أثارت زيارة الداعية السعودي، الشيخ محمد العريفي، جدلاً كبيراً في مصر بين أنصار التيار الليبرالي والإسلامي الحاكم في مصر، وخاطب العريفي المصريين البسطاء خلال خطبة الجمعة من مسجد عمرو بن العاص، أول مسجد للمسلمين في مصر وإفريقيا، مطالباً المصريين بطرح الخلافات جانباً، وبناء مصر للخروج من أزمتها الراهنة. ووجَّه شيخ الأزهر الدكتور، أحمد الطيب، الدعوة للدكتور العريفي لزيارة مصر ومشيخة الأزهر وإلقاء محاضرتين بالجامع الأزهر وخطبة الجمعة بجامع عمرو بن العاص؛ وذلك تقديراً لإشادته بمصر وعلمائها في خطبته الشهيرة الجمعة قبل الماضية. واعتبر مناصرون للتيار المدني زيارة العريفي لمصر محاولة لتبييض وجه تيار الإسلام السياسي في مصر، والذي تشوَّه كثيراً بسبب تصرفات وتصريحات لشيوخ محسوبين على التيار الإسلامي. وأدى انغماس القنوات الفضائية الدينية في مصر في الشأن السياسي إلى تشويه تيار «الإسلام السياسي» بشكل كبير، ويرى مراقبون أن الأحزاب ذات المرجعية الإسلامية، وفي مقدمتها حزب الحرية والعدالة، الذراع السياسية لجماعة الإخوان المسلمين، ستتأثر سلبياً في الانتخابات البرلمانية القادمة؛ بسبب الروح المتشددة التي يبديها شيوخ الفضائيات. استيراد الشيوخ وسبقت زيارةَ العريفي زيارةُ الشيخ السعودي، عائض القرني، مطلع الشهر الحالي، وهو ما يراه محللون عملية «استيراد للشيوخ» لتبديل الصورة النمطية الحالية للشيوخ في مصر. ومن فوق منبر مسجد عمرو بن العاص، حيث احتشد عشرات الآلاف من المصريين، طالب العريفى كافة الأحزاب والقوى السياسية بضرورة طرح الخلافات جانباً، والعمل على بناء مصر، للخروج من تلك الأزمة الراهنة، وحتى تعود مصر لقيادة العالم مرة أخرى، وقال العريفي «يجب أن تتوحد الصفوف، وأن تتجه للعمل مرة أخرى»، مشيراً إلى أن رسول الله، صلى الله عليه وسلم، حذّر أهل مصر خاصة من الخلاف، موجهاً رسالة لكل المصريين قائلاً، «أيها المصريون: وحِّدوا كلمتكم واطرحوا خلافكم ولا تستعجلوا النتائج، فالمصالح تأتى تباعاً والنعيم يأتي على مراحل، فلا يمكن أن تقضوا على العشوائيات وتصلحوا التعليم والصحة في ليلة وضحاها». وهذا ما رآه مراقبون وسيلة ناعمة لإبعاد المصريين عن حالة الاستقطاب السياسي الحاد التي تضرب البلاد وتضر كافة اللاعبين السياسيين، وفي مقدمتهم حزب الحرية والعدالة الذي ينبثق منه الرئيس المصري محمد مرسي. تجميل وجه ونقلت صحف محلية تصريحات للشيخ محمد سعيد رسلان، أحد رموز دعاة التيار السلفى، عن خطة لجماعة الإخوان المسلمين لتجميل وجهها المحروق من خلال استقدام وجوه سلفية من الخارج، تابعين للفكر «القطبى»، للتأكيد على دور مصر القيادى وفضلها على الأمتين العربية والإسلامية، ومن هؤلاء الشيخان عائض القرنى ومحمد العريفى، وهما تلميذا الشيخ محمد قطب، شقيق سيد قطب، حسبما نقل الموقع الإلكتروني لصحيفة «الوطن» المستقلة، الجمعة. وتفاعل المصريون بشكل كبير مع العريفي، حيث ارتحل خلفه آلاف المتابعين في زياراته للأزهر ومسجد عمرو بن العاص؛ خالقاً جواً من «حب مصر» باستخدام الكتاب والسنَّة، واضعاً هالة بلورية حول «هوية مصر الإسلامية»، يصوغها داعية قادم من بلاد مهد الرسالة الإسلامية، وهو الأمر الذي يصب في صالح التيار الإسلامي الذي حاول قدر الإمكان الابتعاد عن المشهد لكي تصل الرسالة للمصريين دون أي تشويش. وزير الإعلام يرحب وأعرب وزير الإعلام المصري، صلاح عبد المقصود، عن سعادته باستقبال العريفي الذي زار مبنى التلفزيون المصري، وذلك في مداخلة هاتفية مع برنامجٍ على التلفزيون الرسمي أكد فيها على ضرورة استثمار وجود العريفي في مصر؛ «كي يعرف الشعب حقيقته»، مشيراً إلى أنه «في بعض الأحيان لا يعرف الشعب حقيقته إلا عندما يلفت نظره إليها عالم وشيخ جليل مثل العريفي»، مضيفاً «ربما خطبته لفتت أنظار المصريين إلى كثيرٍ من صفاتهم». خدمة فكر معين د. حازم حسني ويعتقد الدكتور حازم حسني، الأستاذ بكلية الاقتصاد بجامعة القاهرة، أن خطب الدعاة السعوديين الذين يزورون مصر في الفترة الأخيرة تضع مصر داخل الإطار الإسلامي، وهو ما يريده القائمون على الحكم الآن في مصر. وقال حسني في تصريحات خاص ل «الشرق»: «هم في الحقيقة يصنعون إطاراً لفكرة أن مصر دولة إسلامية بالمعني الضيق للكلمة»، وتابع «هم يعيدون تشكيل مصر لخدمة إطار فكري معين.. إسلامي بالأساس». وأشار الدكتور حسني إلى أن «استيراد المشايخ» من الخارج يخدم تيار الإسلام السياسي، بعد أن عجز الأزهر عن توجيه حديث للمصريين. وقال حسني «في نهاية المطاف، الأمر يعطي الانطباع أن مصر مركزٌ للفكر الإسلامي وحده دون غيره من الأفكار»، مواصلاً «مصر كمركز للفكر الإسلامي.. وليست مصر الحضارية ذات التعددية الفكرية والعِرقيَّة والحضارية». ويعتقد حسني أن الأمر يعد «ترويضاً للمشاعر العامة للمصريين، بحيث تدخل في هدوء سياسي دون قلاقل سياسية، وهو ما يخدم إلى حدٍّ ما القائمين على الحكم». أزمة خانقة وحل موعود وشهدت مصر أزمة سياسية خانقة خلال الشهر الماضي، بعد أن أصدر الرئيس المصري محمد مرسي إعلاناً دستورياً وسَّع من سلطاته، وقوَّض من سلطة القضاء، كما مرَّر مشروع الدستور المصري الذي صاغته جمعية تأسيسية سيطر عليها التيار الإسلامي دون توافق وطني، وهو ما أشعل مواجهات سياسية واشتباكات على الأرض أسقطت قتلى وجرحى، وسببت احتقاناً واستقطاباً سياسياً حاداً. ويعتقد أن تكون زيارة المشايخ الحالية محاولةً لاستخدام القوى الناعمة لإزالة هذا الاحتقان عن طريق استخدام الدين، وهي نفس الأداة التي يستخدمها التيار الحاكم في الترويج لمشروعه. وتواجه مصر أزمة اقتصادية حالكة بعد أن تراجع احتياطي النقد الأجنبي من 36 مليار دولار أمريكي إلى 15 مليار دولار أمريكي فقط، مع هبوط قياسي في قيمة الجنيه المصري أمام الدولار، وهو ما وضع مصر في وضع مالي «حَرِج»، بحسب بيان للبنك المركزي المصري قبل أسبوعين. لكن العريفي بلغته الساحرة، وباستخدامه الذكي للكتاب والسنة، ربط حل الأزمة بقدوم الرزق، قائلاً «إن الأزمة التي تمر بها مصر ستزول، إن رزق الله قادم»، ولفت العريفي إلى وجود لجان من كبار المستثمرين في السعودية تبحث كيفية الاستثمار في مصر، موجهاً رسالته للمصريين «أبشروا بالخير»، مطالباً القوى السياسية بألا يفسدوا بلدهم. الأمر الذي لا يمكن اعتباره سوى مسكِّناً كلامياً يقلل من الغضب الشعبي على الحكومة ويربط الحل ب «السماء». وقال الدكتور حسني «الأمر مقلق؛ لأن مجرد أن مصر تفتقد لوجود خطباء قادرين على مخاطبة المواطنين أمر خطير.. ومهما كان الخطاب معسولاً لكن في النهاية الواقع شيء مختلف». فرحة بالثورات لكن الدكتور جمال قرني، عضو الهيئة العليا لحزب الحرية والعدالة، قال ل «الشرق»: أولاً الأمر يدل على تكاتف الدول الإسلامية وفرحتها بالثورات العربية. وأضاف قرني «وجود هؤلاء المشايخ هو إضافة لمصر؛ لأنهم يبرزون أهمية الثورة المصرية، وأهمية مصر للإسلام، وعباراتهم دائماً في صالح مصر. وأن مصر ذات اتجاه إسلامي، وأن مصر لو قويت سيكون العالم الإسلامي أقوى». وشدد قرني على أن «الأمر ليس له علاقة بتيار الإسلام السياسي.. القرني والعريفي صاحبا دعوة دينية وليس صاحبَي دعوة سياسة.. والدعوة وُجِّهت لهما من الأزهر وليس منَّا». لكن قرني قال أيضا: «الشيوخ الذين يتصدرون للفتوى والسياسة دون علم أو خبرة أضرُّوا التيارات الإسلامية وخاصة نظرة البسطاء.. زيارة هؤلاء المشايخ تعيد الجلالة لهذا الدور». وتابع قرني «لفظ الشيخ في مصر له إجلال وتكريم وتشريف». لن تنطلي على المصريين عصام شعبان بدوره، يعتقد عصام شعبان، المنسق الإعلامي للجمعية المصرية للتغيير، أن زيارة العريفي مرتبطة بإعادة تقديم وجه الإسلام السياسي في مصر بشكل مقبول. وقال شعبان: «خلال ستة أشهر من الحكم أظهر أداء الإسلام السياسي سلبيات كبيرة في عدم تحقيق آمال وأحلام الشعب المصري وأهداف الثورة والناس.. وهو ما أبعد المصريين عنهم». ويعتقد شعبان خلال حديثه ل «الشرق» أن «الزيارات تعد محاولة تخفِّف حدة الخطاب وتطمئن الناس.. أسلوب رائج لدعم ومساندة تجربة مرسي وتجربة الإسلام السياسي». لكن شعبان قال بحزم: «إن الفكرة لن تنطلي على المصريين؛ لأن الناس لم تعد تشرب وتأكل كلاماً».