تأفل الأحلام.. فتغادر النوارس الشطآن.. وترحل معها أغاني الصباح.. ويخيم الليل على مدنها..
على وشاحها الذهبي..
وعلى شرفتها الخمرية..
ومزهريتها الوردية..
تتساقط النفثات.. وتعلو الأنات.. وما من كتف غير كتف الليل لتغني عليه.. وتميل راقصة على قمره الشاحب (...)
اشتقت لها كمسافات الزمن الماضية.. كباقات الأمنيات التي نظمناها معا..كقصائد الحب التي قرأنها.. والأغاني التي سمعناها.. اشتقت لها كشلال انفلت من أعالي الجبال.. وتدفق بغزارة.. كروح تمردت على صمتها في سنواتها العجاف.. كورقة توت ضلت الطريق تنشد شجرها.. (...)
في ذمة الليالي وقفت أمام نجم شريد.. تتوكأ عصا السفر..
والزاد.. حروف قضمتها بصمت دفين..
تتكسر في خطواتها..
وتتبعثر في شتاتها..
وبساط الليل عتيق..
وعنيد..
تترقب روح فجر
وضياء خلاص
من كهف..
وخيوط عنكبوت قديم..
ولا مناص من طوق سجن..
بات يزحف معها نحو (...)
في منتصف الطريق لن يسعك الرجوع للخلف ولا المكوث على قارعة الطريق.. لن يكون أمامك حل إلا تمضي قدمًا وإن جررت خلفك مئات الخيبات ومرارات الخذلان.. لن يكون معك إلا أن تبتلع غصاتك وتمضي بلوحاتك الملطخة بالوجع باحثًا عن رحلة جديدة قد تجد فيها ما يسرك.. أو (...)
لم تكن الأبواب مغلقة وحسب؛ بل كانت المفاتيح عالقة في زوايا النوافذ القديمة والمهشمة.. وما كان له إلا الانتظار والوقوف طويلاً أمام تلك الأبواب.. ليصدح بأغانيه الحزينة.. ويعصر نايه الخشبي العتيق.. عل صوتًا مخبأ وراء تلك الأبواب يستجيب ويفتح لذلك (...)
لم يبلغ القمر اكتماله حتى ثارت السنابل برأسها تبكي موعد حصادها..
ففي الغد سيموت القمر.. وسيجر خلفه آلاف الموتى من السنابل..
لم تكن تعلم أن الموعد قد اقترب مع أن الليل وشوش لها بالقرب.. لكنها كانت في عنفوان كبريائها.. لم تتوقع الخيانة من القمر وبهذه (...)
لم تعد تحتمي بشيء غير جدار مكسور من بقايا ذكريات سالفة.. فالعمر لا يمهلك لتحتضن سيلا من الذكريات.. ما يبقى بالكاد يجعلك تكمل مسيرتك اليومية بأمان وأنك ما زلت على قيد الحياة..
قررت أن تخبئ بعضها في ورق مذكراتها.. وبعضها الآخر مما لا يمكن البوح به في (...)
من قوافل المدينة الهاربة من شعاع الشمس الحارقة..
خائفون من وهج الخرافات القديمة
أن تقف أمامنا وتعبث بعقولنا..
وأحلامنا..
فتسقط كشهاب مشتعل..
تمر عبر ثقوب لا ردم لها..
خائفون من زيف الكلمات..
ووجع الحكايات..
ومسامرة رعاة الليل «المثقلون بزيف (...)
لأنه الشتاء .. فهو وحده من يتقن الطرق على الأبواب والشبابيك كيمامة تبحث عن دفئاً خفياً.. يسري في جوانحها ويمسك أجنحتها عن التحليق بعيداً عن أعشاشها..
كشجرة بائسة تحتمي بآخر أوراقها من لذعة شتوية قاتلة..
لأنه الشتاء.. فهو وحده من يستحق الاحتفاء به (...)
لم يكن ذلك حلماً.. كان وطناً مسكوناً بالحقيقة.. مسكوناً بجنونه نحو تعمير القلب ببقايا من الصدق والفضيلة.. كان هاجسه الوحيد أن يلم كنوزه المبعثرة في أرض تلك الديار البعيدة التي اختارها ليجد فيها رسمه.. وألوانه فيضعها في لوحته الخالدة.. لكن الوقت لم (...)
وتساقطت مثل وريقات الخريف على بساط التعب..
ما عادت تستطيع لملمة عشبها الأصفر..
كل شيء بدا متهالكاً إلا من زرقة فوق السطح تختلس إليها النظر كلما أو قد تشمعه ليلها..
والمرايا المحدبة تقتلها.. تشعر معها بالبؤس والزمن الشريد..
لذا تتحاشها وتفر منها (...)
لم تعد تبالي بقصص السندباد وبساطه السحري.. ولا بالسندريلا وفردة حذائها الضائعة التي جلبت لها الحظ الجميل والقصر المجيد.. ولا براعية الغنم الفقيرة التي ساقها قدرها الذهبي إلى أن تكون من الأميرة البديلة إلى الأميرة الحقيقية.. كل ذلك كان في مخزونها (...)
أنا اللحظة المرتهنة بين الأمس واليوم
بين الأساطير القديمة والحكايات اليتيمة
بين الطيور المهاجرة والأسراب العائدة ..
أنا النجمة القريبة ... البعيدة ..
ومستودع الأحلام المحققة والتائهة خلف السحب الشريدة ..
أنا ثمار الربيع .. وأوراق الخريف
أنا الصيف (...)
رسمت لوحة حزنها ببقايا من ألوان الطقس الباهت..
كانت تركب جواد أملها.. وتغني كعصافير الفجر.. بروح البياض ونشوة المطر..
وترقص على أنغام السهر.. تحت ضوء الشموع.. وتراتيل الفرح..
وتنتشي برذاذ الضوء القادم من أسطورة الحب العذري.. وتمتطي صهوة الجواد (...)
وتحلم بأن يغزل المطر أثوابها.. وتتوج بورد الياسمين.. وتتراقص من حولها الفراشات الناعمة..تحمل إليها الزغاريد.. وقيثارة الأساطير الخالدة..
تحلم أن تلوح بأجنحتها نحو الشمال.. حيث الحب والجمال.. تسكن الجزر النائية وتدير ظهرها لضباب العتمة القديمة.. (...)