ليست معرفتي بالدكتور سعد البازعي حديثة العهد، أو أنها تعود إلى تاريخ العمل المشترك في ترجمة كتاب «الأخلاق في عصر الحداثة السائلة» لزيجمونت باومان، بل سُبق ذلك بنوع آخر من الشراكة -إن صح التعبير- حين كنت أشارك «عبر الأثير»، ومن خلال الصديقة أ. سارة (...)
خصص صالون الأدب الروسي- مجموعة قرائية أسسها الشابان النشيطان «غيث حسن ومحمد المرزوقي» على الجودريدز- شهر أبريل لقراءة رواية «كتاب الرسائل» لميخائيل شيشكين (ترجمها عن الروسية د. فؤاد المرعي، صدرت عن الدار العربية للعلوم ناشرون عام 2013)، وعلى الرغم (...)
ما يزال هناك من يظنك فارغًا، مثل بالون مثقوب... كنت في السابق منتفخًا بما يكفي، مجوفًا من الداخل مثل طبل.
هل كنت منخورًا بسوسة الشجر؟ هل كانت الديدان تتغذى عليك مثل فراش جديد، فارغ من الذكريات الساخنة والباردة والمبللة والجافة، الديدان لا تأكل الفرش (...)
غادرنا لندن يوم الجمعة الرابع عشر من سبتمبر 1798، ووصلنا يارماوث ظهيرة السبت. ثم أبحرنا في الساعة الحادية عشرة من صباح الأحد. كنت أسأل القبطان قبل رفع المرساة، الأمر الذي لم أتوقف عنه إلى أن توقفت السفينة عند مصب نهر إلبي. فوجئت حين صعدت إلى ظهر (...)
رحلة ليلية من أقصى الشرق إلى الشمال، سبع ساعات، وأنوار البولمان مطفأة، رائحة قهوة السائق ومعاونه تملأ المكان، بلا رغوة دسمة، يصبها من الإبريق الحافظ للحرارة في أكواب بلاستيكية رديئة، تذوب مع الحرارة. لا صوت إلا لأنفاس المسافرين وما تحدثه أحلامهم من (...)
لم تكن ذاكرتي هي من جمل الأشياء؛ لقد كانت جميلة فعلاً! كنتُ أعرف منذ اللحظة الأولى ما هو الخطأ الذي سيفرخ ندمًا، يمتد أطول من حبل الغسيل، وأعلى من برج القاهرة. حسن، هذا أعلى مبنى صعدته - أنا وظلي - في حياتي، رغم رهابي - وحدي - من المرتفعات.
أرى ظلي (...)
هل تذكرون الثعلب؟ إنه ليس مجرد ثعلب، إنه ثعلب حصيف؛ ذلك الذي يكشف الحقيقة للأمير الصغير، الذي يكشفها بدوره للطيار، الذي يكشفها لنا نحن القراء. يقول الثعلب للأمير الصغير أثناء وداعه له: «إليك سري، إنه سرٌ بسيط: يمكن للمرء أن يرى جيدًا بقلبه فحسب، (...)
ماذا لو أن دوروثي لم تقرع كعب حذائها الأحمر ثلاث مرات كما أوصتها الساحرة الطيبة، واختارت أن تعود للبيت بطريقة أخرى؟ ربما كانت ستعثر على طريق مختصرة تصل بها إلى المنزل، ولم تكن بحاجة لتسير على الدرب الأصفر الطويل، عندها قد تصل في وقت أقل، لكن لم يكن (...)
لا يمكن للفن أن يغير حياتنا - فهو ليس حمية غذائية أو معلمًا روحيًا- ولا أن يقدم لنا حلولًا سريعة. ما يمكن للفن فعله هو تحفيز الرغبة الحقيقية لدينا. أعني أنه يمكنه تنبيهنا إلى حقيقة أنفسنا وحيواتنا، الحقائق التي تكمن مختنقة تحت ضغط منطقة الطوارئ في (...)
سألت سيدة أمريكية تسافر إلى باريس عام 1913- ذاك النمط من السيدات الأمريكيات اللاتي ما زلن يسافرن إلى باريس عام 2013- عزرا باوند حول رأيه بغاية الفن، فأجاب باوند: «اسأليني ما الغاية من باقات الورد». كانت أوروبا تستعد للحرب، فهل كانت باقات الورد مهمة؟ (...)
اسمع وقع خطواته التسع والثلاثين، مثل خطوات نمل حظي بغنيمة ضخمة في سلة النزهات.
لا أدري من فينا يفتح النافذة للآخر؟
أنا؛ حين أخرج ابتسامات العام الماضي المكدّسة في الرف الأعلى من الخزانة، وأجربها واحدة بعد أخرى، أتحسّس نعومتها المفاجئة مثل جوارب جودي (...)
صارمة وجسورة، تقف على آخر السطر، تقاطع يديها مثل الشرطي الإنجليزي بزيه الأزرق الداكن في نشيد الصف الثاني المتوسط، ثم ترفع يدًا معلنة انتهاء وقت الكلام، رصينة مثل قاض في محكمة. انتهى وقت الكلام، فلا جدوى من المتابعة.. انتعل حذاءك، واقفز إلى السطر (...)
إن أكثر الكتب التي أتذكرها هي تلك التي سرقتها في مكسيكو سيتي، وكان عمري بين السادسة عشرة والتاسعة عشرة، والكتب التي اشتريتها في تشيلي حين كنت في العشرين أثناء الأشهر الأولى للانقلاب. كانت هناك مكتبة مذهلة في مكسيكو سيتي، وكانت تدعى المكتبة الزجاجية، (...)
ركز القاتل المتسلسل في فيلم Se7en (إخراج ديفيد فينشر وبطولة مورغان فريمان وبراد بت عام 1995) في اختيار ضحاياه على الخطايا السبع بحسب العقيدة الكاثوليكية المسيحية (الشراهة، الشهوة، الجشع، الكسل، الغضب، الحسد، الفخر)، وكانت وسيلته في القتل هي الخطيئة (...)
تغفو لدقائق فتتكدس الشخصيات في غرفتك وفي فراشك الذي لم تنهض منه أيضًا. هكذا مثلما تنهض روح توم في تلك الحلقة التي يختبر فيها الجحيم والجنة للمرة الأولى، ويظل جسده الأزرق مستلقيًا على البلاط الملون البارد. بداية تظنه فارغًا، وأنه لا يزال يحتفظ بشكل (...)
أدين بمعرفتي الأولى بمسألة الأبدية لعلبة صفيح كبيرة من البسكويت كانت مصدرًا للغموض المدوّخ في طفولتي. لقد كانت على هذه العلبة الاستثنائية رسمة يابانية؛ ولا أتذكر الأطفال أو المحاربين فيها، لكني أتذكر أنه في زاوية من الصورة ظهرت علبة الصفيح ذاتها (...)
ضمنت العرابة قدرًا سعيدًا لسندريلا، مكافأة لها على صبرها على قسوة زوجة الأب، ومرارة العيش في كنفها بعد رحيل والدها، وتمكنت - بفضل العرابة - من «العبور» إلى ضفة أخرى، يبدو عليها العشب أكثر اخضرارًا فعلاً! لم تبذل سندريلا جهدًا يُذكر في الحصول على (...)
كلما مرت خمس دقائق، استيقظ فزعًا ينظر إلى الساعة الغبية. كان قد تخلص منها منذ زمن، أعني الساعة بشكلها المعتاد، بأرقامها الرومانية أو بالأحجار اللامعة التي تشير إلى الأرقام، لم يعلق واحدة على جدران منزله واكتفى بثلاث على أجهزته الحديثة! يفوت المنبه (...)
قيل إن الترجمة أقدم مهنة في التاريخ، وقد يكون هذا صحيحًا إذا عدنا إلى ما ورد في سفر التكوين من أن نفرًا من نسل نوح حاولوا بناء برج، بعد نجاتهم من الطوفان، لكنهم حصدوا عقاب الرب وغضبه. وبعيدًا عن السبب الجوهري وراء هذا «العقاب»، إلا أنه قد أثقل كاهل (...)
لم يكن البحث عن السعادة أمرًا طارئًا وجديدًا، إذ شغل به الإنسان منذ بدء الخليقة، محاولاً العثور على ما يتيح له عيش حياة ملائمة. لكن شكل هذه الحياة السعيدة أو الملائمة لم يكن واحدًا، كما أن منهج الوصول إليها لم يكن واحدًا، أو بعبارة أخرى لم تكن هنالك (...)
لا مجال للالتفات! حسنٌ، لن يكون تراجعًا بأي شكل من الأشكال، لأني ما زلت أمشي على درب يشبه كثيرًا جهاز المشي الكهربائي. تلهث الساقان وتتلعثم الركبتان إذ تشعران بالعطش، لكني ما زلت في مكان واحد، يقال إنه مكاني. هذه طاولتي الجانبية فارغة إلا من علبة (...)
مثل أي غريب في مدينة غريبة، أجمع وجوه المارة، ألتقطها وجهًا وجهًا مثل حبات التفاح قبل فسادها على الشجرة، أو مثل أجراس القطن في حقل مزروع بعد الأوان، أو أرصها في مصفوفات؛ لتأخذ شكل الخلايا على شرائح زجاجية في مخابر التشريح، وأمنحها أرقامًا تتناسب في (...)
من المؤكد أن هذا يصدق على معظمنا من الكتّاب الجادين، في معظم البلدان –ومنها- التي لا تتوافق فيها الظروف المادية مع ظروف القارئ المحتمل إلى حد بعيد، وهذا واضح جدًا في جنوب أفريقيا. فالكتّاب البيض الذين يعيشون كجزء من أقلية تحظى بامتيازات كبيرة، (...)
لا تزال الاختلافات التأويلية بين الكاتب والقارئ قوية في عالمنا، برغم تقدم الاتصال التقني. فهنالك طبقة من الثقافة العامة تنتشر في أنحاء العالم الأول والثاني والثالث عبر الأقمار الصناعية وأشرطة التسجيل. قد يعتمد الكاتب على تلقي قارئ من إيسلندا أو (...)
«في زمننا يطرح قدر الإنسان معناه بمصطلحات سياسية». هذا ما يقوله توماس مان، وقد اقتبسته كشعار لواحدة من رواياتي الأولى. كنت أرى العبارة عندها قدرًا لشخصياتي، والآن أرى أنها قد تنطبق على قدر الأدب؛ لأنه إن كانت السياسة تفسر الأدب فعلينا قبول أن مصير (...)