نظرة فاحصة متمعنة لحال دوائرنا الحكومية - و مالقطاع الخاص عنها ببعيد - تكشف لنا عن مدى عمق المشكلة و تجذرها و انتشارها حتى أستحقت وصفها بالورم الإداري، ففي ظل سباق محموم مع الزمن نحو العالم الأول سواء في الإقتصاد أو العلم أو التقنية أو حتى في الحياة الإجتماعية تم اغفال (عن عمد أو سهو) رأس الأمر و هو المفتاح الحقيقي للتقدم و الرقي أو العقبة الرئيسة في وجه ذلك، إنها الإدارة مشكلتنا أننا تعدينا نصف الحل ثم انقلبنا ضده ، فالاعتراف بالمشكلة نصف الحل و هو ما نسمعه دوماً أن هناك "تقصير"، "أخطاء"، "اهمال" ... "فساد" لكن ما إن تنتهي جمل الاعتراف حتى يتم تذييلها بعبارات مثل "تبقى أخطاء فردية"، "من منّا لا يخطيء"، "الوضع مطمئن و تحت السيطرة" و المصيبة حين تسمع "حالات نادرة" أو "شكاوى كيدية" أو ما شابهها من العبارات التي لا هدف لها إلا تمييع القضايا و تضييع الحقوق و التستر على الجناة و تضليل ولاة الأمر، لكن الأمر لم يقف عند هذا الحد بل عندما تجابه الصحافة بعض ممن "عشّش و فرّخ" في مركزه المرموق ) بما يتجاوز اليوبيل الفضي بسنين عدداً( يتندّر بالوعد بفتح تحقيق نزيه!!!! يعطي كل ذي حق حقه ... من منا لم يسمع ليل نهار بغياب الشفافية، و ولاة الأمر يأمرون بفتح الأبواب و الشفافية مع الصحافة و الجمهور دوماً، نسمع الخبر ثم ما نلبث حتى نراه صور حية في قنوات الانترنت ثم يجب أن نكذب آذاننا و عيوننا لأن متحدث رسمي للوزارة الفلانية أو الهيئة الفلانية نفى صحة ما ذكر، مشاكل المجتمع بالعشرات تتكرر يومياً على صفحات الصحف و قنوات التلفاز و الراديو و حدث و لا حرج عن الانترنت، بينما ما زلنا و لا نزال نرى نفس الأشخاص و طاقمهم الإداري يرفلون في ثنايا مستعمراتهم داخل الأبنية الحكومية.
و للتاريخ وقفة هنا، حيث يجب أن نعلم بأنه و رغم الملاحظات الجمّة على حكم بني أمية إلا أن من أجمل ما جرت به العادة في أمر من يليهم في مناصب الدولة المختلفة أن لا يجعلوه يأنس بمقامه بمكان ما مدة طويلة و ذلك ممدوح من جهتين فالأولى إن كان من ولي المنصب صالح و أمين فلا ينبغي أن يحرم الآخرين في بقاع أخرى من نفعه و علمه و خبرته، و الثانية إن كان من الفاسدين المسرفين أو أرهق العباد و البلاد فالأحرى إن لم يثبت سوءه أن ينتقل لأماكن أخرى ففي ذلك رحمة بمن أُبعد عنهم و بعثرة لأوراقه و حساباته و تشتيت شمل زبانيته. لقد عاش الكثير منا و ترعرع على أعلام لا تقبل التغيير و لا التطوير و طال بهم الأمد حتى أصبح لا يُذكر المنصب بل باسم الشخص مباشرة و في غيابه تتعطل جميع أشكال الحياة. هل نحتاج لقرار ملكي بتنحية من خيّم على كرسيّه لفترة تتجاوز العقد من الزمان أم سيرحل من تلقاء نفسه أم نبتهل إلى الله بأن يرحل إلى أي مصير يصير. إن من الحكمة الإدارية أن يتم تبنى نظريات إدارة التغيير بالموازاة مع عجلة التقدم التنموية و ذلك في كافة قطاعات الدولة و تحديد أعمار لشغل المناصب و مدد لا يتم تجاوزها و في ذلك خير عظيم و دحر للفساد و تجديد للطاقات و فتح الآفاق لجيل طموح أرهقته تحديات العصر فلا ينقصه عقبة هؤلاء الديناصورات. *مهندس حيوطبي