لم يحظَ موضوع بجدل اجتماعي أكثر من قيادة المرأة للسيارة، وقد استمر الجدل حوله سنوات طويلة، حتى حسمته توجيهات القيادة التي قضت بتمكين المرأة من قيادة السيارة في 10/10/1439، بعد استكمال الاستعدادات والتجهيزات لهذا الحدث الفريد في المجتمع السعودي. ومنذ صدور الأمر السامي ظهرت تقارير وآراء كثيرة في صحف وشبكات عالمية كبرى تصف هذا التحول في المجتمع السعودي، ومنها مقال لبيتر بيرغن المحلل لشؤون الأمن القومي لدى CNN ونائب رئيس مركز "أميركا الجديدة" للأبحاث والبروفسور في جامعة أريزونا، الذي أكد أنّ قرار قيادة المرأة للسيارة هو موضع اختبار ثقافي في المملكة، وليس مجرد أمر رمزي، بل ما حدث هو جزء من تحول اجتماعي أكبر في المجتمع السعودي قد يكون الأكبر منذ نصف قرن. والآن وبعد مرور شهر على تطبيق هذا القرار التاريخي، أو الحلم الذي انتظرته المرأة السعودية طويلاً ماذا تغير؟ وكيف هي الانطباعات تجاه هذه التجربة الجديدة في الشارع السعودي؟ وهل فعلاً صدقت توقعات المناوئين للأمر بأن المرأة غير قادرة على التعامل مع هذا القرار لضعفها وعاطفتها وخوفاً عليها، وهل عمت الفوضى الشوارع نتيجة لهذا القرار -كما كان يقول البعض-؟ "الرياض" تقرأ المتغيرات التي صاحبت تطبيق القرار في المجتمع، من خلال لقاءات مع عدد ممن عاشوا هذه التجربة أو ترقبوها للتعرف على رؤيتهم، وكيف استقبلوا هذا الحدث التاريخي بعد مرور شهر عليه. إيجابيات قادمة يقول تقرير اقتصادي حول إيجابيات قيادة المرأة للسيارة نشرته شبكة CNN بأنّ العائلة السعودية ستوفر أكثر من 20 ألف ريال (نحو 5.3 آلاف دولار) سنوياً متمثلة برواتب كانت تقدم للسائقين، كما أشار تقرير أصدرته قناة الإخبارية إلى عدد من الميزات الاقتصادية التي سيحققها تمكين المرأة من قيادة السيارة وأولها انخفاض التحويلات المالية إلى الخارج، حيث يوجد في المملكة ما يقارب 1.500.000 سائق أجنبي معظم أموالهم تتحول إلى الخارج، إلى جانب فائدة ضبط ميزانية الأسرة، حيث ستنتقل مصروفات السائق إلى مجالات أخرى، كما أنّ قيادة المرأة للسيارة ستسهم في التخفيف من أعباء البطالة على المرأة، حيث كان الوصول من أهم العوائق التي تواجهها المرأة في الالتحاق بالعمل أو الاستمرار فيه -حسب دراسات الغرف التجارية-، وكانت المرأة العاملة سابقاً تخصص ما يقارب ثلث إلى نصف دخلها لتوفير وسيلة نقل وهذا ستوفره كاملاً مع قرار القيادة. فرص استثمارية ولن تقتصر الإيجابيات على هذه الجوانب بل إنّ هذا القرار سيحدث نقلة أخرى في زيادة الفرص والاستثمارات التي ستكون متاحة للمرأة المملكة للعمل فيها، حيث توقع خبراء أن يساهم القرار في توفير نحو 50 ألف وظيفة للسعوديات خلال العام الأول من تنفيذه، ففي القطاع المروري تم تخريج عدد من محققات الحوداث المرورية كأول دفعة من السعوديات، وستتوالى الدفعات الأخرى لمختلف مناطق المملكة لاحقاً، كما بدأت المرأة المشاركة مع رجال المرور في تسجيل المخالفات المرورية، وسيعقبها تشكيل الشرطة النسائية ليكون التواصل مع النساء مباشراً أثناء تعرضهن لأي مشكلة مرورية -لا سمح الله- أو عند احتياجهن لأي أوراق رسمية من المرور. فرص عمل كما أن فرص العمل في معارض السيارات ومستلزماتها ومكاتب تأجير السيارات بدأت فعلياً، حيث باشرت عدد من النساء العمل في معارض السيارات ومكاتب تأجير السيارات، بعد أن أتاحت وزارة العمل والتنمية الاجتماعية لهن فرص التدريب والتأهيل في هذا المجال، وليس هذا فقط، بل إن عدداً من شركات الأجرة العالمية أبدتْ استعدادها لتمكين المرأة من العمل بسيارتها لتخدم المرأة على وجه الخصوص والعائلة بعمومها. تطبيقات إلكترونية كما أسهم القرار في التحفيز على ابتكار تطبيقات إلكترونية تساعد في سهولة القيادة وتوفير الأمان للمرأة في حال القيادة وعند تعرض السيارة للعطل، حيث تساعد كل شخص يتورط في الطريق، لحل مشكلة أي عطل في السيارة، سواء كان نفاد البنزين، أو خللاً في إطار السيارة وغيرها، كما تخصصت تطبيقات بتوفير سيارات "سطحة"، حيث تتكفل بمهمة حمل السيارة إلى ورشة أو محطة بنزين أو أي مكان يختاره العميل، فيما طرحت إحدى كبرى شركات السيارات برنامجاً للمساعدة على الطريق على مدار الساعة وطوال أيام الأسبوع لجميع السائقات في المملكة؛ وذلك لتقليل مخاوف السلامة على الطرق وتعطل السيارات. استعدادات وثقة وكشفت هديل الجبير أنّها سعت لتكون من أوائل من يحصلن على رخصة القيادة، مضيفةً: "هذا الحلم الذي كان يراود الكثير من الفتيات السعوديات تحقق أخيراً، وانتقل إلى واقع معاش، والاستعدادات الأمنية والتجهيزات سهلت كثيراً على المرأة الحصول على رخصة القيادة، كما أن انتشار مدارس تعليم القيادة للمرأة في الجامعات على وجه الخصوص ساعد على تشجيع الكثيرات للقيام بهذه الخطوة الجديدة على مجتمعنا"، مبيّنةً أنّه لا مبرر لأي تخوف للإقدام على هذه الخطوة، فالأنظمة والقوانين كفيلة بغرس الثقة لممارسة المرأة حقوقها. سراب التحذيرات فيما أوضحت نها كتبي أنه تغيرت لديها أولويات كثيرة بعد تجربة شهر كامل من قيادة سيارتها الخاصة، مضيفةً: "قيادة المرأة للسيارة هو قرار اختياري وليس إلزامياً، وهذا يعطينا حقنا الكامل كنساء في تقرير ماذا نريد كنساء سعوديات، بالنسبة لي فتح هذا القرار لدي الكثير من الخيارات وسهل علي الكثير من المواقف كسيدة عاملة ولديها ثلاثة أطفال، ورغم أنّ الأصوات التي كانت تخوف كثيراً من قيادة المرأة للسيارة، وأنها ستتعرض للإيذاء، وستكون القيادة وسيلة لزيادة الفساد الأخلاقي، إلاّ أنّه وبعد شهر من تنفيذ القرار أصبحت جميع التحذيرات سراباً، فلم ينقلب المجتمع رأسا على عقب –كما يدعون-، ولم نرَ تغييراً في بنيته، ولا في تماسكه، بل كان الأمر عادياً جداً، واكبته استعدادات الأجهزة الأمنية". احترام وتقدير ولفتت ريم محمد إلى أنّ "كثيرين لم يدركوا بأنّ القرار اختياري وليس إجبارياً، فصدور قرار السماح بقيادة المرأة للسيارة لا يعني إجبار المرأة على القيادة، وهذا المفهوم كان غائباً عن كثيرين ممن كانوا يقفون ضد هذا القرار، حيث توقعوا أن النساء سينطلقن في الشوارع وستعم الفوضى بين الشباب والشابات، وسيكون هناك فساد عام يصعب التحكم فيه، والآن وبعد مرور شهر على هذا القرار لاحظت أنّ النساء يقدن سيارتهن في المملكة شأنهن شأن أي امرأة في الدول الأخرى، بل العكس لاحظت احتراماً وتقديراً كبيراً ممن الرجال للمرأة التي تقود سيارتها، وهذا ما كان متوقعاً". يكفي شعورنا بحرية التنقل وقالت هند الوابلي: "الفرحة ليست بالحصول على رخصة القيادة فقط، فمن الممكن الحصول عليها من إحدى الدول المجاورة، ولكن الأجمل في هذا القرار وبعد مرور شهر على التطبيق الفعلي هو الشعور بحرية التنقل، إنه فخر جديد للمرأة المملكة يتوافق مع حقها في الاختيار والدراسة والعمل وكذلك حرية التنقل.. لا يمكن أن أصف شعوري وأنا أتحدث مع الآخرين، الآن استطيع أن أقول وبكل ثقة إن هذه بداية التغييرات في صالح المرأة السعودية، وسنرى لاحقاً الكثير من القرارات على يد القيادة التي ستنصف المرأة السعودية".