ليست سخرية، ولا تهكماً يستهدف الإثارة، كل ما جناه العنوان -إن كان ثمّة جناية- وحيٌ أملاه (ملتقى المثقفين) الذي رعته وزارة الإعلام والثقافة. وإن كنت أحسب أن الطبيعي وجود هوّة لا تردمها لفتة العطف، فوزارة الإعلام وجدت نفسها مثقلة بأعباء (الثقافة) فتعاملت مع العبء بدهاء الإعلامي المتمرس. فتمسكت بحق إلباس بُردة الثقافة لمن تشاء، وإنصافاً لجهدها لم يكن اختيارها خبط عشوائيةٍ ولا عمشاء، فلديها آلية التصنيف، فالمثقف السابح في محيطات البحث القابع في أسر أوراقه والمُلتاث ببقع الحبر يحق للوزارة ألا تمد له فضلاً ما دام لم ينتبه لحرف العطف السيد «واو»، فكيف يتجاهل هذا الحرف العبقري بتأثيراته الثقافية والاجتماعية والنفسية!، ولأن «العُرف» يصوّر المثقف على أنه مزاجي قوي الشكيمة، لا يستسلم ولا تتزحزح مبادئه قيد حرف جر مختبئ بين وزارتين.. إضافة لكونه كائناً مزعجاً وفوضوياً لا يمكن سجنه بين خطيّ البيروقراطية، فهو كائن يمارس النزق والتحليق مخترقاً السقف، هازئاً بكل ما تحمله السقوف من إكسسوارات وتحف، فتم استدراجه ببريق الشهرة ليتمدد على صدر صفحة فاتنة، وتلك أولى خطوات تدجين المثقف ليتزحزح نحو ما قبل الواو.. من الثقافة للإعلام.. وللتأكد من أنه قابل للتحول/ التدجين، فإن أول سياج يوضع حوله أن يقيّد بمساحة ثابتة يكتب فيها ما شاء له أن يكتب، فلا أحد يتجرأ أن يملي عليه حدوداً غير تلك التي لا تعد من خوارم الحرية، كعدد أحرف المقالة مثلاً!، حتى يشعر أن سم الخياط تلج منه الآراء وهي مستلقية تتلو ما تعسّر من الرؤى، يتدرّج من حيث لا يشعر وهم يشعرون، فيكتشف متأخراً أنه يتتبع ذائقة القارئ ويسير وراء بهجة عاطفتها كأول حسابات «الكسب»، وهو الذي كان كما يعتقد ويعتقدون يسيّر الرأي العام!، فيبدأ بالانتفاش، حيث يسبغ عليه الإعلام شآبيب الألقاب والأوصاف والمنح، فيفرش أمام اسمه (الشيراز) الأصلي لتعبر الألقاب بكل هيبتها وصهيلها وصليلها، فيصحو الفارس الكامن بداخله منذ بطولات آفلة، ليقفز شيطان يدّعي الصلاح فيقنعه بوسوسة أخلاقية تؤنسن الأشياء والأشلاء، ليصبح صدى صوت الشارع، فإيصال الرسالة أسهل بكثير من حمل كتابتها المؤلمة، وتحت وطأة التنازع الداخلي بين بحثه في الأعماق عن ضوء في آخر نفق الحقيقة، وبين بحثه عن رضا شارعٍ يستقبله فاتحاً مجيداً.. فيتحول لساعي (إيميل) تتجاوز عدد قراءات مقاله الحدود، فيصبح الكاتب الصحفي الأول، وهو المثقف الذي كان عدد قرائه فيما ينشر بالدوريات المتخصصة لا يتجاوز عشرة من زملائه المتخصصين الذين ربما نقضوا جهده الذي كاد أن يقضي فيه نحبه! حضر الملتقى، وهو أطلال مثقف، فلم يتذكر سوى أحلامه القديمة، فعدّل كلمة (مطالب) لتكون (توصيات). هذا كل ما تبقى لديه من الهم الثقافي!، وكل حدث من جزئه المثقف/ الآيل للذبول، فيما كان نصفه المدجن/ الإعلامي أكثر إثارة.. فخفوت رؤى المفكر انتشلتها حاسته الصحفية، فسقط المثقف/ المتن، ونجح الصحفي بافتعال هامش إثارة، فكان (المانشيت) الرئيسي من داخل الملتقى، ومن خارج الثقافة، ولم تُضمّن أي (توصية أخلاقية)!