عندما نتأمل في سلوكنا اليوم من خلال الأحداث والقصص نكتشف جهلنا المطبق بالسلوك الإسلامي المبني على سلوك وعدالة سيد المرسلين صلوات الله وسلامه عليه ، ونكتشف بأننا نقرأ القرآن كهدي سماوي ينظم كل شيئ في ديننا وسلوكنا وتعاملنا البشري .. يمقت الكبر والعزة في الإثم ويدعو للإلتزام بتطبيق الخواطر وجبر الأنفس إن ظلمت أو جار عليها قوي بظلم أو جور ، كل إنسان معرض للخطأ اجاه الآخرين وإذا كان دواء الجروح البلسم والمطهر ، فعلاج الخطأ طلب العفو و الإعتذار والإعتراف بالخطأ والجور وتقديم مايجبر الخاطر و ما يجبر كسر النفس التي ظلمناها أو تسببنا في إذايتها بكل الوسائل دون أن تأخذنا العزة في الإثم .. قال تعالى : ( وإذا قيل له اتق الله أخذته العزة بالإثم فمثواه جهنم وبئس المصير ) نقرأ هذه الآية جميعا على مختلف شرائح المجتمع الثقافية والإجتماعية والمناصبية.. ولكن المؤسف عشعشت في نفوسنا الكبرياء والعزة فلانطبق هذه الآية ولا يهزنا الخوف من وعيد العادل الجبار .. نظلم نعتدي نجور على البعظ وعلى عباد الله بالزور والبهتان والغيبة والنميمة وبكل وسائل وأساليب الضرر والظلم والإذاية ولا نتلزم بالإعتراف بالذنب من واقع المركز أو الجاه أو عزة منصب أو مسمى أو لقب أو جاه .. ولا نقلي لوعيد الله بالا ولا اهتماما لقوله تعالى ( جزاءه جهنم ولبئس المهاد ) كل هذا ونحن نلبس أبهة الوعظ وهيئة الوقار لقد طغت علينا العزة والكبرياء والأبهة والسلطة نقرأ القرآن بلا تدبر ولا تطبيق نقرأه فتبلغ تلا واتنا عنان السماء والآفاق عبر المكبرات في المساجد ووسائل الإعلام نقرأه ولا يتعدى حناجرنا وقد جاء حديث في ذلك من الهادي عليه وعلى آله صلوات الله وسلامه ..إن كل نفس عزيزة لها كرامتها ولها حماية و حقوق ربانية بالسواء .. لا فضل لعربي على أعجمي إلا بالتقوى . إن الإعتراف وإعطاء الناس اعتبارهم هو تربوية ربانية ونبوية للنفس وقوة في الشخصية وعدل وثقة في النفس وقبل ذلك كله هو تقوى الله والخوف منه يوم نعرض عليه ولا يظلم فتيلا .. وفي قصة الصحابي الجليل الذي قال لسيدنا بلال رضي الله عنه ( يا إبن السوداء( لعبرة ) , فشكاه بلال على النبي .. فقال صلى الله عليه وسلم للصحابي إن فيك لجاهلية أو بمعنى ما قال ) , فما كان من ذلك الصحابي إلا أن وضع خده على الأرض وقال لبلال طأ بقدمك على خدي ) منتهى العظمة والإنصاف والأخذ بالخاطر عند الشعور بالخطأ والذنب .. فهل نحن هكذا ؟ لا والله لا واعظ ولا موعوظ ولا تابع سيتنازل عن كبريائه وعزة نفسه وذلك لضعف السريرة والجهل بالعواقب وتهميشها ، فالله قد يغفر الذنوب بينه وبين عبده ، ولكن لا يغفر لك مظلمة أو إذاية لمخلوق من عباده مالم يعفو عنك ذلك المظلوم .. قدم نفسك بكل الوسائل التي ترضيه .. موقف عظيم من مواقف النبي صلى الله عليه وسلم عندما كان ينظم الصفوف لغزوة بدر ، وقد كان أحد الجند متقدما عن الصف فوكزه الرسول صلى الله عليه وسلم في بطنه فقال : أوجعتني يا رسول الله ، فما كان من النبي عليه صلوات الله وسلامه إلا أن كشف رداءه عن بطنه وقال لذلك الرجل خذ بحقك اقتص لنفسك فهجم ذلك الجندي الصحابي على بطن رسول الله يقبله ويمرغ وجهه فيه .. قمة الإنصاف لم يقل له بعد إنتهاء حصتنا تعال إلي بهدف العقاب لتجرئه أو قال له : إخرس .. قف مثل الآخرين .. بل أمام الجميع وعلى مرآى من الحاضرين قال له خذ بحقك إنها العظمة عندما تبرز في سلوك نبي العدل والأخلاق ! وهذا عمر ابن الخطاب رضي الله عنه عندما جاءه رجل من أهل مصر شاكيا .. قال أنس رضي الله عنه : كنا عند عمر ابن الخطاب إذ جاء رجل من أهل مصر ، فقال : يا أمير المؤمنين ، هذا مقام العائذ بك ! قال : ومالك ؟ أي ما بك – نحن هنا في جازان إذا قلنا ( مالك ) عيرونا ونعتونا بسخرية( عفوا خروج تلميحي للفائدة ) فعندما قال عمر للرجل : ومالك ؟ قال له الرجل : أجرى عمرو بن العاص بمصر الخيل ، فأقبلت فرسي ، فلما رآها الناس قام محمد بن عمرو ، فقال : فرسي ورب الكعبة . فلما دنا مني عرفته فقلت فرسي ورب الكعبة . فقام إلي يضربني بالسوط ، ويقول خذها وأنا ابن الأكرمين وبلغ ذلك عمرا أباه فخشي أن آتيك فحبسني في السجن فانفلت منه ، وهذا حين أتيتك .. فوالله مازاد عمر أن قال له أجلس . ثم كتب إلى عمرو: إذا جاءك كتابي هذا فأقبل أي تعال ، وأقبل معك بابنك محمد . وقال للمصري : أقم حتى يأتيك . فدعا عمرو ابنه : فقال له سائلا : أأحدثت حدثا ؟ أجنيت جناية ؟ قال : لا . قال : فما بال عمر يكتب فيك ؟ فعندما قدما إلى عمر . قال أنس : فوالله إنا عند عمر ، إذا نحن بعمرو وقد أقبل في إزار ورداء ، فجعل عمر يلتفت هل يرى ابنه ، فإذا هو خلف أبيه . فقال عمر أين المصري ؟ قال : ها أنا ذا .. قال : دونك الدرة فاضرب بها ابن الأكرمين فضربه حتى أثخنه ونحن نشتهي أن يضربه ، فلم ينزع حتى أحببنا أن ينزع من كثرة ما ضربه ، وعمر يقول : أضرب ابن الأكرمين . ثم قال أجلها – أي حولها يقصد الدرة التي نطلق عليها الخيزرانة – قال له : أجلها على صلعة عمرو ، فوالله ما ضربك يقصد محمدا ابنه إلا بفضل سلطانه أي بفضل سلطان أبيه عمرو ابن العاص ) . قال : يا أمير المؤمنين قد استوفيت واشتفيت . وقال : يا أمير المؤمنين قد ضربت من ضربني . قال : أما والله لو ضربته ويقصد بذلك عمرو ابن العاص ما حلنا بينك وبينه حتى تكون أنت الذي تدعه . أيا عمرو ! متى استعبدتم الناس وقد ولدتهم أمها تم أحرارا ؟ فجعل يعتذر ويقول : إني لم أشعر بهذا – أي لم يشعرني أحد – ثم التفت عمر إلى المصري فقال : إنصرف راشدا فإن رابك ريب فاكتب إلي – القصة من ابن الجوزي مع زيادات من العقد الفريد لإبن طلحه من كتاب عمر للشيخ علي الطنطاوي يرحمهم الله جميعا ، ومن القصص أيضا – عفوا لقد أطلت عليكم . كتب ابن الجوزي من كتاب عمر للطنطاوي يرحمهما الله .. أن عمرو ابن العاص قال لرجل من تجيب – وللتوضيح تجيب هذه موضع أو قرية أو سكنى ينتسب إليها الرجل – قال له عمرو بن العاص يا منافق . فقال الرجل : والله ما نافقت منذ أسلمت ولا أغسل رأسا ولا أدهنه حتى آتي عمر . فأتى عمر فقال : يا أمير المؤمنين ، إن عمرا نفقني ي قذفني أو بهتني أو اتهمني بالنفاق ولا والله ما نافقت منذ أسلمت . فكتب عمر إلى عمرو ، وكان إذا غضب عليه سماه العاصي ابن العاصي : أما بعد فإن فلانا التجيبي ذكر أنك نفقته ، وقد أمرته إن أقام عليك شاهدين أن يضربك أربعين أو قال سبعين . فقام الرجل وقال : أنشد الله رجلا سمع عمرا نفقني إلا قام فشهد ، فقام عامة من في المسجد ، فقال له حنتمة : أتريد أن تضرب الأمير ؟ وعرض عليه الإرش – الإرش هو التعويض المالي – فقال الرجل : لو ملأت لي هذه الكنيسة ما قبلت . فقال له حنتمة : أتريد أن تضربه ؟ قال الرجل : ما أرى لعمر هاهنا طاعة . فلما ولى قال عمرو: ردوه . فأمكنه من السوط وجلس بين يديه ، فقال الرجل : أتقدر أن تمنع عني بسلطانك ؟ قال عمرو بن العاص : لا ، فامض لما أمرت به .قال الرجل : فإني عفوت عنك . إن أبسط شيء نتقي به ظلم الآخرين هو الإعتذار منهم والأخذ بخاطرهم بتذلل بطلب العفو .. حتى لا تبقى في نفوسهم غصة وعلينا ذنب .. وهذا لن ينقصنا من الذات شيئ فيما لو اعتذرنا وطلبنا الصفح ورضخنا للحق .. بقدر ما يزيدنا علوا في ذاتنا وشخصيتنا وتقوى في النفوس .. فالظلم ظلمات فهل نضيئها بالإعتذار ؟ وإنصاف الناس من أنفسنا أم ستسيطر علينا العزة حتى لا يقال فلان اعتذر إن مراعاة مشاعر الناس وأعراضهم مقدسة عند الله ثم عند أصحاب العقول والنفوس الخاشية النقية القوية ألله المستعان – معذرة فقد أطلت .