تكهنوا له بمصير مشابهٍ للقذافي احتشد عشرات الالاف في موسكو احتجاجا على عمليات التزوير التي شهدتها، كما يؤكدون، الانتخابات التشريعية الاخيرة في تحد جديد لسلطة الزعيم الروسي القوي رئيس الوزراء فلاديمير بوتين. وقد دعا ميخائيل غورباتشيوف اخر زعيم سوفياتي بوتين للتنحي عن الحياة السياسية، كما تنحى هو عنها عند انهيار الاتحاد السوفياتي قبل عقدين تماما، في اعقاب هذه المسيرة المناهضة لبوتين التي كانت حدة نبرتها اقصى مما كانت قبل اسبوعين. ورفع المحتجون بالونات بيضاء ولافتات تطالب ب”انتخابات حرة” بينما عج بهم شارع ساخاروف في موسكو الذي سمي على اسم المنشق الروسي اندري ساخاروف الذي حاز جائزة نوبل بعد سنين من تحديه للسلطات السوفياتية السابقة. وقدرت الشرطة عدد المشاركين بنحو 29 الفا بينما قال المنظمون ان 120 الفا شاركوا في هذه الحركة الاحتجاجية حيث ملأوا شارع ساخاروف الذي اغلق امام حركة المرور خلال الاحتجاج. و رفع المتظاهرون صورا لبوتين مع القذافي متكهنين له بمصير مشابه لمصير الزعيم الليبي الراحل. وتعززت ثقة المعارضة بانضمام شخصيات مثل بطل الشطرنج العالمي السابق غاري كسباروف ووزير المالية السابق اليكسي كودرين. وكان الاحتجاج الذي جرى قبل اسبوعين قد كسر الحاجز النفسي للتجمعات الحاشدة. وتعد موجة التظاهرات، التي تأتي بعد عشرين عاما من سقوط الاتحاد السوفياتي، اكبر حشد شعبي في روسيا منذ تسعينات القرن الماضي التي شهدت قلاقل واول بوادر على تحدي هيمنة بوتين منذ 12 عاما على البلاد. ورفع المحتجون لافتات كان يمكن في وقت سابق هذا العام ان تجعلهم عرضة للاعتقال، من قبيل “افقنا، وهذه هي البداية!” و”بوتين، لسنا خرافا ولسنا عبيدا!”. إضغط على الصورة لمشاهدة الحجم الكامل ويأتي الاحتجاج تصعيدا للضغوط على بوتين لتنفيذ اصلاحات جذرية تشمل النظام السياسي الروسي الذي يخضع لقيود عدة، حيث يخطط بوتين للعودة للرئاسة بعد انتخابات آذار/مارس وبعد اربع سنوات قضاها رئيسا للوزراء. وفي خطاب حماسي وعد المدون اليكسي نافالني، الذي برز كاحد زعماء الاحتجاج، ب”مليونية” قادمة للمطالبة باجراء انتخابات تشريعية جديدة. وقال نافالني “ارى ما يكفي من البشر هنا لاحتلال مقر الحكومة الروسية الان. ولكننا مسالمون لذا لن نفعل ذلك — على الاقل ليس في الوقت الراهن”. واضاف وسط صيحات التأييد “نعرف ما سنفعل، سنخرج الى الشوارع حتى يعيدوا لنا ما سلبوه منا. في المرة القادمة سننزل بمليونية الى شوارع موسكو”. وتابع “لا نريد ان نخيف احدا، ولكنني اعدكم العام المقبل ان القادة سيتغيرون وستكون السلطة لمن يستحقها. ستكون السلطة للشعب!”. وبينما لم يتمكن غورباتشيوف، البالغ الثمانين من عمره من الحضور بنفسه حتى الان، فقد بعث بتحياته للمحتجين، ودعا في مقابلة اذاعية بثت مساء بوتين للتنحي. وقال غورباتشيوف لاذاعة صدى موسكو “انصح فلاديمير بوتين بالرحيل الان. لقد تولى ثلاث مرات، اثنتان كرئيس وواحدة كرئيس للوزراء. ثلاث ولايات — هذا يكفي”. وتابع “ينبغي عليه ان يفعل كما فعلت” في اشارة الى استقالته كرئيس للاتحاد السوفييتي في الخامس والعشرين من كانون الاول/ديسمبر 1991، “هكذا سيحافظ على كافة المنجزات التي فعلها”. ووسط اجواء احتفالية قدم محتجون من كبار السن الشاي للمحتشدين ورقص المتظاهرون على وقع موسيقى الروك الروسية للحفاظ على حرارة اجسامهم مع انخفاض درجات الحرارة الى ادنى من الصفر، وقالت الشرطة انه لم تجر اعتقالات. و من غير الواضح في الوقت الراهن متى يجري الاحتجاج القادم، غير ان بعض التعليقات على الانترنت — التي كانت المنتدى الرئيسي لتنظيم التظاهرة — اقترحت الرابع عشر من كانون الثاني/يناير كموعد للتجمع. وكان عشرات الالاف قد خرجوا للاحتجاج في مناطق مختلفة من روسيا في العاشر من كانون الاول/ديسمبر معربين عن غضبهم ازاء ما تردد عن مخالفات بالجملة في الانتخابات التي منحت حزب روسيا الموحدة بزعامة بوتين اغلبية اقل مما كان يتمتع بها. وقال احد المحتجين ويدعى اوليغ ليفونوف، 40 عاما “اتينا للتعبير عن غضبنا. انهم يضعون اصحابهم في السلطة ويقسمون الكعكة على انفسهم. تماما مثل الشيوعيين ايام الاتحاد السوفياتي!”. ومنحت السلطات التراخيص للاحتجاجات في تحول كبير في موقف الشرطة التي اعتقلت المئات ممن شاركوا في تظاهرات عقب الانتخابات مباشرة. وجرت احتجاجات اصغر في مدن روسية اخرى، حيث خرج المحتجون رغم البرودة القارسة مع وصول الحرارة الى 15 درجة تحت الصفر في سيبيريا. وشارك نحو 4000 شخص في تظاهرتين منفصلتين في سان بطرسبرغ، بينما تظاهر الفا شخص في مدينة نوفوسيبرسك كبرى مدن سيبيريا. وكان الرئيس دميتري مدفيديف قد اعلن هذا الاسبوع عن مقترحات اصلاحية بهدف تهدئة المحتجين — بينها العودة الى الانتخاب المباشر لحكام المناطق الروسية — غير ان تلك المقترحات لم ترق لسقف مطالب المحتجين الداعين الى اعادة الانتخابات التشريعية التي جرت مؤخرا. وتحدى المجلس المنتخب حديثا الاحتجاجات عاقدا جلسته الاولى الاربعاء. وكان حزب روسيا الموحدة الحاكم قد فاز بأقل من نصف الاصوات في الانتخابات وخسر 77 مقعدا مع تراجع الحماسة لحكم بوتين الذي يخطط للعودة مجددا للكرملين كرئيس للبلاد في الانتخابات التي تجرى في اذار/مارس ومن ثم يمكنه البقاء في السلطة حتى 2024. غير ان المعارضة تقول انه لو كانت الانتخابات حرة لكانت النتيجة التي يحصل عليها حزب روسيا الموحدة اسوأ من ذلك.