بتكوين لفيف من النقاد في شتي الاختصاصات دفعهم إلى الاهتمام بالنصوص الشعرية والسردية التونسية والعربية, فبرز من بينهم نقاد منظرون إلى جانب نقاد السرد ونقاد الشعر ونقاد المسرح. أذكر منهم: حمادي صمود, خالد الغريبي, منصف الوهايبي, أحمد السّماوي, الطاهر الهامي, محمد الخبو, نجيب العمامي, محمد الباردي, محمد الغزِّي, محمود طرشونة, عبد العزيز شبيل, عمر حفيّظ, عثمان طالب, النّاصر العجيمي, بوجمعة بوشوشة, محمد صالح بن عمر.. ممن عملوا على النصوص تحليلاً وتفكيكاً وتأويلا ًبتفاوت يضيق أو يتسع بين من يتمسك بحرفية المنهومن يخلق مسافات شاسعة بين العلم والقراءة والاجتهاد. واختتم «الفَطْناسي» حديثة للثقافية: ولئن رأي البعض في المنجز النقدي التونسي مجرد إرهاصات بمدرسة فأنا أعتبر مفهوم المدرسة لا يتمثل في خلق منهج نقدي بديل مستحدث, بل يَكمُن في الفلسفة الجامعة للنقاد وأغلبهم من الجامعيين، أعني التوجه العام فكلهم أو جلهم يصدر عن قناعة راسخة هي الإيمان بالتلازم بين التراث والحداثة تلازم الوجه والقفا, وفي استثمار العقل البشري في كل مجالات المعرفة الإنسانية وحتى الدقيقة منها كعلم الأجنة والخلايا «معاول وأزاميل», آلة من آلات القراءة النقدية. ولعل ما يعتقده البعض «هجانة» في معناها السلبي أعتبره عنصر إثراء ومصدر إغناء للقراءة النقدية, بل سبباً من أسباب تميز كثير من النقاد التونسيين وإشعاعهم مشرقا ًومغرباً, فلا غرابة، ولا ضير أن يتخلّق النقد في الجامعة شريطة أن يفيض عن رحابها ويخرج من مسطرة التنميط في الدرس الأكاديمي وصرامته ليلج الساحة الثقافية على رحابتها ومختلف مسويات التقبل فيها، فلا قراءة دون تَمثُّلٍ واعٍ للموجود لفكر «الآخر» وعلمه ودون اندقاقٍ في نصوصنا الوالدة أو دون شوق الناقد وتوقه إلى قراءة «عالمة», وهي في الوقت ذاته قراءة «عاشقة», تعشق النص وتعشق ذكاء التناول والتحليل, وتكتشف لمجاهل التأويل. فما دام النص الإبداعي يضارع نص الحياة والوجود الإنساني, مَقدورٌ للناقد أن يكتشف أو يسعي إلى الإمساك «بنكهة النص» أو متعته, حتى وأن كانت الأحكام سلبية أو انتقادية. الصحافة التونسية تاريخ ومحطّات وصف الكاتب والإعلامي «د.رشيد قرقوري: الصحافة الأدبية في تونس في فترة الثلاثينات، بأنها تعد بمنزلة النتاج المتنامي للوعي لدى عدد من رواد الفكر والفن في تلك الفترة, وأن هذا الوعي والتنامي تجلى من خلال أهمية الدفاع عن الهوية التونسيّة، أمام محاولات طمسها خلال فترة الاستعمار الفرنسي. وأشار أن من أبرز تلك الأسماء التي ظهرت في تلك الفترة: محمود قبادو, وابن أبي ضيف, ومحمد السنوسي, وسالم بوحاجب. وللدور الذي لعبته جماعة «تحت السور» من أمثال كرباكة والدوعاجي والخميسي ومحمد بن فضيلة, من خلال «نقد المجتمع», عبر نتاجات شعرية وأدبية وغنائية ومسرحية رائدة, رغم انتشار ما أسماه «بثقافة المشافهة والشعبية», التي تعتمد السرد و»الفداوي» بالمقاهي. في ظل غياب شبه كلي للثقافة المكتوبة. وقال: إن (مشروع الصادقية) الذي أسس له خير الدين باشا أوائل القرن الماضي يعد خطوة مهمة على درب المقاومة الفكرية للمستعمر, إلى جانب إنشاء (المدرسة الخلدونية) وجمعيات أخرى سعت إلى تطوير البرامج التعليمية في اتجاه تكريس الثقافة الوطنية, فظهرت إبداعات أبو القاسم الشابي والطاهر الحداد, لترفض الواقع مثلما رفضته الحركة الفكرية في مصر في الفترة نفسها بظهور إنتاجات طه حسين وعلي عبد الرازق وغيرهم, ممن جوبهت أعمالهم بالرفض إلى حد الاضطهاد. ويعتبر «القرقوري» أن الصحافة الأدبية فترة الثلاثينات، شكلت تيارًا إبداعيًا غذته الصراعات والخلافات بين النخبة المثقفة التي ترجمتها إلى إنتاجات إبداعيّة، مزجت بين الصحافة والأدب. فسارع مبدعون من أمثال بيرم التونسي, عثمان الغربي, عبد الرحمان الكافي, عبد العزيز العروي.. إلى نقد الواقع, بأسلوب ساخر وعميق في الآن ذاته, مما أثّر لاحقًا على الثقافة المعاصرة. وأضاف في هذا الصدد إلى أن جيل الثلاثينات مهّد للحداثة الفكريّة والثقافيّة التي تجسدت إثر الحرب العالمية الثانية بإصدار مجلاّت مثل «الثريا» والمباحث», لمحمد البشروش. وبروز كتابات محمود المسعدي, علي البلهوان, محمد بن ميلاد, الصادق مزيغ وغيرهم, من الذين اتفقوا في مؤلفاتهم على الحداثة والانفتاح على الثقافة الغربية مع التجذّر في الهوية التونسية قبل أن يواصل جيل «ما بعد الاستقلال» المسيرة الفكرية بأعمال مشابهة على غرار مجلة «الفكر» لمحمد مزالي والبشير بن سلامة, وأيضًا مجلة «الحياة الثقافية» وما تضمنتها من أقلام لأهم رواد الحركة الثقافية المعاصرة إلى حدّ الآن. وتابع: لقد عرفت تونس في هذه السنوات الأخيرة انفتاحًا إعلاميًّا لم تشهده طيلة تاريخها، فتعددت الأصوات الإعلاميّة بتعدّد انتماءاتها السياسيّة ومشاربها الفكريّة وخرجت نهائيًّا من مرحلة الصوت الواحد، كما يؤكد المختصون. الموسيقى التونسية مسارات ومنعطفات وللحديث عن الحركة الغنائية الفنية التي تنوعت وتأثرت نتيجة عوامل ومؤثرات عدة, وشكلتها محطات ومنعطفات فارقة في تاريخ الممارسات الموسيقية, إذ يعد قدوم زرياب منعرجًا حاسمًا لتوجهات الفن الموسيقي في ترسيخ طرق المدرسة العربية القديمة (العودية) التي كان لها دور جوهري في إنشاء المدرسة الأندلسية, ولتسليط الضوء حول هذه الحركة التقينا الباحث في العلوم الثقافية, ومدير قسم التكوين الموسيقي بالمعهد العالي للموسيقى بسوسة, الدكتور «طارق بوقطاية» الذي قال: إنه من الضروري التوقف عند حركيّة التّواصل الحضاري والثّقافي التي مرّ بها المجتمع التونسي والموسيقى التي صاحبته بين مختلف الأجيال والحقب التّاريخيّة, والتي أكدت أن الممارسات الموسيقية رهينة لتعدد الثقافات والحضارات وحركيتها, لذلك نجد أن مقوّمات الخطاب الموسيقي في البلاد التونسيّة تشكلت من مختلف الثقافات الموسيقيّة والحضارات (العربيّة, الإسلاميّة, والأمازيغية البربرية, والفينيقية والهند, وفارس, واليونان..), التي تم تطويعها مع النغمات والإيقاعات المحلية مما حتّم انصهار مجمل العناصر المحلية والدخيلة. قدوم زرياب عرج بالموسيقى لقد مرت البلاد التونسية بالعديد من المحطات والمنعطفات الفارقة في تاريخ الممارسات الموسيقية، لكن قدوم (زرياب) يعتبر منعرجًا حاسمًا لتوجهات الفن الموسيقي في ترسيخ طرق المدرسة العربية القديمة (العوديّة), التي كان لها دور جوهري في إنشاء المدرسة الأندلسية. كما كان للاختلاط الجلي بين حضارتي تونس والأندلس دورًا مهمًا في إثراء الموسيقى التونسية خاصة الموشح فانتشرت التواشيح الأندلسية المسماة عندنا «بالمألوف» وألّفت على منوالها بعض الألحان التونسية المسماة «أشغال وأزجال» وظهر القصيد الزجلي والزجل الحضري والزجل الهلالي المهذب المعروف «بالفوندو» والغناء الزنداني, وتراوحت الأغاني بين المدائح الصوفية والأذكار وإنشاد التهجد بالجوامع والزوايا وبين الغناء في الولائم والأفراح من نوع العوادة أو «الربوخ» وغناء البوادي. أما الأتراك فقد ساهموا في إدخال بعض القوالب الآلية (كالبشرف والشنبر والسماعي) وأخرى غنائية كالشغل, إذ لاح هذا التثاقف التركي بتطعيم الطبوع التونسية ببعض المقامات الشرقية مثل (الحجاز كار والشهناز والنواثر) وبعض الإيقاعات في الموشحات الغنائية «كالجرجنة والنوخت والإقصاق», كما برز ذلك في أعمال الشيخين أحمد الوافي وخميس الترنان، التي جذبت اهتمام التونسيّين وابتدعوا على شاكلتها العديد من البشارف والسماعيات و»اللونغات» في الطبوع التونسية. أما المدرسة المشرقية فقد شغلت الفضاء السمعي التونسي بظهور الأسطوانات المشبعة بالموشحات والأدوار والقصائد والأغاني وسائر قوالب الغناء, وذلك بعد قدوم الفنانين المصريين كأحمد فاروز والمطرب المصري زكي مراد وعازف القانون محمد عبده صالح والسّيد شطا. مشددًا على أنه بالتوازي مع كل ذلك، كان لوفود العديد من اللاجئين اليهود من ليبيا كعازف العود «ريدو» والمطرب «موني الجبالي» والأخوين «برامينو ورحمين بردعة», دور في ظهور لون جديد من الأغاني يتمثل في الأغنية المرزكوية التي عُرفت باسم الطرابلسية, إذ تغنى اليهود بجميع الألوان الغنائية العربية «كالمالوف» والأغاني الشعبيّة والبدويّة والإسلامية والاحتفالية, كأغاني الختان والأعراس بصوت المطرب «راؤول جورنو». أما أكثرها شهرة وشعبية فكانت بصوت الفنان المطرب الملقب ب»الشيخ العفريت», وأصبحت هذه الأغاني من التقاليد الغنائية في تونس التي كانت وما زالت تردد إلى اليوم. التأثير الأوربي على موسيقى تونس وعن التأثير الأوروبي على المشهد الموسيقي التونسي قال «بوقطاية»: تجلى التأثير بعد تكاثر الجاليات الغربية من فرنسا وإيطاليا الذين ساهموا في تأسيس فرق صغيرة لموسيقى الصالون, إضافة إلى تأسيس الفرقة السمفونية «التيكان» روادها من الأجانب الأوروبيّين. كما ساهمت الجمعيات الموسيقية والفرق النحاسية في إدخال آلات موسيقيّة غربيّة على الآلات الموسيقيّة العربيّة مثل آلة (الكلارينات) و(الأكرديون) و(السكسفون) وآلة البيانو, فساهم كل ذلك في ظهور أغانٍ جديدة مزدوجة اللغة تسمى الأغنية «الفرنكو عربية» أو الأغنية «الفرنكو آراب» كأغنية الفنان الهادي الجويني (Chérie) حبيتك. وأضاف: كما انبثق عن توصيات مؤتمر الموسيقى العربية بالقاهرة التي سعت للحفاظ على التراث الموسيقي وخصوصياته والتصدي لمختلف التيّارات الساعية لطمسه وتشويهه إنشاء المعاهد والمؤسّسات, تأسيس الرشيدية في أبريل 1934م, لتشكل محطة بارزة في المشهد الموسيقي التونسي لاستقطاب ما تبقى من الموسيقى الكلاسيكية التونسية (المالوف) وتكوين ثلة من الباحثين الموسيقيّين, إذ أشرف على هذا المعهد ثلة من الموسيقيين أمثال محمد التريكي وعلي الدرويش والشيخ خميس الترنان, ثمّ انضم إلى هؤلاء بعض التّلاميذ مثل صالح المهدي والطّاهر غرسة ومحمّد سعادة. كما أدّى تكوين أوّل فرقة موسيقيّة بالإذاعة التّونسيّة سنة 1957م, إلى تعزيز هذا المشروع عبر استقطابها لأعلام الموسيقى التابعين للمعهد الرشيدي كعلي الرّياحي والهادي الجويني وقدّور الصرارفي وشافية رشدي وصليحة وشبيلة راشد. وبعد الاستقلال وبخاصة في فترة السبعينات حتى اليوم، كان للتجارب الموسيقيّة بمختلف أشكالها وألوانها دور ريادي في إثراء المدوّنة الإبداعية الموسيقيّة التونسيّة, إذ ساهمت في إثارة حراك فني ونقدي أسّس لمرحلة فنية مهمة في الموسيقى التونسية الحديثة. فبرزت مؤلفات جديدة شكلاً ومضمونًا مثلت نقلة نوعية في مسار الممارسات الموسيقية بعد فترة أحمد الوافي وخميس الترنان وجماعة المعهد الرشيدي. فتميزت أعمال محمد سعادة وأحمد عاشور وأنور إبراهم ومحمد زين العابدين بالتحديث والتجديد والتجاوز. كما ظهر عديد المطربين التونسيين مثل الفنان لطفي بوشناق وصابر الرباعي والمرحومة ذكرى محمد والفنانة لطيفة العرفاوي وغيرهم من الفنانين الذين أثثوا مختلف المحطات الفنية داخل الوطن وخارجه. واليوم تمثل مدينة الثقافة المحدثة مؤخرًا فضاًء فنيًا متميزًا ساهم في إثراء المشهد الثقافي في تونس وفي خلق حراكًا موسيقيًا فعالاً وواعدًا ضمن القطب الموسيقي «الأوبرالي». الحركة المسرحيّة: ريادةٌ وثراء تشهد مسارح قرطاج وبلاريجيا وجكتيس ودقة والجم وسبيطلة على أن المسرح رابع الفنون متجذر في تاريخ البلاد التونسية منذ العصور القديمة. والحركة المسرحية الوطنية التي انطلقت فعليًا يوم 26 ماي 1909م, تاريخ أول ملامسة لممثلين تونسيين لخشبة المسرح من خلال المسرحية التونسية المصرية «صدق الأخاء» التي تم إعادة تقديمها في 26 ماي 2009م, ضمن تظاهرة مسرحية جديدة بعنوان «ليلة المسرح التونسي. المصدر