أكد أهل الأغنية العربية في مصر وسورية ولبنان والسودان ودول الخليج في العددين الماضيين بأن الطرب قد مات ولم يبق حالياً الا الغناء، الا ان اراءهم كانت مختلفة بصدد الصراع بين القديم والحديث في عالم الاغنية العربية7 وفي ما يأتي الحلقة الاخيرة من هذا التحقيق والذي يشمل اراء بعض المطربين والمطربات والشعراء والملحنين من الاردن والمغرب العربي7 يعتبر الملحن الأردني وائل أبو السعود اكثر الملحنين الأردنيين انتشاراً في العالم العربي، بل ان معظم ألحانه اعطاها لمطربين خارج الأردن آخر أعماله اغنية احساس الغربة التي اكملت الفنانة سميرة سعيد الاستعداد مع الفرقة الموسيقية لتسجيلها تلفزيونياً، وهي ثالث لحن تغنيه لوائل أبو السعود الذي لحن لهاني شاكر ومحمد ثروت ومحمد الحلو وغيرهم7 يرى أبو السعود أن التخلف الموجود في الاغنية العربية هذه الايام ليس تخلفاً بذاته بل جزء من ظاهرة التخلف العامة في شتى الميادين، ولأن الموسيقى جزء من الكبرياء القومي للمجتمع ومن ثقافته فإنها تبدو انعكاساً لما هو موجود في كافة النواحي"7 لكنه يرى كذلك أن الاغنية انحدرت ليس في العالم العربي وحده بل على مستوى العالم كله، لقد أصبحت الأغنية علامة على الرغبة في الهروب من واقع يعيشه العالم7 غير انه يضيف: ان الاغنية الجيدة ما زالت موجودة، ولكن التجارة - للأسف - سيطرت على كل شيء، فالفن اصبح حرفة تجارية، وأصبح العاملين بالفن لا أقول فنانين يتعاملون وفق أصول تجارية بحتة فتجد إيقاعا مبتذلاً لغايات الترويج فحسب، وعندما تسأل يقولون لك الناس يريدونها هكذا7 وأجد نفسي مضطراً للقول وبأسف انه ما دام هذا اللون هو المنتشر، فإن ذلك يعني بالضرورة مستوى الذوق العام7 ويمضي الفنان ابو السعود: ثمة مقولة بأن الفن للترفيه وهي مقولة جائزة لأن الترفيه جزء بسيط من الفن لانك اذا اردت ان تعرف شعباً فلتستمع الى موسيقاه7 وقال في شأن موضوع هذا الملف: لست ضد الاغنية القصيرة، ولا الايقاع السريع ولا نرفض الأغنية على هذا الأساس حتى ولو كان الكلام بسيطاً من اجل توصيل الفكرة، لكننا ضد خدش الذوق العام7 ومن المعيب ان تصل الأمور الى درجة معادلة مفادها هز اكثر تحصل على الأكثر7 وأضاف: على أننا في كل ما سبق نتحدث عن المستوى الجيد، غير أن المؤلم انك ترى كثيرين دون المستوى ومع ذلك ينتشرون وينجحون7 ويخلص أبو السعود الى القول أن أزمة الأغنية العربية ناجمة عن إصابتها في الصميم فلم يعد من مضامينها سوى الإيقاع وهز الخصر7 غير انه يرى أن الأغنية الغربية ليست وحدها التي انحدرت ويتساءل عن ظاهرة اختفاء المكتبات من المنازل ويتساءل ايضاً عمن سيسمعه بعد اليوم دون إيقاع وهز وسط!! فورة الكازوزة ستنتهي أما المطرب الأردني المعروف فيصل حلمي صاحب نحو 100 أغنية أطلقها على مدى العشرين عاماً الماضية منذ تخرجه من معهد الموسيقى العربية في القاهرة عام 1974، فهو يطلق على ظاهرة الاغنية العربية الحديثة اسم الاغنية الشبابية وهي الغالبة اليوم ويعتبرها موجة ركبها كثير من الملحنين والمطربين العرب لكنه متأكد من انها الى زوال لأنها كلمات لا معنى لها وايقاع سريع صاخب من دون محتوى موسيقى7 ويقول: البداية الحقيقية لهذه الظاهرة كانت في السبعينات عندما ظهر مطربون انتشروا سريعاً واختفوا بشكل اسرع، لكنها اليوم تعتبر ظاهرة عامة7 إنها ليست سوى فورة كازوزة تبدأ عنيفة ثم تتلاشى بسرعة7 لكنه ليس قلقاً ازاءها بدليل الوزن الكبير لوردة الجزائرية وعلي الحجار وهاني شاكر والكثيرين من المطربين العرب الذين غنوا على الايقاع السريع ولكنهم حققوا الشروط الاساسية للاغنية العربية لحناً وشعراً وأداء، فظلوا كباراً في حين لم يكبر أحد ممن غنوا الأغنية الشبابية دون لحن وكلام وأداء7 ويقول ان وردة تغني بصوتها وكذلك الحجار وكبار المطربين، أما الشباب فإن الكومبيوتر يغني نيابة عنهم7 ويشير الى انتشار اغنية من غير ليه التي تغنى بها عبد الوهاب وهو في الثمانين اثر انقطاع عن الغناء دام نحو اربعين عاماً، ويتساءل: هل انتشرت أغنية منذ السبعينات كما انتشرت هذه الاغنية؟ ويجيب بأن المستمع العربي يبحث عن الأصالة، بدليل استمرار انتشار أم كلثوم وعبدالحليم حافظ وفايزة أحمد على رغم مرور سنوات طويلة على وفاة كل منهم7 المغرب: التطوير والنظرة الاختزالي أما في المغرب العربي فان هموم تطوير الأغنية تشمل محاولة التصدي للموقف الرافض للاعتراف بأي شرعية فنية خارج نطاق المعيار المشرقي وهي نظرة تملي على كثير من الموسيقيين المغاربيين الحديث لما يسمونه نظرة اختزالية مشرقية لموسيقاهم وأعمالهم الغنائية7 ولا يبدو أن أغنية المغرب العربي تعاني كأغنية المشرق مخاض التطور وتعثره، مستفيدة من الارث التطويري التاريخي الذي تركه زرياب7 وثمة مشابه بين غناء المشرق والمغرب ابرزها وجود غناء حضري نشأ في بيئة مدنية خاصة كغناء الراي الذي يقابله الغناء الدكاكيني الذي يتغنى به في الجلسات الخاصة7 وفيما حسم المشارقة منذ زمان بعيد الجدل حول مصير الغناء الدكاكيني الخاص برفضه واعتباره أدبيا دون مستوى القبول الشعبي العام، فإن غناء الراي يثير جدلاً كبيراً منذ بضع سنوات في عدد من بلدان المغرب العربي، خصوصاً بعدما كتب له الانتشار عالمياً عبر البوابة الفرنسية ومحطات التلفزة الفضائية7 وفيما يتحدث نقاد عرب عن ضعف اتجاهات التطور في الأغنية المغاربية، يكثر الحديث في صحافة المغرب الفنية عن انبهار الغرب بالغناء المغربي واعتماده تلك الفنون ضمن مقررات الدراسة الاكاديمية الغربية، وهو بحد ذاته تطوير حقيقي للموسيقى العربية على حد تعبير ناقد وصحافي جزائري يقيم في لندن7 والواقع ان الاهتمام بهذه الموسيقى في أوروبا وصل الى حد ادخالها دار الأوبرا في باريس خلال الموسم الماضي7 وهذه التظاهرة في أحد أبرز معاقل الموسيقى الراقية والفن الرفيع، عرفت باسم الليالي المغاربية، وسهر على إعدادها عدد من الباحثين والموسيقيين، منهم الجزائري توفيق بسطانجي، والتونسي محمود قطاف، والمغربي محمد مطالسي7 وقد عمل هؤلاء مع الباحث الفرنسي ألان فيبير على رصد تطور الموسيقى المغاربية، محاولين ايجاد علاقة بين مختلف تجلياتها من زرياب حتى مرحلة الشاب خالد7 ولعل هذا الامتداد الشاسع في المكان والزمان يكسب الموسيقى المغاربية، بمختلف روافدها ومكوناتها، درجة من الغنى والتنوع تحتاج دراستهما الى وقفة متمهلة7 اذ أن تأثيرات وخلفيات عدة تضافرت لافراز هذا التراث كما نعهده اليوم، عند نقطة تلاقي وتزاوج مختلف حضارات المنطقة المتوسطية، بدءاً بثقافة البربر - سكان المغرب الأوائل - التي سرعان ما طرأت عليها تأثيرات الثقافات الوافدة، مع توالي الغزوات والهجرات الكبرى7 فمن غزو الرومان في القرن السادس، الى نزوح مسلمين الأندلس بعد سقوط غرناطة 1492م، مروراً بتأثير الثقافة الافريقية القديمة التي وفدت عن طريق التبادل التجاري7 وما زالت الخريطة المغاربية اليوم، تعكس تلك التركيبة الفسيفسائية التي تستوعب جماعات تتجاذب أو تتنافر، حسب الظروف والملابسات التاريخية والاجتماعية الخاصة بهذه المنطقة أو تلك7 ففي مناطق الهقار والتاسيلي والتوات في الجنوب الصحراوي الجزائري، كما في أرياف الأطلس المغربي، وفي جبال الأوراس وجبال القبائل شمال الجزائر، نعثر على الاتجاهات الموسيقية المتفرغة عن الثقافة البربرية الاصلية7 وكل طابع منها تطور على حدة واكتسب خصوصياته ونقاط اختلافه وتميزه7 فأغاني طوارق الهنغار والتاسيلي، تؤدى بلغة يستعصي فهمها على بربر الشمال لكونها بقيت، بفعل العزلة التي فرضتها البيئة الصحراوية، خالية من الشوائب والتأثيرات التي طرأت على لهجات بربر الشمال7 فاللهجات المذكورة استعارت مفردات كثيرة من اللغات الوافدة الى المنطقة، بدءاً باللاتينية القديمة، ثم العربية التي حملتها الفتوحات الإسلامية، وصولاً الى تأثيرات الفرنسية والاسبانية اللتين جاء بهما الاستعمار الحديث7 أما على المستوى الموسيقي، فآلات الطوارق تقتصر على الأمزاد التقليدي، وهو الشكل البدائي للكمان، والطبل الذي يتقرب لجهة الحجم وحدة الاصوات، من ال تام - تام الزنجي، منه الى الطبل بشكله المتداول في الموسيقى العربية، وفي موسيقى بربر الشمال7 وترافق غناء الطوارق رقصات تستلهم مصادرها من الملاحم الحربية الافريقية القديمة، وتدور مضامينها في الغالب حول تمجيد البيئة الصحراوية والاشادة بالخصوصية الثقافية والاجتماعية التي تميز الطوارق عن جيرانهم من العرب والأفارقة7 هنا يكتسي الحضور النسائي أهمية ومكانة لافتتين، فيما الرجال محجبون! والحضور النسائي نفسه نجده في بقية النماذج الموسيقية البربرية، سواء عند بربر الشلوح في الأطلس المغربي، حيث تبرز فرق عدة، اشهرها فرقة الرايسة فاطمة ثابعمرت، او عند شاوية الأوراس وقبائل جرجرة في الجزائر، حيث تتميز مغنيات مثل ديهيا وشريفة بأسلوب غنائي هو الأنقى والأكثر احتفاظاً بالطابع البربري الأصلي7 أما الفرق الموسيقية الرجالية، فينساق أغلبها وراء بريق الموسيقى العصرية الصاخبة الوافدة من الغرب7 زمان الوصل في الأندلس وإذا كانت النقلة النوعية التي عرفتها الموسيقى العربية، على يد زرياب، أنجزت في الأندلس، فإن هذه الموسيقى سرعان ما نزحت الى المنطقة المغاربية، هرباً من بطش محاكم التفتيش، بعد سقوط غرناطة7 هكذا انتشرت الموسيقى الأندلسية أول الأمر في مناطق فاس، مكناس، وتطوان في المغرب، حيث تعرف اليوم باسم موسيقى الآلة، تمييزاً لها عن الأغاني الدينية القائمة على الإنشاد الصوتي وحده7 ومن أبرز الفرق التي تؤدي هذا الطابع حالياً: الفرقة الشعبية لتطوان بقيادة الشيخة لطيفة بوقسريبة، وفرقة الآلة الأندلسية لفاس بقيادة الشيخ محمد بديول، اضافة الى الفرقة الشهيرة التي يقودها الحاج عبدالكريم الرايس7 أما في مناطق وجدة في المغرب وتلمسان في غرب الجزائر، فإن هذه الموسيقى النازحة من الأندلس تعرف باسم: نوبات غرناطة، ونميز فيها طابعين7 الأول يدعى بكل بساطة الأندلسي، نظراً لاحتفاظه بالأشكال الغنائية الأصلية بالهيئة التي أتت بها من الأندلس، سواء أكان على مستوى الألحان أو على مستوى الكلمات7 فالفرق التي تؤدي هذا الطابع، وأشهرها فرقة نسيم الأندلس بقيادة أمين مسلي، لا تقدم سوى الموشحات الأندلسية، وان هي أدت نصوصاً معاصرة، فلا بد أن تكون بالضرورة نظماً محاكياً لأسلوب الموشحات، وألا تخرج مضامينها من اطار الحنين الى زمان الوصل في الأندلس7 أما الطابع الثاني لنوبات غرناطة التلمسانية فيعرف بتسمية: الحوزي الذي يعد اكثر تحرراً على مستوى المضامين، وان كان يغرف من الايقاعات الموسيقية الوافدة من الأندلس فهو اقرب الى مشاغل العصر الاجتماعية والسياسية7 وأبرز من يؤدي هذا الطابع حالياً الفنان نوري الكوفي7 كما أن أغنية الراي تعرف، منذ سنوات، تياراً يحاول أن يستلهم ألحانه وإيقاعاته من الطابع الحوزي: بدأت هذه التجربة مع فرقة راينا راي في بداية الثمانينات، ويعد الشاب مامي أبرز من يؤدي هذا الطابع حالياً7 وتعرف منطقة الجزائر العاصمة بدورها طابعاً غنائياً تمتد جذوره الى الأندلس، يعرف باسم الشعبي لكنه على غرار طابع الحوزي التلمساني، أكثر تحرراً وتنوعا، من حيث المضامين، ومن حيث اللغة أيضا فجزء من الشعبي يؤدى بالعربية، ومن أبرز أقطابه الشيخ محمد العنقاء والشيخ محمد الغفور 777 كما ان جزءاً آخر يؤدى بالبربرية، وأبرز رواده: الشيخ الحسناوي وعلاوة زروقي7 وبعد فترة الانحسار التي شهدتها الثمانينات عقب رحيل هؤلاء الرواد، تعرف أغنية الشعبي حالياً عودة لافتة ورواجاً كبيراً، خاصة في أوساط الشباب7 ومن ابرز أقطابها في الفترة الحالية كمال مسعودي وعبدالمجيد مسكود بالعربية، ولوناس معطوب، أشهر مغني البربر في الوقت الحالي7 ومعطوب الذي اختطف على يد الجماعات المتطرفة قبل أسابيع ثم أطلق سراحه، نجح في إدخال نفس سياسي واجتماعي على الأغنية الشعبية، كما فعلت فرقة راينا راي على مستوى أغنية الراي في الثمانينات7 أما مناطق قسنطينة في الشرق الجزائري، وتونس العاصمة وضواحيها، فإنها تعرف طابعاً غنائياً وافداً من الأندلس، يعرف باسم المألوف تمييزاً له عن الغناء التركي غير المألوف الذي دخل المنطقة عنوة، اثناء حكم البايات" في العهد العثماني7 ومن أبرز الفرق التي تؤدي هذا الطابع، فرقة الحاج محمد الطاهر الفرقاني في قسنطينة، والفرقة المالوفية بقيادة الطاهر غرسة في تونس7 بلوز مغاربي! ولا يمكن أن يدور الحديث حول الأغنية المغاربية اليوم، من دون التطرق الى طابع الراي الذي عرف شهرة واسعة، خاصة بعد النجاح العالمي والعربي لتسجيلات وأسطوانات الشاب خالد، في السنوات الأخيرة7 ويعتقد كثير من الباحثين بوجود روابط وطيدة بين هذا الطابع الغنائي الذي تمتد جذوره الى بداية الثلاثينات، والذي برز في منطقة وهرانالجزائرية منذ منتصف السبعينات، والأنماط الغنائية الأخرى المنتشرة في أوساط اجتماعية هامشية مغاربية، كطابع الغناوة أو السوداني في مراكش، وطابع غو - غو المنتشر في منطقة جرجيس وجربة في تونس7 والراي الذي يعتبر تطويراً لأغاني الشيخات المعروفة في وهران بالطابع البدوي، نشأ في الأوساط الهامشية، وخاصة بين بسطاء الفلاحين، فحاربه اهل النخبة وعمدوا الى دعم طابع الملحون المحافظ لتهميش أغاني الشيخات ذات المضامين الاجتماعية والأخلاقية المشاكسة7 ووفد طابع الغناوة المراكشي الى المغرب الكبير، من امبراطورية السودان القديمة التي كانت تضم السودان والنيجر وجزءاً من نيجيريا ومالي والسينغال والصحراء المغاربية الجنوبية الساحل7 وجاء الغناوة عن طريق العبيد الذين احتفظوا بعد استقدامهم الى المنطقة بأساليب غنائهم ورقصاتهم الملحمية7 وبعد الغاء الرق، اتخذ هؤلاء الذين يسمون حالياً بالسودان"، من تلك الأغاني والرقصات أداة للتكسب وما يزال عدد كبير من الفرق يودي هذا الطابع السوداني، اشهرها فرقة غناوة مراكش بقيادة المعالم احميدة بوسو7 كما ان العديد من الفرق العصرية المغربية، وفي مقدمتها ناس الغيوان وجيل جيلالة والمشاهب، استفادت من ايقاعات الغناوة واستعارت آلاتها ذات الأصول الزنجية - الافريقية، كالغانغا الطبل المزدوج الطويل والقرقابو الذي نجده أيضا عند راينا راي الجزائري7 أما طابع ال غو - غو، الخاص بالطائفة اليهودية التونسية، فبقى هامشياً الى درجة انه ما يزال شبه مجهول في الأوساط الغنائية المغاربية7 وأبرز من يؤدونه، فرقة غو - غو مدينة جرجيس، التي تضم بين أفرادها البارزين عبدالمجيد جرتيلة وجومني بن حاسومي7 ويرى جمع من الباحثين الموسيقيين المغاربة ان ثمة نقاط تشابه بين هذه الأنماط الفنية الهامشية الثلاثة، تجعلها أشبه بما يمكن اعتباره نوعاً من البلوز المغاربي7 الا ان جسور التعاون بين من يؤدون هذه الأنماط بقيت منعدمة، الا إذا استثنينا تجربة مهمة - لم تعمر طويلاً - خاضها الشاب خالد في نهاية الثمانينات مع الموسيقى صافي بوتلة، بقصد اعادة ربط الراي بالجذور الزنجية الوافدة الى المغرب7 الا أن الشاب خالد سرعان ما انصرف عن هذه التجربة، منساقاً وراء بريق الشهرة السريعة والنجاح في الغرب7 الدوكالي: الواقع الراهن للأغنية ومن أهم الأسماء اللامعة في فضاء الأغنية العربية في المغرب المطرب الكبير عبدالوهاب الدوكالي7 وعندما حملت اليه الوسط بنود ملفها عن الغناء العربي بدأ رده بالقول: كانت الأغنية في مفهومها العام القديم ترتبط بالتسلية والترفيه7 قليلة هي الأغاني التي استطاعت أن تفلت من هذا المسار لترتفع بالطرب الى مستوى التفاعل والانجذاب7 ولكن ما نعيشه من مشاكل جعل مهمة الفنان والكاتب تتغير لتصبح اكثر استجابة لهذه المشاكل، اذا لم يكن ذلك بقصد معالجتها فللتنبيه اليها على الأقل وفي اعتقادي ان الفنان المغني يقوم بدور كبير في هذا الجانب لقدرته السريعة على التبليغ وتوصيل ما يريده عبر شبكة واسعة من الاذاعات، خصوصاً اذا حظي بجمهور عريض7 واذا كان للصحافي ما يكتبه من مشاكل عصره، وإذا انشغل الأديب بالبحث عن هموم واقعه، فحري بالمطرب ان تكون رسالته واضحة في معالجة ما يراه ويحسه ويعيشه كل يوم، لأنه الأقرب الى احساس الجمهور والى نبضه7 وهكذا فإنه لا تزال الأغنية رغم كل شيء، اكثر الفنون انتشاراً7 ومن هنا تنبع مسؤوليتي كفنان7 وحول دور الفنان في التطوير وتوظيف الغناء قال الدوكالي: الغناء عالم رحب يستوعب كل الألوان، وما أريد أن أقوله هو ان لا يقتصر دور المطرب على اثارة عواطف الجمهور7 يجب ان يسعى الى مخاطبة عقله وذاكرته التاريخية والاجتماعية باعتبار ذلك مسؤولية يفرضها العصر7 ويظل الحب من دون شك - باعتباره ظاهرة انسانية - يمثل عنصر التوازن في المعادلة المختلفة بين العقل والعاطفة، لذلك احرص ان تكون أغاني العاطفية خالية من تلك النبرة اليائسة أو المستسلمة7 واعتبر الدوكالي انه يجب على الفنان ان يكون شغوفاً بما يقدم من أعمال، وان يخط طريقه على اساس من الثقة والصدق، كانسان عاشق لفنه، وأعتقد ان أي انسان يجتهد ليقدم ما يرضي الجمهور يستطيع ان يخترق الحواجز والحدود، ويحقق الاستجابة لكل المتغيرات التي تحصل دائماً، هذه الاستجابة التي تختلف من بلد عربي لآخر، لكنها تظل معبرة عن روح العصر سواء في الجزائر او في تونس، مثلما في السعودية والامارات، ففي كل الدول العربية هناك مخاض لما هو جديد ومتميز7 ودعا في ختام حديثه الى علاقة مستمرة بين الفنانين العرب، فمع الاسف لم يقم المطربون العرب صلة كبيرة بينهم. اللقاءات العابرة والأسابيع الثقافية التي تقام تظل محدودة بأهدافها، فلا بد ان تكون هناك حالة من التقارب والتعاون حتى نستطيع تجاوز الواقع الراهن للأغنية التي تكاد تفرض علينا بقوة وسائل الاعلام، وليس بقوة العطاء الفني7 فبعد ظهور الاتجاه التجاري في الفن عموماً ضاعت تلك القيمة التي ظلت تحافظ على الموازنة بين الفن ومتطلبات السوق7 صحيح ان الفنان يهمه ان يكون مطلوباً من الجمهور، وبالتالي ان يحقق مبيعاً لانتاجه7 ولكن هذا لا يعني ان يتحول الى تاجر7 مع الأسف هناك موجة اكتسحت الأغنية العربية وأاخضعت المؤلف والملحن الى شروط العرض والطلب7