كشفت كميات الأمطار التي رُزقت بها مدن المملكة عامة، ومدينة الرياض خاصة، مؤخراً، عن حالات الخلل الفني في عدد من المشاريع الحيوية من أنفاق وجسور وأبنية طابقية، نتج عنها خسائر اقتصادية قدرها بعض الاقتصاديين قرابة المليار ريال سعودي؛ مما جعل المغرِّدين السعوديين في "توتير" يغرقون هم أيضاً بتغريداتهم متسائلين عن المسؤول عن ذلك، فيما وصلت عدد الحوادث المرورية في مدينة الرياض إلى 432 حادثاً مرورياً. وكانت مديرية الدفاع المدني أشارت إلى تلقِّيها أكثر من 8258 بلاغاً؛ جراء الأمطار والسيول التي هطلت خلال اليومين الماضيين على عدد من مناطق المملكة، مفيدة أنها تمكنت من إنقاذ 933 شخصاً احتجزتهم مياه الأمطار، بينما تُوفي 25 شخصاً؛ مما جعل "سبق" ترصد- كعادتها- وتتساءل: متى سيتوقف السيناريو المفجع للأمطار التي تشهدها المملكة سنويا؟! ضرر بضرر: وقد تفاجأ الكثير من سكان مدينة الرياض بما حدث لهم من أضرار نتيجة تسرب مياه الأمطار إلى ممتلكاتهم الخاصة أو أماكن إقامتهم، وقال المواطن صالح حمد العطا الله : "لقد غمرت مياه الأمطار أثاث الدور الأرضي بمنزلي، وغرقت سيارتي، و(العناية الإلهية) هي من أنقذت أسرتي من كارثة محتمة نتيجة ارتفاع منسوب المياه إلى منتصف عداد الكهرباء"، وعبَّر عن استيائه من عدم تجاوب إدارة الدفاع المدني والطوارئ وشركة المياه والأمانة من بلاغاته المتكررة، وطالب العطا الله بحل المشكلة من الجذور. وبدورها تساءلت إحدى المواطنات- تحفظ "سبق" باسمها- قائلة: "أين تذهب ملايين الريالات التي تنفق سنوياً على الأحياء وصيانتها والبنية التحية؟!" مشيرة إلى حالة الهلع التي أصابتها وعائلتها في شوارع الرياض أثناء ارتفاع مؤشر منسوب المياه؛ مما اضطرها لطلب المساعدة من أحد المواطنين، والذي استضافها وعائلتها مع أسرته، وختمت بقولها: "حسبي الله ونعم الوكيل". فيما عبَّر المواطن سليمان العلي ل"سبق" عن استيائه قائلاً: "ساعات قليلة من المطر كشفت فساد سنوات ماضية، حيث لم تغرق فقط شوارع الرياض، بل غرق عدد من الجامعات والمدارس والبيوت، فأين عمل رقابة هيئة مكافحة الفساد (نزاهة)؟!" خسائر كبيرة: قدَّر الكاتب والخبير الاقتصادي "محمد البشري" في حديثه ل"سبق" حجم الخسائر الاقتصادية المباشرة وغير المباشرة التي وقعت جراء الأمطار الأخيرة، بأكثر من 500 مليون ريال، لتصل إلى قرابة المليار ريال، سواء كانت للمنشآت العامة مثل المطارات والمباني الحكومية والكباري والجسور والأنفاق والطرق أو المنشآت الخاصة، مثل المباني التجارية والمنازل والمتاجر والمزارع. وأكد أنه لا توجد إحصاءات رسمية، حيث لا زالت لجان الحصر والموازنة من وزارة المالية والدفاع المدني وإمارات المناطق تعمل على تقدير حجم الخسائر، مشيراً إلى أن الحكومة السعودية خصصت مبالغ كبيرة في ميزانية العام الحالي والأعوام السابقة؛ لمعالجة النقص الكبير في البنية التحتية الخاصة لتصريف السيول، بيد أن الإنجازات المحققة على الأرض حتى الآن لا تتناسب بأي حال من الأحوال مع حجم الإنفاق الكبير. ولفت "البشري" إلى سوء التخطيط والتنفيذ؛ مما نتج عنه زيادة الخسائر الاقتصادية والبشرية، والتي وصلت إلى الآن 25 متوفياً وثلاثة مفقودين وفق الإحصاءات الرسمية، والتي تتكرر سنوياً؛ مما يستوجب تدخلاً حاسماً من الجهات العليا بالدولة، ومعاقبة المقصرين والمتلاعبين. رقابة إلهية: الأمطار أصبحت الرقابة الإلهية لكشف حالات الفساد والخلل في عدد من المشاريع، هذا ما عبَّر عنه عضو مجلس الشورى الدكتور "عبدالرحمن الهيجان"، منتقداً نمطية التعامل مع مشكلة الأمطار السنوية، معتبراً أن نظام المشتريات في طرح المشروعات للمناقصة هو ما أفرز مقاولين "الباطن" الذين يعرقلون تنفيذ المشروعات، مؤكداً على ضرورة قيام متعهد المشروع بتنفيذه، وليس غيره. وشدد على تفعيل دور الأجهزة الرقابية والإدارية في كشف الخلل المالي وكتابة التقارير والمراقبة؛ لمعرفة سبب الخلل؛ حتى لا تتكرر مآسي الأمطار السنوية. وطالب بتفعيل دور المجالس البلدية في كثير من المناطق، معتبراً أنها خط الدفاع الأول في التعرف المباشر على القصور الموجود في المناطق. ونوَّه إلى ضرورة سرد المسؤول بالتواصل الإعلامي للمعلومة الصحيحة؛ حتى يتعرف المواطن على المشكلة الحقيقية، بدلاً من أن يقع فريسة للشائعات. واقترح في ختام حديثه إنشاء وزارة خاصة للمشروعات تكثِّف جهودها وخبراتها لمتابعة وتنفيذ المشروعات. هوامير الأسمنت: أما الإعلامي والكاتب عبدالله الجميلي فانتقد في حديثه ل"سبق"، وبسخرية شديدة، من يبررون ما حصل من أضرار نتيجة لشدة الأمطار، قائلاً: "أمطار إفريقيا الفقيرة شهادة براءة لمطر الرياض وجدّة وغيرهما يا بشَر!!"، مؤكداً أن ما حدث في الرياض هذا العام وما حدث في جدة العام الماضي من صنع البشر، وليس له علاقة بالقضاء والقدر. وطالب المسؤولين ألا يفتحوا نوافذ الاعتذار بمقولة "هذا ابتلاء"، مشيراً إلى أن "الضحية أصبحت وطناً طاهراً ومواطنين مساكين". وتساءل عبر قائلاً: "من سمح للهوامير في صناعة الأحياء والمخططات في بطون الأودية دون وسائل لتصريف المياه؟!" وقال "الجميلي": "إن مكافحة الفساد والقضاء عليه لا يكون بالتصريحات والصور، أو بالترميم وإزالة الأنقاض والتعويضات، بل تبدأ بإعلان نتائج تحقيقات (غَرق جدة)، ونصب المشانق للمتورطين، وإبعاد الهوامير المعروفين عن المناقصات". واقترح "الجميلي" بلغة يشوبها السخرية والتهكم على الوضع الحالي إلغاء مشروع "مترو الرياض"؛ حتى لا يصبح ضحية الماء. تجار شنطة: من جهة أخرى أوضح الخبير الاقتصادي الدكتور عبدالرحمن السلطان , وفقا ل ( شبكة معنا) أن هناك فجوة كبيرة بين ما تنفقه الدولة على المشروع وبين قيمة العقد الفعلي الذي ينفقه المقاول عليه، والمشكلة الأساسية تتركز في تنفيذ المشروعات وضعف الرقابة عليها من قبل اللجان الوصائية، وليس في حجم الإنفاق المالي؛ حيث بلغت مخصصات المملكة لمشروعات البنية التحتية 300 مليار ريال وفق الميزانية 2013، وهذا مؤشر لارتفاع الإنفاق الحكومي على المشاريع، بيد أنها تفتقد للرقابة، وألقى بالمسؤولية على المقاولين الذين يتعاقدون من الباطن، ويفتقدون للإمكانات البشرية والمادية والإدارية، واصفاً مقاولي الباطن ب"تجار الشنطة"، الذين يسعون للحصول على المشروعات، وهم أساس المشكلة التي نراها اليوم، وشدد في ختام حديثه على إصدار عقوبات صارمة للحد من مخالفات هؤلاء المقاولين. وأشارت تقارير عمليات الدفاع المدني بمنطقة الرياض إلى تلقيها 6146 بلاغاً عن حوادث الأمطار، وتمكنت من إنقاذ أكثر من 329 شخصاً، بالإضافة إلى رفع 167 مركبة وحافلة جرفتها مياه الأمطار. وبلغ عدد البلاغات التي تلقتها عمليات الدفاع المدني بالمنطقة الشرقية 1317 بلاغا تم مباشرتها، وإنقاذ 458 شخصاً، و162 مركبة، وإيواء 163 شخصاً ممن تضررت منازلهم في عدد من الوحدات السكنية المفروشة، في حين تلقّت عمليات الدفاع المدني بمنطقة الباحة 139 بلاغاً، كما تمكنت من إنقاذ 19 شخصاً من المواطنين والمقيمين الذين احتجزتهم مياه الأمطار والسيول، منهم ست معلمات احتجزتهم مياه الأمطار داخل باص أثناء عودتهم من المدرسة التي يعملون بها بمحافظة بلجرشي. يذكر أن مفتي عام المملكة الشيخ عبدالعزيز آل الشيخ وصف الجهات التي نفَّذت المشروعات التي تضررت وانكشف حالها المتردي بعد سقوط أمطار غزيرة على مدينة الرياض- بالخائنين للأمانة. وقال "آل الشيخ": "كل من أُوكل إليه أمر من أمور الأمة فعليه أن يسعى في تنفيذه بأمانة وإخلاص، وأن يكون على قدر المسؤولية، وإلا فهو خائن للأمانة وضعيف الإيمان"، مطالباً بمعاقبة كل من تهاون في تنفيذ مشروعات الدولة بالشكل المطلوب. وأضاف أن "غرق الأنفاق وانهيار الخطوط وتعطُّل شبكات الصرف أمس كشف سوء تنفيذ هذه المشاريع، مطالباً منفِّذيها بأن يتقوا الله، وأن يعلموا أن أي مالٍ أخذوه فهو حرام".