عندما يطمئن الإنسان في مسكنه ، ويجد السعادة في معيشته ، ولا يشعر بالخوف على نفسه وأهله وماله؛ فهذا هو الأمن الذي يبحث عنه ، وهذه هي السلامة التي ينشدها طوال حياته. لكن هذا الأمن المنشود ، والأمان المطلوب ؛ لا يوجد لدى الحكومات المستبدة؛ التي تتهاون في تطبيق قوانينها، وتتكاسل عن أداء واجباتها، ولا تأبه باحتياجات شعوبها، ومطالب أفرادها. الأمن إذا اختل في أي بقعة من بقاع الأرض؛ فسيؤدي بأهلها إلى سفك الدماء ، ونهب الأموال ، وسلب الممتلكات ، وانتهاك الأعراض ، وإهانة الكرامة، وخراب الديار، وزوال العمران. الأمن إذا تدهور، أو رحل من أي بلد؛ حلّ مكانه الرعب والخوف، وزاد البؤس والقلق، وعظم الشقاء والحرمان ، وعلت شريعة الغاب، ومناشط الفساد، وجرائم العصابات ، ولن ترى فيه سوى من يحمل العصا والمشعاب، والسكين والساطور، والمسدس والرشاش. فقدان الأمن بين الناس ؛ يعني أن الحقوق معدومة، والأغذية قليلة، والأسعار مرتفعة، والأعمال متوقفة، والفوضى منتشرة، والحياة مرعبة. لا صناعة، لا زراعة، لا تجارة، ولا بناء عمارة، ولا عبادة مطمئنة ، ولا قيمة للدراسة ، ولا طعام مستساغ، ولا نوم مريح، ولا جلسة هادئة، فالأجواء ملوثة، والبلاد مضطربة. عندما ينحدر الأمن ؛ فلن تفيد الإنسان العقارات، ولا السيارات، ولا الثروات، ولا الأولاد، ولا الوظيفة، ولا المكانة، ولا الشهادة، ولا قوة الجسم، ولا حذاقة اللسان. ولنا في حالة الانفلات الأمني لدى بعض الدول موعظة عظيمة، كالعراق والصومال وافغانستان ، ففيها الأسير المقهور، والأرملة الثكلى، والفقير المحروم ، وفيها: " يقتل القاتلُ لا يدري لم قَتَل ، ويُقتل القتيلُ لا يدري فيم قُتِل "، النتائج مأساوية، والأمور منحدرة، والأوضاع متدهورة. ولنا كذلك عبرة في أوضاع الإخوة بدولتي تونس ومصر؛ الذين تعطلت لديهم الشريعة الربانية، واستبدلت بقوانين وضعية، وقامت بين الأحزاب مناوشات، وحدثت اضطرابات ، قتلت أنفس ، واقتحمت منازل، وهاهي الأحوال تتأزم، والمصائب تتوالد، والمبكيات تتكاثر. إن المسلمين يغفلون عن التوجيهات النبوية الشريفة: (من حمل السلاحَ فليس منّا)، (كلّ المسلم على المسلم حرام؛ دمُه وماله وعِرضُه)، (وإن دم المسلم أعظم حرمة عند الله من الكعبة المشرفة) ، ثم إن بعضهم لا يعمل بهذا التوجيه الرباني العظيم: "الذين آمنوا ولم يلبسوا إيمانهم بظلم (شرك) أولئك لهم الأمن وهم مهتدون "(الأنعام: 82). البلد الآمن أيها الفضلاء: هو ذلك البلد الذي يلتزم بعبادة خالقه، ويأخذ بشريعة ربه، البلد الذي ينتشر فيه الخير، ويقل به الشر، البلد الذي يشعر أهله بالسعادة والراحة والرفاهية، البلد الذي يحفز سكانه على البناء، ويدفعهم إلى العطاء ، ويجدون فيه الرخاء ، البلد الذي للقانون احترام، ومع النظام التزام. فإن أردنا لأنفسنا الاستقرار الراسخ، والأمن الوارف ؛ فعلينا أن نستشعر هذه النعمة التي نعيشها في بلادنا الغالية، وأن نسهم في المحافظة عليها؛ فإنه مهما وجدت بيننا النواقص ، ومهما كثرت المساوئ، ومهما عظمت الأخطاء، فوحدة الصف أهم المطالب، وأكبر المكاسب، وأعظم الثروات، "من أصبح آمناً في سربه، معافى في بدنه، عنده قوت يومه، فكأنما حيزت له الدنيا بما فيها" رواه البخاري وغيره. أتمنى ألا نستمع لفرقعات إعلامية، أو نلتفت لمشاغبات انترنتِّية؛ يقف وراءها عميل حاقد، أو عدو حاسد، أو دخيل ناقم، أو جهول طائش ؛ فإن طاعة ولي الأمر وتأييده واجبة شرعاً في غير معصية ، مع بذل النصيحة المتواصلة؛ بطرقها الهادئة الصحيحة، ووسائلها السلمية السليمة، " وما كان ربك ليهلك القرى بظلمٍ وأهلها مصلحون "، (هود : 117 ). اللهم اكبت أعداءنا، واحفظ أنفسنا وأموالنا، واهدنا صراطك المستقيم، ووحدنا على الحق المبين. د.عبدالله سافر الغامدي