نحن نتغير.. لكن إلى أين؟ الخميس 16 مارس 2017 * عبدالعزيز السماري بين الكلمات أرشيف الكاتب التغيير الثقافي في المجتمعات الإنسانية طبيعة إنسانية بسبب تعاقب الأجيال، لكنها قد تكون متسارعة في جانب، وبطيئة جداً في جوانب أخرى بسبب عوامل الحياة المتعددة، لكن التغيير الثقافي قد يواجه معضلات إذا كان موجهاً عبر سلطات متضادة، وقد كان الحراك القومي ثم الصحوي الديني أهم سلطتين قامتا بمحاولات فاشلة للتحكم في مسار التغيير الثقافي. كانا حراكين ضد الفطرة الإنسانية، فقد كان الغرض منهما إحكام السيطرة على عقول العوام، ولم يكن ضمن أطروحاتها أطروحات اقتصادية أو حقوقية أو احترام للحريات الشخصية، لكنهما كانتا أشبه بمصنع لتكرير العقول، وهو ما حول الشعب إلى أشبه بالأدوات على المسرح. كانت العراق أكثر بلد عربي تعرض للمتغيرات الثقافية المتضادة، والتي كانت تُدار من قبل السلطة، فقد كان علمانياً صرفا ثم تحول إلى البعد القومي الأيدولوجي، ثم أطلق العنان للصراع الطائفي والحرب الأهلية، وكان الوطن في نهاية الأمر هو الضحية للتدخل السيء للسلطة في حياة الشعوب. قد تنجح السلطة في مشاريعها الثقافية إذا كان الطرح متوازنا وشموليا لمختلف أنشطة الحياة، فالتغيير الاجتماعي والثقافي لا يمكن أن يتحول إلى فكر مسالم تحت مطرقة الجوع و سندان الخوف، ولكن يصل بأمان إلى أهدافه إذا رافق المشاريع الكبرى تطور نوعي في الإنتاج وثقافة العمل وارتفاع في دخل الفرد، ولا يمكن أن يستمتع مواطن بالتغيير الثقافي والاجتماعي، وهو خائف من المستقبل، إو إذا كان مثقلاً بالديون والضرائب.. الحداثة الغربية كان أهم مشروع ثقافي في التاريخ الحديث، وكانت المتغيرات الفكرية الأكثر تأثيرا، وكانت تشمل الأبعاد الفكرية السياسة والاقتصاد والدين وعلم الاجتماع، والحداثة كما عرفها كانط : هي خروج الإنسان من حالة الوصاية التي تسبب فيها بنفسه، والتي تتمثل في عجزه عن استخدام فكره دون توجيه من غيره..»، و لإشاعة تلك الأنوار لا يشترط شيء آخر سوى الحرية في إبراز مظاهرها كاستخدام العقل علانية من كل زواياه.. نجح مشروع الحداثة في الغرب الأوروبي لأنه تزامن مع متغيرات سياسية واقتصادية وثقافية، وأخذ التطور حقبات زمنية متوالية، وشملت ثورات صناعية واقتصادية وتكنولوجية واجتماعية وحقوقية، ولم تنجح القومية العربية لإنها كانت مكبلة بمصالح العسكر والأقليات الحاكمة ولم ينجح مشروع الصحوة الإسلامية لأنه مهمتها كانت تحويل المجتمع إلى مجاهدين ودعاة ومشائخ. هذه كانت مقدمة مطولة على وجه التحديد للحديث حول مستقبل التغيير الثقافي أو المشروع الوطني للتطوير، فقد يواجه المشروع الوطني عقبات إذا لم يكن شمولياً ومتعدداً في نفس الوقت، ويدعم التطور في مختلف الاتجاهات، فالإنسان لا يمكن أن يكون في حالة فرح في ظل وجود ضغوط اقتصادية واجتماعية، و قد يُصاب بنكسة إذا لم ير نوراً في آخر النفق. تنجح مشاريع التغيير الإيجابي إذا كان يرافقها ارتفاع في معدلات الإنتاج وزيادة في دخل الفرد في عمله، ويصل إلى أهدافه إذا تحول المجتمع إلى بيئة علم وعمل نتجاوز من خلالها اقتصاديات المورد الواحد، وعندها سيكون من السهل دفع عجلة التقدم والتطور الاجتماعي والثقافي نحو أهدافها. تفشل مشاريع التغيير الثقافي إذا كانت محصلتها النهائية ثقافة الفقر، والتي لاتولد إلا السلبية والعزلة في المجتمع، وثقافة الفقر تنتج عندما يفشل الإنسان في تلبية حاجاته وحاجات عائلته الأساسية، وثقافة الفقر عادة نتيجة لانحسار الثروة المالية في طبقة محددة، بينما تعاني الغالبية من الفقر والحاجة والعوز.. من علامات التغيير الثقافي في اتجاه الفقر كثرة السرقات وازدياد عدد الجرائم في الشوارع، ويعني ذلك تغيير ثقافي لكنه في إتجاه اجتماعي مضاد لثقافة الرخاء، والتغيير الثقافي واقع ويحدث سواء كان بتدخل السلطة أو بدونها، لكنها بالتأكيد تستطيع التحكم في توجهه، إما إلى مشروع ثقافة الفقر السلبية،أو إلى مجتمع الرخاء والرفاه وثقافته الإيجابية،..