أكد مساعد وزير الدفاع والطيران المفتش العام للشؤون العسكرية الأمير خالد بن سلطان أن الحدود السعودية - اليمنية متفق عليها من الجانبين، وأن الحكومة اليمنية مشكورة تحمي حدودها من جانبها، فيما تحمي المملكة حدودها من الجانب الآخر، وأن ما تم خلال الفترة الماضية هو محاولة لبعض العناصر المتسللة من زمرة «الحوثيين» تحديداً للدخول للأراضي السعودية والتسلل والقتال، ومع ذلك دحروا - بفضل الله - ثم بفضل رجال القوات المسلحة. وقال الأمير خالد في تصريحات للصحافيين بعد افتتاحه أمس المؤتمر السنوي السادس للخدمات الطبية للقوات المسلحة في الرياض ان القدرة القتالية لدى العناصر المتسللة انخفضت بشكل كبير، وأن القتال الذي دار منذ أكثر من شهرين فُرض على المملكة ولم تسع إليه. وحول إنشاء مستشفى للقوات المسلحة في الرياض إلى أين وصل، قال: «المشروع حدد، وسيقام إلى جانب جامعة الأميرة نورة في الرياض، وعملية النقل ستتم عبر مراحل بدايةً من العام المقبل». وفيما يلي نص كلمة الأمير خالد: «للمرة السادسة، نلتقي في محفلٍ علميٍّ، يتوخى نعمةَ الصحةِ، هبةِ الخلاّقِ العليمِ. محفلٌ يتنفسُ علوماً، ويرتوي بحوثاً، ويسعَى تطويراً. واظبتم على انعقادِه، فأصبح مَعْلَماً ومنارةً بجهود علماء أجلاّء وباحثين مجدِّين، طالما طمحوا إلى خيرِ الإنسانِ ووافرِ عافيتِه. والتحيةُ واجبة لمؤتمرِكُم، الذي أَوْلَى صحةَ المقاتلِ، باذلِ النفسِ والنفيس في سبيلِ دينِه ثم وطنِه، كلّ عناية ورعاية. منذ أكثر من شهرَيْن، فُرِضَ علينا قتال، لم نَسْع إليه، وظنّت جماعة من المتسللين والمعتدين أن حدودنا مستباحة، وما حسبوا أنهم سيواجهون رجالاً تأْبَى نفوسُهم أن يُدَنِّس أرضَها أي معتدٍ، مَهْمَا كان دينه أو عرقه أو طائفته. ولقد حاولت بعض الأبواق الخارجية الإيهام بأن تلك الأحداث صراعٌ طائفيٌّ، يستهدف جماعة بعينها، واعتداء على الجار لا يُقِرّه شرعٌ ولا دينٌ. ولكننا نتساءل: هل من يعتدي على بيتك تسأله عن هويته، قبل أن تصده وترده خائباً؟ والجار إذا اعتدى، ولم يراع حق الجوار، فلا حقوق له علينا. فالمولى - عزّ وجلّ - يأمرنا في كتابه الكريم: «فَمَنِ اعْتَدَى عَلَيْكُمْ فَاعْتَدُوا عَلَيْهِ بِمِثْلِ مَا اعْتَدَى عَلَيْكُمْ». أحيي من مؤتمركم هذا أبطال القوات المسلحة، وعلى رأسهم سيدي صاحب السموّ الملكي ولي العهد نائب رئيس مجلس الوزراء وزير الدفاع والطيران والمفتش العام، أبطال يعملون في صدق وإيمان، ويتدربون في عزيمة وتصميم. مستعدون للبذل والعطاء، ومتأهبون للتضحية والفداء. يرحبون بالشهادة، ويسعون إلى تحقيق الانتصار. رحم الله شهداءَنَا، وشفى جرحَانَا، وحمى المملكةَ، وحفظها من كل شرٍّ وسوءٍ. تعودنا معاً ألاَّ يكون خطابي تقليدياً في افتتاح مؤتمراتكم، وإنما مشاركة في الأفكار والإعداد، والآراء والتوجهات، نتحاور في صراحة وشفافية، ومصداقية ووضوح. وبسم الله نبدأ. أولاً: لفتني عدم اشتمال بعض ملخصات الأبحاث على النقاط الرئيسية الضرورية لفهم البحث والتعليق عليه، والتي لا تخفَى عليكم، وهي: غايته المستهدفة، وأساليبه المتبعة، ونتائجه الرئيسية، ثم الخلاصة والتوصيات. لذا، أرى ضرورة التشديد على استيفائها، في مؤتمراتكم المقبلة - بإذن الله. ثانياً: أشدت، في مؤتمركم السابق، بأبحاث ثلاثة، تناولت «التكنولوجيا النَّانُومترية»، التي تُبَشِّر بإحداث ثورة في حياة البشر. وطالبتكم - ولا أزال - أن تحوز هذه التقنية اهتمامكم، ولا سيما في المجال الطبي، حيث تفتح للمرضى آمالاً عريضة في حياة أفضل، كبناء أوعية دموية بالنانو تكنولوجي والتحكم في الكولسترول وجسيماته الحميدة، وما يحدثه ذلك من ثورة في علاج أمراض القلب والأوعية الدموية ومضادات حيوية باستخدام مركبات نانو الفضة، قادرة، خلال ساعات معدودة، على قتل أشدِّ أنواع الفيروسات خطراً، والنانو بيوتك، الذي يُعَدّ أحدث بديل للمضاد الحيوي. أرجو أن أرى هذه التقنية في أبحاثكم المقبلة مع تطويرها، وعدم الاكتفاء بسرد ما ابتكره الآخرون، ونجحوا في استخدامه. ثالثاً: شغلتني قضية الأخطاء الطبية، بعد أن كشفت وزارة الصحة، بشجاعة، عن عدة وفيات، نجمت عن تلك الأخطاء. وقد اطلعت على بحثَيْن عنها، سيُعرضان في مؤتمركم هذا. فتذكرت بحث إعداد الملف الإلكتروني للمرضى، الذي عُرض سابقاً. وقلت، وقتئذٍ: «إنّ الملف الطبي ليس هدفاً في حدِّ ذاته، ولن تتحقق الفائدة المرجوة منه، إلاّ إذا تكامل مع عدة برامج تطبيقية حيوية، مثل: برامج الصيدلة الإلكترونية، وإدارة الصور الطبية، وبرامج مراقبة القرارات الطبية ودعمها، وبرامج المكتبة الطبية الإلكترونية». ولتقليل تلك الأخطاء الطبية، أرى ضرورة تكامل هذه الأنظمة الأربعة مع الملف الالكتروني للمرضى، وسرعة تنفيذها. وليكن هدفنا التقليل من الأخطاء، إن لم نستطع منعها، لأن الثمن قد يكون فادحاً، فحياة إنسان واحد أغلى من كنوز الأرض كلّها. رابعاً: منذ عام 1995 والعالم منهمك في ما عُرِفَ بالاحتباس الحراري، وكيفية المواءمة بين وقف ارتفاع حرارة الأرض، وحاجة سكانها إلى التنمية والتقدم والغذاء المطلوبة مضاعفته بحلول العام 2050، لتلبية احتياجات العالم الجائع، هذا في وقت لا تزال فيه الطاقة البديلة النظيفة تمثل واحداً في المائة من الحاجات الفعلية. وعلى الرغم من أن مؤتمر المناخ التاريخي، الذي عُقد في كوبنهاجن الشهر الماضي لم يحقق تطلعات الدول النامية وطموحاتها في التنمية الاقتصادية والأمن الإنساني، فإن اللافت هو عدم تعرضه لصحة الإنسان وما قد يهددها من أمراض صحية أو نفسية، واحتمال ظهور فيروسات وميكروبات، قد تكون أشد فتكاً من ازدياد حرارة الأرض. فهلا تداركتم ما أغفله مؤتمر المناخ، فتشتمل مؤتمراتكم المقبلة على دراسة تلك الأخطار والاستعداد لمواجهتها. خامساً: من نقاط قوة مؤتمركم هذا اهتمامه بالرعاية النفسية والاجتماعية للمرضى، وهي ظاهرة ربما لا تراعيها بعض المستشفيات. جُهْدٌ مقدر تُشكر عليه إدارة المؤتمر. وإنني أتفق مع الدراسات التي تؤكد أهمية الخدمة الاجتماعية، ليس في المجال الطبي فقط، وإنما في جميع مجالات الحياة. ولكن ما لفتني هو محاولة إقحام الإحصائي الاجتماعي، ليكون «ممارساً مهنياً وعضواً فاعلاً في الفريق الطبي». لا أحد ينكر حيوية المهام التي يضطلع بها هذا الأخصائي، ولكني لا أرى ضرورة جعله عضواً في الفريق الطبي. فهذا لن يزيد دوره أهمية، بل قد يعوقه، والأفضل أن نركز في كيفية أدائه واجباته، وأن يكون مساعداً فاعلاً لكلِّ من حوله، وينفذ العلاج الاجتماعي الطبي بشقيه المباشر وغير المباشر. وإذا كان للإدارة العامة للخدمات الطبية وجهة نظر أخرى، فعليها دراسة الاتجاهات كافة وتحليلها، والرجوع إلى ممارسات الدول، التي سبقتنا في هذا المجال، والرفع بما تتوصل إليه. أمّا الرعاية النفسية فلا أحد ينكر إسهامها في العلاج الناجح لكثير من الحالات. وكم كان بودي لو زادت أعداد البحوث في شأن الرعاية النفسية للمقاتلين! وخاصة أن 25% من إصابات الحروب هي حالات اضطراب نفسي، وتزيد تلك النسبة بين العسكريين في الخطوط الأمامية. سادساً: من الأبحاث التي عَلّقت عليها في مؤتمركم السابق، المسح الصحي للعسكريين. وقلت آنئذٍ إنها قضية مهمة، لأنها تَمَسُّ الأمراض المزمنة بينهم ومعدلاتها وعوامل خطرها. وبعد أن استمعت إلى الجزء الثاني من البحث، أجد أن الباحث يدق أجراس الخطر في قضية هي شاغلنا الأساسي، ألا وهي المحافظة على الكفاءة الثلاثية: الصحية والبدنية والنفسية، التي تُعَدّ من أهم مُقَوِّمَات الكفاءة القتالية. الجرس الأول: 69% من العينة تعاني البدانة وزيادة الوزن. والجرس الثاني: 30% تعاني ارتفاع ضغط الدم والسكري، القاتلَيْن الصامتَيْن. أمّا الجرس الثالث فهو استفحال عوامل الاختطار. والرأي عندي أنها نتائج تحتاج إلى المزيد من التحليل التفصيلي، لمعرفة أسباب تلك النسب المخيفة بين رجال القوات المسلحة، فضلاً عن ضرورة ربط هذه النتائج بالأبحاث ذات العلاقة. وليكن بعد ذلك الاهتمام الكامل بالكشف الطبي الأولي للملتحقين بشرف الخدمة العسكرية، طبقاً للمعايير الطبية الدقيقة، بما في ذلك تحديد الأمراض الوراثية، فضلاً عن منهجية الفحوصات الدورية، والعناية باللياقة البدنية والمسابقات الرياضية، وأن يصبح اجتياز اختبار اللياقة البدنية شرطاً أساسياً عند الترقي أو الابتعاث أو التعيين في مناصب قيادية. إنني في انتظار خطة متكاملة، نضمن عند تنفيذها اللياقة الثلاثية منذ الالتحاق بالخدمة العسكرية وحتى التقاعد. سابعاً: كنت أود أن نحافظ على ما تحقق في مؤتمراتكم السابقة من نقاط قوة. فقد طرحتم، مثلاً، في المؤتمر الخامس، محور «الجديد في الطب». وقلت لكم، حينئذٍ: «إننا من خلاله نستطيع أن نستقطب التقنيات الجديدة في عالم الطب، وعلى مؤتمركم المقبل أن يطرح تقنيات جديدة، نكون نحن المُصدّرِين لها، وليس المستفيدين منها أو مستهلكيها فقط». ولكني افتقدت هذا المحور في مؤتمركم الحالي. مثال آخر، كنتم قد بدأتم في إنشاء محاور وإعداد أبحاث في الطب البديل، والطب المبني على البراهين، والطب الصناعي، وأثريتموها بدراسات جيدة. ولكني، بالمثل، افتقدتها، اليوم، على الرغم من أهميتها. ثامناً: لاحظت أن نسبة البحوث الخاصة بالطب العسكري وفروعه المختلفة، تزيد على الخمسين في المائة بقليل، وقد يكون ذلك من نقاط قوة مؤتمركم هذا إذا قيس بالمؤتمرات السابقة. ولكني أراها نسبة ينبغي رفعها لتفوق خمسة وسبعين في المائة على الأقل، لأن أحداً لن يهتم برجال القوات المسلحة وكفاءتهم القتالية والصحية قدر اهتمام الإدارة العامة للخدمات الطبية. تاسعاً: استرعى انتباهي بحثان على قدر كبير من الأهمية. أولهما «تعامل العناية المركزة مع حالات الإرهاب». ولا شك أنه موضوع يستحق الدراسة والبحث، وآمل التوسع فيه مستقبلاً، ليشمل حالات الإرهاب: الكيماوي والبيولوجي والإشعاعي، فضلاً عن جرحى المعارك الحربية. أمّا الثاني فتناول «عوائق الجودة في المستشفيات العسكرية وكيفية التغلب عليها». بحث مهم وجاد، اتسعت فيه العينة، فخرج بنتائج جيدة ومقترحات طموحة، ينبغي ترجمتها إلى خطة عمل تفصيلية. ويلاحظ أن أياً من مؤتمراتكم لا يكاد يخلو من موضوع يخص «الجودة»، وهو جهد نابع من إدراك الإدارة العامة للخدمات الطبية لأهميته. وكما أقول دائماً إنه لا خير في عمل من دون جودة، ولا جودة من دون قياس، ولا قياس من دون معايير. في انتظار خطة العمل، التي تحقق شعاركم «جودة الوقاية والعلاج والتدريب».