تلقيت رسالة من الطبيب «طارق أحمد ملائكة» الذي يعمل طبيب أطفال في محافظة جدة، كتبها بخط يده وقال: «أنا مسؤول عن كل كلمة، ولدي صور ومستندات، ووثائق، يمكن أن تتأكد منها من صدق ما أقول، ومستعد للمساءلة في حالة ثبوت العكس، لكي تطمئن». في البداية عرّف نفسه قائلا: «أنا طبيب سعودي، عملت في الدولة منذ (27) عاما، وأعمل الآن في مستشفى الثغر العام في محافظة جدة منذ (15) عاما، كلفت بالعمل فيها، وكنت الطبيب السعودي الوحيد، في قسم الأطفال في السنوات الأولى، إلى أن تم دعم القسم بطبيبات لاحقا، حتى وصل عددهن إلى ثماني طبيبات، وأنا الطبيب الرجل الوحيد بينهم، وللأسف لم تشفع لي أعوامي السبعة والعشرون». وأبدى ملحوظة على إدارة المستشفى قائلا: «إن جو العمل فيها مشحون بالضغوط النفسية، والتهديد، وسياسة التلويح بالعصا، فلا تستغرب، في ظل هذا المناخ غير الصحي، أن ينتج الطبيب السعودي، ويخلص في عمله، ما دام يعاني». سرد بعد ذلك نقله من ملاك وظيفته في مستشفى الثغر، وتكليفه بالعمل في مستشفى الولادة والأطفال بالمساعدية، وقال: «على الرغم من تضرري من هذا القرار، وتظلمي، إلا أنه أصِر على تنفيذ القرار، وهددت بنقل وظيفتي إلى الولادة، مع أنه لا عمل لي هناك، لأن الولادة مكدسة، وبها عدد من الأطباء يفوق سعتها مرتين، والدولة هي من تدفع راتبي، ولكن جو العمل أصبح كئيبا، وغير صحي، وغير مشجع على الإنتاج، فمنذ خمسة شهور، أوقع حضورا وانصرافا، بدون إنتاجية، ففكرت في الاستقالة عدة مرات، فأنا والحمد لله من عائلة ميسورة ماديا، ومعروفة، ولكن ما ذنب الدولة». أشار كذلك إلى أن بعض المستشفيات الخاصة في دول مجلس التعاون «تحاول جذب الأطباء السعوديين للعمل لديها، فالإغراءات كثيرة، ويسيل لها لعاب أي شخص، ولكن كما قلت لك: إنني ميسور الحال ماديا، ومرتبط بعائلتي في هذا البلد الكريم، ولا أتنازل عن بلد يحكمه والدي أبو متعب، فهو ملك الإنسانية، ومنه نستمد قوتنا وعزتنا.. هو الوالد، والمعلم، والقائد». نشرت الرسالة على ذمة مرسلها، فإذا كان ما قاله صحيحا، فسيجد من ينصفه، كما نصف آخرون غيره، طرقوا أبواب المسؤولين، ففتحت أمامهم على مصاريعها، وأعيدت لهم حقوقهم، وحفظت لهم كرامتهم. أحتفظ عندي بالرسالة، ورقم هاتف جوال مرسلها، وملف يحوي معلومات قال الطبيب (طارق ملائكة) عنها: «إنها موثقة». *إعلامي وعضو مجلس شورى سابق.