بدراسة متأنية وواقعية بعيدة عن التأويل يتبادر إلى الأذهان تساؤلات مشروعة ومنطقية حول إزدواجية معالجة القضايا الدولية القائمة وسأتناول قضيتين إحداهما مزمنة والأخرى حديثة لوقيست بالأولى .القضية الأولى رفض إسرائيل الإنسحاب من الأراضي الفلسطينية وإقامة الدولة الفلسطينية واستكمال ا انسحابها من جنوب لبنان وإعادة الجولان لسوريا رغم القرارات الدولية انتهاء بالمبادرة العربية التي أجمع عليها العرب في قمة بيروت عام الفين وإثنين ميلادية وقرارات اللجنة الرباعية ومن ثم قيام إسرائيل بشن حربين على لبنان وغزة في وقت خيل للعرب بقرب التوصل لسلام على الأقل بعد انسحاب إسرائيل من قطاع غزة . لماذا لم تذلل الصعاب وتنجح كل المفاوضات مع إسرائيل السبب هو أن الطرف الوسيط أميركا والغرب لايلتزمو ن بجدية لقناعاتهم أن العرب ليس لديهم مايخيفون به إسزائيل ولتخلفهم التقني والصناعي والتعليمي ولايمتلكون نفس عناصر القوة التي لدى إسرائيل نتيجة أن البديل لفشل جهود السلام تقديم تنازلات لإسرائيل حتى يمكنهم من إقناع الدولة العبرية باستئناف جهود السلام , القضية الثانية التي تهم الأميركان والأوروبيين وتعطى اهتماما لايقارن بقضيتنا العربية من ناحية درجةالاهتمام وأن الطرف الرئيس فيه هو إيران على مدى خمس سنوات متواصلة أو أكثر إجتماعات متلاحقة ومواضيع مكررة حول برنامج إيران النووي ,وما يرافقها من تصريحات وتهديدات وإيماءات غربية وأميركية و إسرائيلية , وفرض عقوبات إقتصادية على إيران التي لم تتضرر منها بل زادت من نشاطاتها في المجال النووي وزيارات تفتيش لم تثمر عن الوصول لأسرار إيران النووية بل أن الوكالة الدولية للطاقة النووية لم تجزم بأي من تقاريرها بتوصلها لأي معطيات تنفي أو تثبت توجه إيران عبر برنامجها النووي لصناعة أسلحة نووية بل مجرد استنتاجات غير قاطعة فحواها أن الوكالة ليس لديها اليقين بنوايا صناعات عسكرية نووية بل أن البرنامج للإستخدامات السلمية أي وفق المعطيات التي لديها . لو قورنت بما كان يشاع عن العراق أن هوجم لمجرد إشاعات بمعزل عن تقارير الوكالة الدولية التي مكثت شهورا طويلة وهي تتفحص كل متر مربع من العراق والنتيجة لم تعد خافية على أحد. مع الحالة الإيرانية أصبح الغرب وأميركا يقدمون التنازلات المتتالية لإيران التي تتظاهر بقبولها ماتلبث أن ترفضها وكلما بجعبة أميركا والغرب هو التلويح بتشديد العقوبات لذلك تتتالت العقوبات ولم تؤثر على خطط الحكومة الايرانية , بل زادت من تدخلاتها بالمنطقة , من الجزر الاماراتية حيث كثفت تواجدها وسيطرتها كان آخرها تعيين فرع قيادي للحرس الايراني , وتحاول النيل من المنشآت النفطية بجزر أخرى بالخليج من جزيرة عراب التابعة للمملكة , وعقد اجتماع افتتحه خامنئي للمحافظات الإيرانية وخصصت مقعداً كما تزعم إيران "لمحافظة البحرين " ؛ يتودد الغرب للمفاوضات معها وما أن تبدأ المفاوضات إلى أن تنتهي والموقف الإيراني يعيدهم للمربع الأول ومهلة تلي مهلة , ونحن بانتظار ماصرحت به إيران أنها لديها أخبار سارة للأمة الإيرانية بخصوص ملفها النووي قد يكون مفاجأة إعلان تمكنها من انتاج السلاح النووي . مأ أريد الوصول إليه أن أميركا والغرب يحسبون ألف حساب لمن يمتلك القوة ويجهدون في إرضائه بعكس الوضع العربي الذي يتقوقع داخليا ويختلفون على أبسط الأمور فنرى قرارات القمم العربية على هشاشتها وتكرارها تمضي فترة طويلة لصياغة البيان الختامي وكأن البيان سيكون له صدى دوليا المبادرة العربية إذا لم تدعمها قوة رديفة تضاهي قوة إيران وقوة إسرائيل لن يتحمس لها الأميركيون والغرب عموما, ودليل ذلك محاولات الالتفاف عليها بخارطة طريق واللجنة الرباعية ؛ متى ماوجد لدى العرب دولة قائدة تتوفر على عناصر قوة أو على الأقل مشروع عربي موحد يضاهي المشروعين الإسرائيلي والإيراني بالإضافة للثبات على المبادرة العربية والتلويح كما أشار الملك عبدالله بقمة الكويت أنها لن تبقى تنتظر موافقة إسرائيل عليها.. بالطبع نستبعد شن الجيوش العربية حربا على إسرائيل كبديل لرفض إسرائيل وعدم جدية أميركا بتبنيها خاصة وهي لم تستطع حتى تمرير خارطة الطريق أو ورقة اللجنة الرباعية عندما يمتلك العرب عناصر قوة تعادل مالدى إيران وإسرائيل لن يجدوا من الغرب واميركا بالخصوص مايشابه مواقفهم الحالية بل سيسعيان لاقفال ملف الصراع العربي الإسرائيلي. لاسيما وأن إسرائيل وإيران لايخفيان عدائهما للعرب بل ويجسدان ذلك يوميا على أرض الواقع .وهاهي إيران تمد نظام بشار الأسد بالنفط والسلاح والمال , وتصرح علنا بأنها لن تسمح بسقوط ونظامه ؛ ولتحقيق ذلك الهدف لابد أن يبدأ العرب بالسير وف خطط استراتيجية لبلوغ معادلة طبيعية تخفف الاحتقان وتطاول الثنائي الايراني الاسرائيلي ,و لم نعد بحاجة أن يستمر العرب بمسؤوليهم وإعلامهيم وخطبائهم وسائر منابرهم الاعلامية أن يكتفوا بسياسات ردود الأفعال التي تقتصر على ديمومة إدانة وشجب إيران وإسرائيل على أطماعهما وخطورتهما على العرب والمسلمين حتى أمسينا وأصبحنا نتقيأ من رعونة تلك المواقف المتخاذلة . هل من المنطق والعقل والأنفة العربية , وهل من نصوص الشريعة الاسلامية ومبادئها أن يظل العرب محشورين بين قوتين طامعتين في إذلال العرب وسلب إرادتهم كونهما يلكان استراتيجيات بعيدة المدى , ونظل ندور بحلقة مفرغة واسطوانة مشروخة : سننتظر من أميركا والغرب لتخليصنا من أطماعهما ؟ شعب يقتل ويشرد وتهدم دوره ومساجده , ونحن بانتظار المارد الأميركي والأطلسي ليخلص الشعب السوري أو على الأقل يحيّد على الأقل حلفاء النظام السوري روسياوإيران وإسرائيل , من يقول أن إسرائيل ليست متعاونة مع نظام الأسد فهو يتعامى على الحقائق على الأرض واقرب مثال تحرك الدبابات السورية لتطارد معارضيها الذي فروا من قرىً مجاورة لخط الهدنة بين سوريا وإسرائيل , لأول مرة منذ فض الاشتباك بين سوريا وإسرائيل بينما إسرائيل تتفرج وتبارك لقوات الأسد بحسبانه يطارد اسلاميين جهاديين سلفيين جاءوا من دول عربية سيشكلون تهديدا ينغص على إسرائيل أمن حدودها ويجفف بحيرة طبريا بحسبانهم " يأجوج ومأجوج " تلك البحيرة التي منحها حافظ الأسد لاسرائيل حين أمر قواته بحرب 73 بعد أن وصلت إليها , وكما روى أحد جنود الكومادوز السوريين الذين سرّحوا من العمل وجاء مرافقا لزوجته المعلمة قبل أكثر من عشرين عاما : أنهم توضأوا منها وصلوا العصر بعد أن أحكموا السيطرة عليها وفتحوا الطرق وأزالوا الألغام التي وضعتها إسرائيل منذ احتلالها عام 1967م , ويضيف أنهم كانوا بانتظار دخول قوات المشاة للتواجد فيها وتأمين غطاء جوي في وقت كانت إسرائيل بحالة ارتباك على الجبهة المصرية ولكن جاءتهم أوامر من قيادة الجيش السوري بالانسحاب منها فوراً . أعود لإسرائيل وإيران لولا وجود استراتيجيات لديهما وبرامج استراتيجية عسكرية لما تدللا على الغرب وأميركا خاصة ,وأميركا لم تكن لتقود العالم بديمقراطيتها واقتصادها وصناعاتها غير العسكرية , بل لتفوقها العسكري الكاسح الذي بالطبع لولا التقدم العلمي البحثي لما كان لها ذلك , وروسيا لولا وجود صواريخها العابرة للقارات وقوتها النوية فلاديمقراطية عتيدة لديها ولا اقتصاد يوازي قوة الاقتصاد الأميركي , لذلك أن تطالب العرب بمن تعتبرهما عدوين - إسرائيل وإيران - ألا يستقويا عليك وتكتفي بالادانة سياسيا والسب والشتم والدعاء إعلاميا ومنابرياً كونهما لديهما استراتيجيات وقاعدة صناعية تسليحية ونووية , فلن تثنيهما ممارساتنا الدائمة التي لا تتعدى الشجب والاستنكار والدعاء بل تزيدهما صلفاً وعنادا . طبعا لايمكن أن تتفق اثنتان وعشرون دولة على استراتيجية طويلة المدى تبدأ من التعليم الذي يقود لصناعة مانلبس ومانركب وما نأكل وصولا إلى الرفاه السياسي وتحقيق العدالة الاجتماعية والتداول السلمي للسلطة و لبناء قاعدة صناعية تمهد لانتاج أسلحة رادعة لكلا المحورين الاسرائيلي و الإيراني عندها سيحترم أالعالم أمتنا ولن يستطيع العالم منعنا من أن نتولى حل قضايانا بل سيحترمنا حين لم نكن بحاجة لتدخلات أجنبية لحل قضايانا , هنالك دولتان في المشرق العربي هما السعودية ومصر , يمكنهما قيادة الأمة العربية وتصلان بها إلى وجود قوة برنامج سلمي نووي يمهد لتطويره لانتاج سلاح نووي عوضا عن الانتظار إلى أن تعلن إيران أنها أصبحت دولة نووية وقامت بتجربة تفجير نووي بإحدى صحاريها . فالغرب وأميركا خصوصا وإسرائيل قادرون على مجابهتها ولن يتطوعا بعد إعلانها أن يهبا لنجدة العرب , كما لم ولن يهبا لنجدة العرب من أطماع إسرائيل , لكن متى ما امتلكنا نفس معادلة القوة الرادعة كما إسرائيل , وكما تسير عليه إيران سيتحقق توازن الرعب وبالتالي سيضطر الغرب وأميركا بالذات لمراجعة مواقفهم , إنهم لايحترمون إلا من لدية قوة يستند عليها بأي مفاوضات وبأي قرارات دولية تراوغ الدول النافذة بمجلس الأمن في إرغام إسرائيل وإيران على تنفيذها , سنكون متى قطعنا مشوارا وأضحينا قوة نووية عندها لسنا بحاجة إلى وسيط أو حليف ليضغط على إسرائيل لتنسحب من الضفة الغربية والجولان ومابقي من جنوب لبنان أو ليثني إيرانوروسيا على دعم نظام تسلطي يقتل شعبه كما نظام آل الأسد , ولن تنسحب إيران من الجزر الإماراتية الثلاث وتكف عن تدخلاتها بالشأن العربي , سيبقى أملا وتحقيقه نظريا ممكن ومقدور عليه , ولكن بالوقت الحاضر عمليا ووجود إرادة سياسية لايبدو بالأفق مايشير لذلك.