صارمة وجسورة، تقف على آخر السطر، تقاطع يديها مثل الشرطي الإنجليزي بزيه الأزرق الداكن في نشيد الصف الثاني المتوسط، ثم ترفع يدًا معلنة انتهاء وقت الكلام، رصينة مثل قاض في محكمة. انتهى وقت الكلام، فلا جدوى من المتابعة.. انتعل حذاءك، واقفز إلى السطر الجديد. حين تنتابك الحبسة، ويتقطع حديثك مثل إشارة برنامج إذاعي في سيارة على طريق سريع مقفر، تنقسم النقطة إلى نقاط، وتمد نفسها وأخواتها جسرًا «فقل للرفاق أن يعبروا»..... لا، لحظة، قيل إنها لا بد أن تكون ثلاثًا، لا أكثر ولا أقل! فسحة تمنحك إياها دون أن تكترث برأي أمبرتو إيكو الساخر، تتيح لك فرصة في لحظات «سعدها» لتغيير رأيك، لتعديل موقفك قبل بدء لحظات «بؤسها» فتعلن شنق الكلام. يمكن لها أن تكون مرحة بعض الشيء، فتقفز فوق أخرى مثل بهلوانين يرتديان ثيابًا فضية قصديرية في سيرك، وتكون حينئذٍ في أقصى حالاتها جذلًا و»سعدًا»؛ لأنها تسمح لك بالحوار، إنها تراك حقًّا! يصير الكلام محض أحاجٍ إذ تغيب، جملاً يتبارى الصغار في فك ألغازها؛ لينالوا رضا الأب وفخر الأم، التي تقتفيها بدأب منقب آثار؛ كي تطرز أسماء الأبناء على الثياب المدرسية. تراها تشعر بالزهو عندما تعرف أنها مقياس التحصيل الدراسي ومعدل الذكاء ورصيد الحسم في بطاقة المكتبة وارتفاع الأسهم وشيفرة مورس ومقدار القطرة المطلوب في كل عين؛ فتصير عندها متجهمة مثل مضيف طيران، يرتدي ربطة عنق عريضة بلون أزرق راج في السبعينيات، وسترة بأكتاف عريضة، كأنه يخفي علاقة ثياب داخلها! إنها ماكرة، أو ربما كانت ذكية، تعرف متى تظهر بهيئتها، ومتى تتخذ لها شكلًا آخر يناسب المقال؛ فقد تحوّلت إلى صياح الديك كل ليلة؛ لتجعل شهرزاد تسكت عن الكلام المباح، وإلى خط أحمر يقضي بانتهاء الثواني العشر على برنامج السناب شات، وإلى جرس سعيد يرن عاليًا، يعلن انتهاء الحصة، خاصة إذا كان الدرس مملًا، ربما درس رياضيات في الحصة السادسة في فصل الصيف كما تقول إحداهن! وإلى الإشارة الطرقية «قف»؛ ليبدأ عندها الانتظار بضجر. المهم أنها تحسن انتقاء الشكل والوقت المناسبين للتوقف. نقطة.