ينظّر عالم الاجتماع زيجمونت باومان لمرحلة ما بعد الحداثة تحت مصطلح (الحداثة السائلة) في سلسلته التي تضم (الحداثة السائلة)، (الحب السائل)، (الأخلاق في عصر الحداثة السائلة)، ومن خلال اصطلاح السيلان فإنه يستحضر المصطلح الغائب وهو الجمود الذي يصف به الحداثة في مرحلتها السالفة وبالخصوص في مرحلة العولمة وسيطرة رأس المال، فكل ما يتعلق بالإنسان هو في حالة سيلان – بحسب باومان - إنْ اقتصاديا أو فكريا أو سياسيًا؛ وينظّر لهذا في كتابه (الحداثة السائلة) بتنظير يوافق ما يعيشه العالم المتشظي في مرحلتنا الآنية. ومن خلال اعتمادي على أطروحة باومان في (الحداثة السائلة) فإني أصطلح (الهوية السائلة)؛ باعتبار الهوية تعيش مرحلة سيلان هي الأخرى في عالم السيولة التي يعيشها المجتمع العالمي؛ وهذا السيلان يعتمد على (تغيير) الثقافة (لا تطورها)؛ إذ أني أرى أن الثقافة تتغير لا تتطور، بمعنى أن الثقافة الآنية ليست كلها أفضل من ثقافات البشر السالفة؛ لكن الثقافة الآنية هي بالضرورة متغيرة عن النصوص المؤسسة لها في مراحل تأسيسها، فالديانات ليست هي الديانة ذاتها في بداية تأسيسها لما لفهم الإنسان من تغيرات تخضع للزمان والمكان الذي يعيشهما؛ وكذلك الفلسفات ليست هي المعاصرة التي يؤمن بها الإنسان؛ ولنا أن نتخيل ما الذي سيغيره أفلاطون من نظراته الفلسفية لو كان يعيش في هذا العصر ؟! . وبما أن الهوية الثقافية هي في تغير دائم وهذه هي السمة الأساس لها التي نجدها في كل الثقافات فإن تغيرها في مرحلتنا السائلة هو أكثر تأكيدًا على العديد من المحددات التي تحدد الهوية كاللغة وما هو مادي وغير مادي، ولعل مرحلة الارتباط الثقافي الذي تعيشه البشرية بفضل التواصل التقني والافتراضي يعمق لدينا مدى هذه السيولة التي تنساب على ثقافات البشرية ككل، ولهذا فإن الاهتمام بالتعددية الثقافية كحفاظ على ثقافات البشر من الذوبان والسيولة لهو أمر ينبئ عن خير؛ لماذا ؟! لأن الثقافة – في نظري - متغيرة وليست متطورة؛ وهذا التغيير يعطي للإنسان بحبوحة من التلاقح والعيش في ظل تنوعات ثقافية تفتح له آفاقاً نحو المعدوم. - صالح بن سالم