جلست في إحدى زوايا المطعم الذي يعج بالحركة والأزيز ، وما كدت أستوي في جلستي حتى أخذ يختلس غرتي فيقترب مني، فإذا نظرت إليه أو حركت أحد أطرافي تباعد قليلاً، أحسست وكأنه يختبر صبري، قررت ألا انهره مهما فعل في سابقة لم أتعودها ولكني اتخذت قراري، فأشرت للنادل لأخذ مشورته ،جاء مسرعاً فهمست له : ماذا أفعل بهذا المتربص؟ ابتسم النادل والذي عقد مع هذا المخلوق هدنة طويلة الأجل مقدماً له ولأمثاله صنوف المأكل والمشرب دون رادع أو حسيب، ثم أشار إلى عصا غليظة تقع بالجوار، ومضى يعد مطلبي. تربعت بانتظار الغداء وأخذت أُمَنّي نفسي بالطعم والرائحة، وما هي إلا دقائق حتى لبس طلبي ثيابه الفضفاضة وتعطر بأريج الزيوت وحضر بين يدي يقطر وينذر، كنت جائعا فلم أدقق النظر وبدأت باسم الله ألوك ما وضع أمامي، ولم يدر بخلدي خبث هذا الجار ولؤمه البالغ والذي لم يمهلني قضم لقمتي الأولى حتى أتى عليها، وهنا هششت عليه ولوحت باستخدام العنف إن عاد، ولم تصل يدي لفمي إلا وهو يدغدغ شفتي وهنا ثارت ثائرتي وصحت بأعلى صوتي: قاتلك الله، وأهويت على رأسي بالعصا التي حدد لي النادل مكانها، فإذا به يمرغ جناحيه في الطعام وبكل بجاحة، وألقيت في لحظة لا وعي مني بباقي الطعام عليه وخرجت يدفعني حنقي ضاربا بيدي على ذقني بعدم العودة لمطعم "يوشوش" فيه الذباب حتى لو أكلت ساعدي من شدة الجوع، ولكن أين أجده ؟!!