يظن كثير من الباحثين والكتاب والإعلاميين ونشطاء حقوق الإنسان والنشطاء الاجتماعيين, وغيرهم من المهتمين بحرية الرأي والتعبّير, أن حرية الرأي والتعبير مطلقة لا قيود عليها ولاضوابط لها تحد دون الحيلوة منها أو تمنع مخرجاتها, وأن ما يطرأ عليها من قيود فيه تعدٍ على مضامينها وأهدافها. فلا لوم على من لم يفقهوا هذا الحق بمفهومه الإسلامي ؛ واكتفائهم بماهيته ومفهومه العام الفضفاض , وحين مقارنتهم له بماهيته ومفهومه الإسلامي أو النظامي, شعروا بوجود الموانع أوالقيود المانعة من تعاطي هذا الحق، حيث غاب عنهم أن أي حق يقابله التزام وهذا الأخير هو المعيار الذي على ضوئه يتقرر الحق, وعلى ضوء ذلك القياس تتقرر ضرورة وجود ضوابط معيار لذلك الحق -حرية الرأي والتعبير ، وحتى لا يفهم أن منع الإنسان من حرية الرأي أوالتعبير عنه على وجه يسيء إلى الآخرين يُعدُّ منعاً من الاعتداء، وليس منعاً من تعاطي هذا الحق. وحتى يستقر الحال فالتعاطي مع حرية الرأي والتعبيّر عنه فلابد أن يتم في إطار منظومة القيم الأخلاقية ، بما يجعلها طاقة تحفظ للمجتمع استقراره، فنهى الإسلام عن إبداء الرأي أو التعبيّر عنه الذي يؤدي إلى إشاعة الفاحشة بين الناس، ويحصل لهم الأذى بسببه، وهذا ما يعرف ب " سد الذرائع"، كما يجب ممارسة هذه الحق بأسلوب علمي قائم على الدعوة بالحكمة والموعظة الحسنة، ويهدد الأمن الأخلاقي والنظام العام في الدولة أو العبث بمقومات المجتمع. فالقيود في القوانين الدولية هي: احترام حقوق الآخرين أو سمعتهم، حماية الأمن القومي أو النظام العام أو الصحة العامة أو الآداب العامة، حظر الدعاية للحرب والدعوة للكراهية القومية أو العنصرية أو الدينية والتمييز العنصري وتجريم نشر الأفكار القائمة على أساسها. إن مبدأ عدم انتهاك الحقوق والحريات للأفراد ومبدأ حماية الأمن العام؛ يعدان من المبادئ التي يتوافق ويتطابق عليها منهج الشرائع السماوية والقوانين والإعلانات والدساتير العالمية والوطنية لحقوق الإنسان الحديثة، خصوصاً أن الشريعة الإسلامية قد عرفت حقوق الإنسان كمبدأ عالمي منذ أكثر من أربعة عشر قرناً، كان الإسلام هو الشعلة المضيئة فيها منذ مولده وحتى عصرنا الحديث. 1