مما لا شك فيه أن الوحدة الوطنية محل إجماع من قبل جميع المواطنين لأنهم يرون فيها مصدر قوة وتماسك بينهم تحقيقا لقول الله سبحانه وتعالى {وَاعْتَصِمُواْ بِحَبْلِ اللّهِ جَمِيعاً وَلاَ تَفَرَّقُواْ وَاذْكُرُواْ نِعْمَتَ اللّهِ عَلَيْكُمْ إِذْ كُنتُمْ أَعْدَاء فَأَلَّفَ بَيْنَ قُلُوبِكُمْ فَأَصْبَحْتُم بِنِعْمَتِهِإِخْوَاناًوَكُنتُمْ عَلَىَ شَفَا حُفْرَةٍ مِّنَ النَّارِ فَأَنقَذَكُم مِّنْهَا) وعن أبي موسى الأشعري أن النبي (صلى الله عليه وسلم) قال: (المؤمن للمؤمن كالبنيان يشد بعضه بعضا.ثم أن المادة 12 في الباب الثالث من النظام الأساسي للحكم والمعنونة ب (مقومات المجتمع السعودي)تنص على أن «تعزيز الوحدة الوطنية واجب، وتمنع الدولة كل ما يؤدي للفرقة والفتنة والانقسام»، وهذا النص نص محترم تعارفت عليه معظم الأنظمة والدساتير في مختلف دول العالم ؛ وقد ضرب الشعب السعودي النبيل اجمل صور الوحدة والصمود وقدم للعالم نموذجاً رائعا للوحدة الوطنية . ولعل الذاكرة هنا تعود بنا الى احد الصورة كشاهد على حقيقة مشاعر مايكنه هذ الشعب الأبي لوطنه وقيادته الحكيمة، وتحديدا يوم 11 مارس الشهير عندما طالبت أصوات نشاز بالخروج للتظاهر وفي ظل أوضاع مأزومة آنذاك في المنطقة العربية.فقدم الشعب السعودي حينذاك نموذجا فريدا على ترابط الدولة وتماسكها وعكس وقتها درجة وعيه وحكمته واتزانه،حيث انكشفت حقيقة رغبة المواطنين في أن يبقى وطنهم موحدا ومستقرا وآمنا،فكانت بمثابة رسالة شعبية عنوانها الوفاء والعطاء لهذا الوطن وقيادته.وحملت رسالة أخرى لمروجي الفتنة مفادها ان الشعوب المخلصة لا تبيع أوطانها للأوهام وضمائرها لمن يتهددون سلامتها ووحدة اراضيها ونسيجها الإجتماعي.ومع هذه الصورة المشرقة والزاهية للوطنية الحقة إلى إنا هناك فئة قليلة لا تلبث أن تضع نفسها في موقع المعرقل والمحرض، وهي حالة موجودة في اغلب المجتمعات وإن كانت بأنماط مختلفة وبايدولوجيا مغايرة، إلا أن الغاية لدى أصحابها،تهدف إلى شرخ الكيان الداخلي لأجندة خاصة لا صلة لها بالصالح العام مثل مايحدث في بعض مدن المنطقة الشرقية او فئة انتهازية تبحث عن مصالح شخصية مستغلين هذ الظرف الدقيق في حال الأمة مثل المطالبين بخروج مساجين إرهابيين او مُحرضين او ممولين لأنشطة إرهابية قال الشرع فيهم كلمته. وما يؤدي إليه من عواقب وخيمة بسب تصرفات مجهولة العواقب من قبل الباحثين عن مكاسب في ضل إشعالهم الحرائق مستغلين قضايا وشعارات مثل الطائفة وقضية السجنا والفقر.وإذا كان هناك ما يجب أن يلفت النظر إليه.. فهو انزلاق بعض النخب التي يفترض فيها أن تكون عامل بناء.. ومصدر قوة.. ودرع حماية لدولة ضد كل ما يحاك ضدهما . ولعلي هنا اطرح على نفسي كثيراً من التسأول.هل يعي مثيري الفتنة ومن يقف خلفهم لأبتزاز الوطن للحصول على مكاسب دنيوية ان الفارق بين القاتل ومثير الفتنة هو أن الفتنة أشد من القتل؟ وهل يعي الحميع بأنه لا تنمية بلا أمن.. ولا أمن بدون تنمية.. وأن غياب أحدهما يؤدي إلى غياب الآخر بصورة تلقائية.. هل استشعر المحرضين على الفتنة ان المحافظة على الوحدة الوطنية وعدم إثارة الفتن والشغب أو التآمر مع الغير ضد سيادة الوطن ووحدته الاجتماعية ووحدة أراضيه واجباً وطنيا على الجميع وانه لا يجوز في الشريعة ارتكاب مفسدة لتحقيق مصلحة؟وهل من خرج يطالب بتفريغ السجون من الخونة والمجرمين الذي قال فيهم الشرع كلمته وحكمه يعون خطورة ذلك على الوطن؟ هل فكرو ولو للحظة واحدة انهم ينتسبون إلى وطن استثنائي شرفه الله سبحانه وتعالى بالرسالة , وبنزول القرآن الكريم فيه والحرمين الشريفين بمكة المكرمة والمدينة المنورة ؛ وحكومة تقيم شرع الله المُستمد من الكتاب والسنة المطهرة ؟ إذا أدركوا ذلك فنحن إذن أمام مرحلة جديدة من الوعي بخطورة ماحدث . ومن الإدراك الجمعي لما يجب علينا أن نفعله بعيدا عن التوترات وفي مقدمتها إثارة بعضنا على البعض فعلى من يدعو إلى الفرقة وتمزيق اللحمة الوطنية أن يتوقف عنها فورا.. ويدعو بدلا من ذلك إلى الحكمة والموعظة الحسنة.. وإلى تراص وتوحد الصفوف.. وتصفية النفوس مما علق بها.. وأن يعمل على هداية الناس إلى الخير والعمل الصالح.. بدل شحنها بما يؤدي إلى الإضرار بنا.. وببلادنا.. وبمستقبل أجيالنا..وأن نحافظ على وطننا.. وأن نرتفع إلى المستوى الذي شرفه الله به.. وجعله قبلة للمسلمين في كل مكان.. وفضلنا بذلك على العالمين وجعلنا خداما وحرسا أمناء عليه ؛ لأن وطنا الذي نعيش فيه حري بأن نصونه , نحميه , ونبتعد به عن كل صور الانحطاط..والتأزم.. التي تعيشها مجتمعات أخرى لا تملك بعض ما هو متاح لوطننا. وبعض ما وهبه الله لنا في رحابه.. أما بالنسبة للمطالبة بالمزيد من الإنجاز بكل مستوياته وعلى جميع أصعدته.. الإدارية.. والسياسية.. والتنموية.. والحقوقية.. والفكرية.. والاجتماعية ؛ فلا يوجد إنسان واحد لا يؤمن بضرورته.. وبأهمية تحقيقه وبالذات في وقت وهب الله هذه البلاد قيادة إصلاحية جادة.. وصادقة.. وأمينة.. وفي عصر يتقدم بصورة كبيرة.. وفي ظل متغيرات كثيرة.. ليس بالإمكان تجاهلها , أو التقصير بحق بلادنا وأنفسنا دون اهتبالها. أعود لأقول إن الإصلاح الشامل والكامل والعادل مطلوب وبإلحاح وإن تسريع خطى الإصلاح وليس التسرع فيها ضرورة لا يختلف عليها اثنان, لكن ذلك كله لا بد وأن تكون مصلحة الوطن وحقوق المواطن حاضرة فيه, وعين الجميع وسواعدهم ساهرة عليه وأمينة على تحقيقه بالمزيد من التعاون والتكاتف.. وهو ما تفتقده المنطقة الآن.. وهو ما تحيا بسببه حالة الانفلات الشاملة فيها تماماً.. وهو ما سيؤثر على مستقبل أجيال قادمة فيها مع كل أسف..أما إذا كان الإصلاح الذي يطالب به البعض سيؤدي بنا إلى ما حدث ويحدث من حولنا من الفوضى.. فإن عظمة هذه البلاد وقداستها.. لا تقبله.. أو تحث عليه.. أو تدعو إليه..وأن هذه البلاد تملك من القدرة والقوة والرشد ما يمكنها من التعامل مع الفتن والأخطار بجدية تامة. وهنا يبرز دور القيادة السياسية حيث ترى شيئا قد لا نراه، لاسيما في ظل ارتفاع الأصوات من كافة التيارات إلى تفعيل مفهوم المواطنة وتكريس الوحدة الوطنية لأنهما صمام الأمان لبقاء الوحدة الوطنية وحمايتها ممن يحاولون هدمها، لأن التفريط بها يعني الضياع والانهيار لاسمح الله . ولا خلاف على أن لكل مواطن في هذه البلاد حقوقا.. وأن من أبرز هذه الحقوق أن يطالب بها وأن يحصل عليها بكافة الطرق والوسائل المشروعة وفي إطار المواطنة الحقة.. أولا وأخيراً..لكن الخلاف يبدأ بين الناس.. وربما بين السلطة في أي بلد وبين أي فرد أو مجموعة يتخطون حدود مصالح الوطن العليا ويعمدون إلى استخدام أي وسيلة غير مشروعة مهما كانت المبررات والأسباب..فإذا كان هذا المتجاوز أو تلك المجموعة قد لجأوا إلى أي أساليب ضارة.. وغير مقبولة.. فإن المجتمع كله.. وليس الدولة سوف يقف لها بالمرصاد, وسوف يتم إيقاف هؤلاء العابثين عند حدهم , قبل أن تتدخل الدولة , وقبل أن تقوم بواجبها تجاه الوطن وحماية المجتمع نفسه, وعدم السماح بأي ممارسات غير طبيعية، فضلا عن أن يشتم منها رائحة «تحريض» هدفه إشعال الفتنة في داخل وطننا , أو التعدي على حقوق المواطنين في الحياة الهادئة , الهانئة , والمستقرة. ومن هذا المنطلق.. فإن الجميع سُعد ببيان وزارة الداخلية التفصيلي الأخير الشافي والكافي والذي وضح في حقيقة مايجري فأزال البس ووضع النقاط فوق الحروف فوقف الجميع احتراماً وتقديراً لهذ البيان الواضح لان الخروج على الوطن والتأليب عليه.وإثارة نفوس الناس ضد وحدته وسلامة أبنائه وتوحدهم هو في حكم المحرمات التي لايجب القبول بها.فضلا عن التهاون بها لان هذا الوطن قيمة وأي قيمة..وتراب هذا الوطن لا يباع ولا يشترى بأي قيمة في كل الدنيا..والولاء له.. والتمسك بثوابته العقدية.. وبحقوقه السيادية.. والقانونية.. لا بد وأن يكون فوق أي خيارات أخرى. ونظامه السياسي.. مسؤولية لا يجب التهاون في أدائها في مختلف الظروف.. ومن قبل الكل. وإذا كان أحد قد أتى أمرا مخالفا لكل هذا وذاك.. فإن أحدا في هذا الوطن المتسامح معه.. ومع غيره لن يقبل أساليب التحريض ضده.. بالقول أو العمل أو حتى التفكير... وبالتعاون مع الجميع.. وسعيهم الدؤوب إلى معالجة كافة الأسباب المؤدية إلى بعض الأعمال المرفوضة وإذا فعل هذا من تخوله صلاحياته القيام بدور للحفاظ على أمن البلاد, وسلامة المواطنين وغيرهم بعيدا عن الأنظمة والقوانين وفي مقدمتها الشريعة الإسلامية, وعلينا أن نقف بوجهه , ونضع حدا لتجاوزاته تلك. وما نرجوه ونتطلع إليه أن يتحرك الجميع بقوة وفي كل اتجاه لإطفاء أي ملمح من ملامح الفتنة , فنحن مجتمع يدرك أن مصلحته الكبرى تتمثل في استيعاب بعضنا البعض , وفي بناء وتعزيز شراكة حقيقية فيما بيننا أساسها المواطنة الحقة والانتماء الصادق لأرضه المقدسة الطاهرة؛ فعجلة التطوير لا يمكن أن تدور إلا في جو من تسوده الرغبة الجادة المشتركة من كل مواطن ليسهم في هذا الهدف ؛ وأن يبقى بعيداً عن كل ما يعيق حركة التنمية والتطوير حتى لا يكون سبباً في إعاقته فيندم من يندم حين لا ينفع الندم ، والنموذج للربيع العربي وما آلت إليه الأوضاع في البلدان التي طالها خير درس يتعلمه كل عاقل. 1 باحث في الشؤون الأمنية والقضايا الفكرية ومكافحة الإرهاب [email protected]