لم يعد جهاز جوال الزوج وحيداً تحت وطأة «مجهر الزوجة»، بل انضم بجواره أكبر موقع اجتماعي على مستوى العالم، حيث أصبح «الفيس بوك» (Face Book) مكاناً آمناً ينبثق منه نظر الزوجة بكل أريحية على الصفحة الشخصية للزوج، والذي أعلن اسمه واستمد علاقات جديدة، وأخرى استعادها عبر هذا الجسر الإلكتروني الجديد للصداقة. «عين الرقيب» هذه كما اعتبرها الأزواج، هي لزوجات أخذت الغيرة حيزاً كبيراً في حياتهن، وأخريات يجهلن مدى إخلاص أزواجهن، أو بالأحرى الحصول على دليل لعدم ولاء الزوج، وربما يمثل «التلصص» على الصفحة الشخصية إحدى أفضل السبل الجديدة ما بين اقتناص «أدلة دامغة» ضد الزوج، وأيضاً وضع حدود للصداقة المفتوحة في دائرة موسعة، محيطها شعار تردده الزوجات بالخفاء يعني «وراك وراك»!. في هذا التحقيق اتضحت معاناة أزواج راسلناهم من خلال هذا الموقع من تسلط زوجاتهم على صفحاتهم الشخصية والبحث عن أصدقائهم، فالبعض أشار إلى أن زوجته طلبت دخولها لقائمة أصدقائه، ليتفاجأ بتحقيق «شبه يومي» عن كل حرف أو بصمة إعجاب يجدها من أخريات، وآخر يقول كانت المفاجأة بأن زوجتي صديقة لي على مدى طويل لم أعلم عنها إلا عندما أخبرتني بذلك، مقدمةً «باقة ورد» بمناسبة تجاوز اختبار الصداقة كما اعتبرتها!. أسئلة كثيرة يقول «عبد الكريم خالد»: لم تتفهم زوجتي معنى الصداقات على موقع «الفيس بوك»، إلاّ بعد نقاش طويل وعتب امتد لأيام، حيث أوضحت لها بأن هذا واقعه، وأن حدود الصداقة فيه لا تتجاوز الشاشة، موضحاً أن زوجته من ضمن أصدقائه ليس نوعاً من ترف العلاقة بينهما، ولكن بطلب منها، مشيراً إلى أنه لا يمر يوم حتى تفتح نقاشاً لتتأكد من مواضيعه وعلاقاته على صفحته، ذاكراً أنها تطرح أسئلة كثيرة منها: من هي هذه؟، وماسر إعجابها بحديثك أو صورتك؟، وأنا محاصر بالأسئلة وأجيب، وفي النهاية ترد: هذه خيانة وقلّة أدب!. اختبار من نوع آخر وتحدث «مازن محمد» قائلاً: حقيقة ان زوجتي عملت لي اختباراً من نوع آخر يتماشى مع حداثة هذه العلاقات، حيث طلبت صداقتي ووافقت عليها دون علمي انها من طلب الصداقة، مضيفاً: «بعد مضي فترة تجاوزت الأربعة أشهر أقامت لي احتفالية خاصة وقدمت بها باقة ورد، وأوضحت أنني تجاوزت اختبار العلاقة الزوجية خلال الموقع بما يحفظ حقوقها ومكانتها ومشاعرها!». جلسات استجواب وأشار «محمد عبد الرحيم» إلى أنه اضطر للخروج من عالم «الفيس بوك» إرضاءً لزوجته، مؤكداً على أنها من ضمن أصدقائه في صفحته، وأنه تعرض ل»جلسات استجوابية» حول بعض من المعجبات على مشاركاته التي يضعها. حذف الردود واعتبر «سعد السرحاني» أن وجود الزوجة «الغيورة» يحد من التعامل المفتوح في العلاقات المبنية على هذا الموقع، موضحاً أنه يضطر أحياناً لحذف «الردود الأنثوية» من مواضيعه، تقديراً لمشاعر زوجته التي ما أن تراها حتى تستجوبه حولها، مضيفاً: «إيماناً لما بيننا من علاقة أقوى، حاولت كثيراً أن أُلطف أجواء صفحتي الشخصية من العلاقات الأخرى، بعدم قبول صداقات نسائية، حتى وإن كانت علاقة فكرية ليس لها أي امتداد آخر». زوجتي ثائرة ويقول «عبد المحسن السالم»: إنه وجد معاناة حقيقية من زوجته التي تثور عليه ليلاً ونهاراً، من خلال اندماجه بمحاوراته في قضايا يضعها على متصفحه ويشارك فيها الرأي الآخر، ذاكراً أنه وجد من زوجته معارضة في بداية الأمر، إلى أن وصلت صفحته الشخصية كصديقة مضافة، ليجدها تخالف أي رأي نسائي وتنتقصه؛ لتعتيم الرأي وعدم موافقته وإن كان صحيحاً، مبيناً أن الوضع في الوقت الحالي أصبح شبه آمن على علاقتهما الزوجية ببعض. إيمان بالواقع ويرى الأستاذ «محمد سيف» -أخصائي اجتماعي- أن مثل هذه المواقع مفتوحة النافذة على المجتمع الآخر، وتحتاج إلى إيمان بالواقع وثقة متبادلة بين الزوجين، خصوصاً في مجتمعنا ذي التركيبة الممزوجة بتعاليم شرعية وعادات معروفة، مضيفاً أن الأمر يحتاج أيضاً إلى تفهم مشاعر الآخر، فليست الزوجة وحدها صاحبة القضية، فهناك أزواج آخرون يضربون بيد من حديد ضد زوجاتهم وتعاملهم مع تقنية العصر هذه، وهذا ما يخلق أزمات عائلية قد تهز عرش الحياة الزوجية، ناصحاً بفتح باب الحوار بين الطرفين، ومعايشة الواقع بما يرضي الآخر بتوازن على كينونة الحياة الزوجية ومبادئها. حدود الغيرة واعتبر «عبد الله عسيري» -أخصائي نفسي- أن الغيرة الزوجية موجودة لدى الكثير، ولكن ينبغي ألا تصل إلى حد محيط التعامل مع الآخرين في مثل هذه المواقع الاجتماعية، موكداً على أنه يجب على الطرفين تجنب كل ما يشوب العلاقة الزوجية في حالة وجود ما يعكر صفوها، مبيناً مفهوم الغيرة وكيفية علاجها بقوله: هي نتاج من نقص الثقة من طرف تجاه الطرف الآخر، وفي البداية تكون نتيجة مواقف قديمة مر بها الطرف المريض بالغيرة أو بعض التصرفات الصادرة من الطرف الحالي أدخلت في قلبه الشك، والذي يتحول بالتدريج إلى شعور دائم تجاه كل التصرفات الناتجة من الطرف الآخر، سواء كانت تصرفات بريئة أو تصرفات تستدعي الشك، مشيراً إلى أن علاجها يكون بالحوار والوصول إلى أسباب الشك وإعطاء الطرف الآخر بعض الثقة والأمان، ليثبت أنه جدير بالثقة والاحترام بدلاً من الشك في تصرفاته.