مضت ستة أشهر وما زالت أم تركي، وهي شابة في ال 29 من عمرها، تنتظر ورقة طلاقها بعد أن سيطر الشك على حياتها مع زوج تصفه ب «المدمن». تقول: إنها «تغاضت كثيرا في بداية الأمر»، لكن صدمة قوية دعتها لاتخاذ قرارها الصعب. لم يعرف زوجها طريق المخدرات يوما، لكنه كان «مدمن إنترنت»، يمضي ساعات طويلة أمام شاشة الكومبيوتر متنقلا بين موقع اجتماعي وآخر: «كان حين أبدي انزعاجي من تصرفاته هذه يتذرع بإنجازه لأعماله عبر الإنترنت. لكنني كنت واثقة تماما من كذبه. لقد كان لا يغادر مواقع التواصل الاجتماعي». ولا يبدو أن زوج أم تركي، العاشق الوحيد لثورة «فيسبوك» و»تويتر»، فمنذ العام 2010 أصبحت مواقع التواصل الاجتماعية، بحسب دراسات موثوقة، الوسيط المفضل للاتصالات بالنسبة لمستخدمي الإنترنت، الذين يمضون 700 مليار دقيقة شهريا في واحد فقط من هذه المواقع الاجتماعية «فيسبوك». وفي السعودية احتل مستخدمو هذا الموقع المرتبة الثانية عربيا، بعد مصر، في عدد المستخدمين الذي جاوز 4 ملايين سعودي مسجل في قوائم الموقع. بالنسبة إلى «تويتر»، كشف الموقع الذي اعتذر عن الإفصاح عن عدد المستخدمين، عام 2010 أيضا، عن ارتفاع عدد المستخدمين السعوديين للموقع بنسبة 240%. فيما كانت نسبة زيادة التداول اليومي لما يسمى ب»tweets» أو التغريدات اليومية، وهي الرسائل التي يتشاركها المستخدمون في السعودية، 440%. ثورة «الشك» شيئًا فشيئًا، دب الشك إلى نفس أم تركي، التي راعها، حين تسللت للتفتيش في صفحته التي تركها مفتوحة، عدد «الصديقات الافتراضيات» اللاتي يبدو من أحاديث زوجها «البرايفت» إليهن، أن صداقته معهن: «حميمة أكثر مما ينبغي». وفي خانة الرسائل، انهدم جدار صبرها الأخير: «كانت هناك صور ومقاطع وأشياء لا أريد تذكرها الآن. لقد انهز كياني في تلك اللحظة واشتعلت النار في صدري. وحتى بعد أن اقسم لي أنها كانت مجرد نزوة إلا أنني كنت قد اتخذت قراري». لكن، ثمة جانبا آخر للقصة الكبيرة. فعلى غرار الرجال، انشغل كثير من النساء أيضا بهذه المواقع. زهاء الناصر واحدة منهن، وهي ربة منزل تبدو قصتها مناسبة، وإن كانت أقل تراجيدية من سابقتها. «البلاك بيري» هذه المرة هو مفتاح القصة: «كان زوجي هو البادئ.. منذ لحظة اقتنائه هذا الجهاز أهملني وأهمل بيته.. وقد حرضني سلوكه هذا على اكتشاف سحر هذا العالم الذي يسرق الإنسان من أحب ما لديه». اجتاحت زهاء رغبة جامحة في الدخول إلى «عالم التعارف» الكبير، لكن عبر مواقع التواصل الاجتماعي في الإنترنت: «أردت تكوين شبكة معارف من بنات جنسي. اخترتهن من بيئات مختلفة، واستطعت بناء علاقات متينة معهن.. كنا نتبادل الهموم ونطلع على تجارب بعضنا ونقتل الملل». ولأن لكل أمر ضريبته الباهظة، فقد أثرت شبكة علاقاتها الجديدة هذه على حياتها الزوجية: «أهملت زوجي وأطفالي. دفعني حرصي على أن أمضي أكبر وقت ممكن في المواقع إلى الاعتماد كليا على الوجبات السريعة. في النهاية اكتشفت أن أسرتي تجتمع تحت سقف واحد، غير أن كل واحد منا له عالمه الخاص». العالم الخاص ربما لن يطول الأمر، حتى يلقى زواج زهاء، المصير نفسه الذي لقيه زواج أم تركي، إذ كانت دراسة مسحية، أجرتها الدكتورة الجوهرة بنت فهد آل سعود، ألمحت إلى: «دور مواقع التواصل الاجتماعي في ارتفاع نسب الطلاق في السعودية». وخلصت الدراسة إلى أن: «استخدام الأزواج والزوجات لهذه المواقع قلل من فرص التفاعل والنمو الاجتماعي والانفعالي والصحي بين الزوجين مما تسبب في النزاع الأسري الذي أدى للطلاق». ووفقا للشيخ مطرف البشر، القاضي بمحكمة القطيف، أصبح لوسائل الاتصال الجديدة تأثير كبير في العلاقات الأسرية: «خصوصا في إحداث الفجوات بين الزوجين. بات لكل شخص عالمه الخاص ويعيش عالمه الافتراضي, الذي يقوم أغلبه على أقنعة زائفة». ويؤكد البشر تسجيل حالات طلاق بسبب هذه الوسائل: «عدا عن القضايا والخلافات الزوجية التي يحدثها انشغال كل طرف بالمواقع عن واجباته الزوجية. كما أنها سبب رئيس في الغيرة والشك والخيانة التي تؤدي غالبا إلى الخلاف والطلاق». ويدعو القاضي البشر إلى تقنين كل طرف لاستخدام مواقع التواصل وتحديد استخدامها بمدة قصيرة يوميا، مقترحا أن يشترك الزوجان في الصفحة نفسها حتى يزول الشك.. وأن يتناقشا دوما حول هذه الوسائل وطريقة التعامل معها ويبتعد كل طرف عما يثير الريبة. في جانب القضية الأمني، يدعو المقدم زياد الرقيطي، الناطق الإعلامي بشرطة المنطقة الشرقية إلى توخي الحيطة والحذر في التعامل مع المستخدمين الآخرين والتنبه لعدم قبول الاستضافة دون التعرف إلى هوية الشخص والتأكد من معلوماته والتحقق من مصدر الصفحات الشخصية. ويكشف الرقيطي عن أن هذه المواقع: «لا تخلو من تقمص شخصيات نسائية لاستدراج الفتيات أو الشبان والحصول على الأسرار ومن ثم الإيقاع والابتزاز، عبر صفحات توهم بالتوظيف أو تقديم الخدمات الاجتماعية والنفسية أو الترويج للمستحضرات».