المكان هو احدى "المولات" بوسط جدة، عنوان المحاضرة "حلو نعيش بمسؤولية" والمحاضر هو الداعية المعروف سليمان الجبيلان. يعتلي الشيخ خشبة المسرح المقام في البهو المخصص للمحاضرة، موجة من التصفيق الحاد تجتاح المكان، يلوح الشيخ بيديه للجمهور ويظل واقفا حتى ينتهي التصفيق ثم يجلس. عشرات المتطوعين في الحملة، يجمعهم زي موحد يبدأون بالانتشار في أطراف البهو لحفظ النظام وتوفير التسهيلات للحضور، هدوء نسبي يلف المكان قبل انطلاق المحاضرة لا يعكر صفوه سوى أصوات المحال المكتظة بالمتسوقين والتي تحيط بالبهو من كل مكان. يبدأ الشيخ في المحاضرة ويشرع في تعريف المسؤولية وتوضيح معناها للجمهور المتكون من فئات مختلفة، أباء، أمهات مع أطفالهم، شباب من الجنسين، بعضهم كان يأكل البيرغر والشاورما وهو يستمع للمحاضرة، وآخرون فضلوا عبوات الفيشار والمياه الغازية، وفريق ثالث وهو الأغلب حرص على التركيز في المحاضرة التي استمرت ساعتين تخللتها استراحات وفواصل لمجسات حجازية. ختام المحاضرة شهدت تدافعا من الشباب الذين تحلّقوا حول الشيخ في شكل مجموعات والتقطوا معه صورا تذكارية. مشهد من قاعة المسرح هذا المشهد اعتاد عليه المتسوقون في "مولات" مدينة جدة منذ عدة أسابيع حيث يستمعون إلى محاضرات دينية يقدمها دعاة ومشايخ بارزون، وذلك ضمن حملة شاملة لتعزيز الأخلاق تديرها مؤسسة "ركاز" التي تهدف إلى تحفيز الافراد لتبني مكارم الأخلاق وتزكية النفس وتحصينها، بحسب القائمين عليها. وتختلف تلك المحاضرات عن نظيراتها في المساجد والمخيمات الدعوية، وتكفي زيارة واحدة لإحدى "المولات" التي تقام فيها تلك الفعاليات، لمعرفة البون الشاسع بين الخطابين والمتلقين في كلي المحاضرتين مع تطابق المقدم، حيث تقل مفردات التوبيخ تجاه المقصرين، ويتم التركيز على كيفية تطوير الذات، والعيش بمسؤولية في المجتمع، كل ذلك بأسلوب بعيد عن الطرح الوعظي المباشر. محاضرات الحملة لاقت أصداء متباينة بين سكان مدينة جدة، ففي حين أشاد فريق بتلك الفعاليات واعتبرها وسائل مبتكرة للدعوة تقدم بأسلوب محبب ومبسط للنفس و تخاطب الآخرين لا سيما الشباب بلغتهم ولا تصطدم مع حماسهم، رأي آخرون أن تلك المحاضرات لن تجدي نفعا باعتبار انها تتخذ الأسواق وهي أماكن اللهو واللغط منطلقا لها، وشبهوها بالعروض المسرحية التي تقدمها المولات كوسيلة لجذب المتسوقين والمرتادين، بحسب وصفهم. لا نقدم دروسا دينية اعلان عن المحاضرات في شوراع جدة وبالعودة إلى الأصداء المتباينة التي أحدثتها الحملة والانتقادات التي طالتها، قال أحمد عسيري مدير حملة "ركاز" في مدينة جدة، أن ما تقدمه الحملة يختلف عما يقدم في المساجد والمخيمات الدعوية، و أشار إلى أن هدف الحملة يتمثل في غرس القيم الايجابية في الشباب بطريقة احترافية تضمن وصول الرسالة بشكل أكبر. وأضاف في حديث للعربية.نت: "نحن لا نقدم درسا دينيا بقدر ما نقدم فعالية و لقاء جماهيريا، وينصب دورنا في الذهاب للشباب وعدم انتظارهم ليأتوا إلينا". و فيما يتعلق، باقتصار مقدمي الفعاليات على المشايخ، أوضح عسيري أن جميع المقدمين هم من الرموز الإعلامية المعروفة مثل د.محمد العوضي، د.محمد العريفي، د.عائض القرني، محمد العفاسي، سليمان الجبيلان، الشيخ نبيل العوضي وغيرهم. وتابع "هؤلاء لم نأت بهم لأنهم مشايخ بل لأنهم رموز إعلامية مشهورة، فعندما يراهم الجمهور في المول قطعا ستستوقفه تلك الرموز وهو المراد، استقطاب اكبر عدد من الجمهور بغرض نصحهم " . ونفى عسيري تشبيه فعاليات "ركاز" بالعروض المسرحية التي تقدم لجذب المتسوقين، وأكد أن المولات التي تستضيف الفعاليات لا تتقاضي أجرا لقناعتها بأنها تقدمه خدمة مجتمع. وأضاف "المحاضرة تقدم مساء كل خميس وهو توقيت يعتبر وقت ذروة للمتسوقين سواء أقيمت المحاضرة أم لم تقم، وهو ما يدحض شبهة استخدامنا كوسيلة للجذب". تجدر الإشارة، أن "ركاز" هي مؤسسة إعلامية دعوية غير ربحية، تهدف إلى تعزيز الأخلاق في الدول العربية، وذلك عبر الإعلام الموجه لشرائح مستهدفة من خلال الحملات والبرامج إلاعلامية، أنشأها الداعية محمد العوضي في الكويت، ثم امتدت وافتتحت فروعا لها في كل من قطر، البحرين، الإمارات، الجزائر، الأردن واليمن، ومؤخرا في مدينتي جدة والرياض بالسعودية