لم تعد الدعوة إلى الله تتطلب داعية وقاعة وجمهورا عريضا بعد أن انتهجت مجموعة «ركاز» السعودية طرقا مبتكرة في استقطاب الناس إلى الطريق القويم، فبدلا من دعوتهم إلى حضور محاضرة وعظية طويلة يلقيها داعية في مسجد أو قاعة، أصبح الدعاة والمشايخ يزورون المجمعات التجارية التي تغص بالشباب والفتيات من أبناء الجيل الجديد الذين تبدو لهم هذه الفكرة مقبولة ومهذبة. وبعد سلسلة من التجارب المثيرة التي خاضها الداعية محمد العوضي في دولة الكويت، اقتبست «ركاز» الفكرة لتطبيقها في المملكة بعيدا عن الأسلوب التقليدي في إلقاء الموعظة الدينية المباشرة على جيل لا تبدو لهم هذه الطريقة جذابة في ظل التطور الفكري والاجتماعي والثقافي الذي تشهده الأوساط الشبابية هذه الأيام. واختار القائمون على «ركاز» العمل في هذا الموسم تحت شعار «تقديرا لذاتي أعلنت احترامي»، على اعتبار أن أعدادا كبيرة من أبناء الوطن العربي يعيشون أزمة تتعلق باحترامهم لذواتهم، وهي إشارة إلى أن الدعوة لا تقتصر على الرقائق الدينية وفضائل الأعمال، بل تشمل أيضا حقولا توعوية وفكرية أخرى، مثل تطوير الذات وتقوية الشخصية. يؤكد الأستاذ صقر القرني، مدير حملة «ركاز» في الرياض، أن تقاطر الشباب والفتيات على المشاركة في أنشطة الحملة فاق التوقعات «مع أنها تجربة جديدة على المجتمع السعودي، لكننا فوجئنا بالإقبال الشديد على الحملة، إلى درجة أننا أوقفنا التسجيل بعد أن اكتظت قوائمنا بأسماء الشباب والفتيات الراغبين في المساهمة». وأوضح القرني أن التجربة التي تجد دعما حكوميا مشكورا، تعد ناجحة بكل المقاييس «فوزارة الشؤون الاجتماعية أعجبت بالأهداف النبيلة التي تتبناها الحملة، وهي تقدم لنا الدعم من خلال جمعية التوعية والتأهيل الاجتماعي «واعي» ». ومع أن الجمعيات الخيرية وبعض منشآت القطاع الخاص أدت دورا بارزا في دعم الحملة، إلا أن القرني يعول على مزيد من الدعم اللوجستي والمادي حتى تحقق الحملة أهدافها على نطاق واسع. وفي معرض حديثه عن المواضيع التي تتناولها الحملة، أشار القرني إلى أنهم يسعون جاهدين إلى تبني الأفكار التي تتفق عليها الأديان السماوية «فرغم أن أهدافنا دينية بحتة، إلا أن محاور العمل تركز على تعزيز مكارم الأخلاق وتدعو إلى صلة الرحم وبر الوالدين». ويرى القرني أن الحملة تجمع في محاور عملها بين المبادئ المثالية والنتائج الواقعية والتطبيق العملي وفق منهجية سليمة مستمدة من ديننا الحنيف «نحاول أيضا أن نحصن المسلم الشاب من الوقوع في شرك الأخطاء الأخلاقية التي تسيء إليه وإلى مجتمعه، وذلك من خلال منهجية تتبنى التوازن بين الإيمان والسلوك وتسعى إلى استثمار طاقة الإنسان الأخلاقية وتوجيهها في المسار الصحيح». وفي سبيل توسيع دائرة المشاركة والفائدة، تحاول الحملة تسخير وسائل الإعلام ووسائط الإعلان للترويج لهذه الأفكار وبثها بين أفراد المجتمع «فالتركيز على القيم النبيلة وتكرار عرضها في محافل مختلفة سيؤدي إلى تكريسها في المجتمع، وقد تتحول مع مرور الوقت إلى مشاريع عملية تسهم في بناء الوطن والمواطن». تسويق القيم! ولأن الحملة مبتكرة في أسلوبها وطريقة عرضها، فإن القرني يعتبر أن القيم النبيلة تتطلب منهجا تسويقيا حديثا كأي منتج آخر «فتعزيز الأخلاق عبر الإعلام الموجه والحملات الإعلانية الاحترافية يؤدي إلى تشجيع الأفراد والمجتمعات على نشرها فيما بينهم، وتطبيقها على أنفسهم ومن حولهم، وبهذا تتحقق أهدافنا في تقديم نموذج إنساني نبيل يكون قدوة يحتذى بها في العمل الاجتماعي العام». وفي نهاية كل أسبوع، تقيم الحملة فعاليات متنوعة ل«تسويق قيمة أخلاقية محددة»، كما يوضح القرني «فهناك لقاءات جماهيرية في الأسواق والأماكن العامة والمقاهي التي يرتادها الشباب، إلى جانب دورات في المدارس والمعاهد والجامعات، ومهرجانات إنشادية هادفة وأمسيات شعرية ومعارض فنية مصاحبة في حقول الرسم التشكيلي والتصميم والتصوير الفوتوجرافي، ومعارض أخرى للتوعية بأضرار التدخين». ورغم الاهتمام الواضح بشريحة الشباب من الجنسين، إلا أن الحملة تحاول استقطاب الأطفال أيضا من خلال قصص لطيفة ومبتكرة تجذب انتباه هذه الفئة العمرية المهمة. الحديث بلغة الشباب وبعد تجربته في الحملة، أشاد الشيخ الدكتور عصام العويد الذي كان أحد الضيوف في هذه اللقاءات، بهذه الأفكار الجديدة، مشيرا إلى أن دخول الدعاة إلى «المولات» إجراء مقبول ومثير في آن معا، واصفا تجربته بأنها «رائعة جدا، وجميلة ومشجعة». ويبدو العويد متحمسا لتكرار التجربة التي ألهمته الكثير من الأفكار الجديدة على حد قوله «عندما حضرت للمرة الأولى في إحدى المولات، كان التجاوب مرتفعا للغاية، وهو أمر مشجع على تكرار هذه الخطوة». وبعد مشاركة من العلماء والدعاة أمثال الشيخ محمد العريفي والشيخ سليمان الجبيلان، وغيرهما، يشير العويد إلى نجاح هذه الحملة «فهؤلاء المشايخ لديهم تجارب مثيرة يمكنهم أن يتحدثوا عنها لزوار المجمعات عن تجاربهم الشخصية وسيرتهم الذاتية، بحيث لا يقتصر الحديث عن المواضيع الدينية الصرفة». ويرى العويد أن الجلوس مع الشباب يقتضي الحديث معهم بلغتهم فرسول الله صلى الهد عليه وسلم جلس مع الشباب وتحدث إليهم، وهذا يدفعنا إلى زيارة الشباب في أماكن تجمعهم لا أن ننتظر قدومهم إلينا». وتطرق العويد إلى أهمية وجود مثل هذه البرامج التي تصل إلى قطاع عريض من الشباب والفتيات في الأماكن التي يرتادونها لتقديم الدعوة بأسلوب بسيط محبب إلى النفس يتمثل في غرس الأخلاق الكريمة والروح الإسلامية الأصيلة .