نقلا عن الوطن السعودية : قال أستاذ اللغة والأدب في جامعة أم القرى الدكتور عادل أحمد باناعمة إن في تراثنا الأدبي، وواقعنا الثقافي، أطروحاتٍ تذهب إلى أن العقلية العلمية لا يمكنها أن تنتج أدباً رفيعاً، مستشهداً في ذلك بخبر الإمام الناقد أبي العباس الجزنَّائي، وكان كاتب السلطان أبي الحسن المريني، والمقدم في البصر باللسان والشعر في زمانه، وخلاصة خبره أنه سمع رجلا ينشد قصيدة مطلعها: لم أدر حين وقفت بالأطلال ما الفرق بين قديمها والبالي فقال على البديهة: هذا شعر فقيه! فقيل له: ومن أين لك ذلك؟ قال: من قوله "ما الفرق" إذ هي من عبارات الفقهاء وليست من أساليب كلام العرب، وقول ابن خلدون: ولهذا كان الفقهاء وأهل العلوم كلهم قاصرين في البلاغة، وما ذلك إلا لما سبق إلى محفوظهم، ويمتلئ به من القوانين العلمية والعبارات الفقهية الخارجة عن أسلوب البلاغة والنازلة عن الطبقة لأن العبارات عن القوانين والعلوم لا حظ لها في البلاغة. وأكد باناعمة، خلال محاضرته الأسبوع المنصرم في نادي الأحساء الأدبي بعنوان "هل يكون العالم أديبا؟" والتي أدارها عضو مجلس الإدارة الدكتور خالد بن سعود الحليبي، وحضرها حشد من المثقفين والأدباء، أن هذه النصوص وأمثالها تدل على نسق فكري يفصل بين العالم والأديب، إما من جهة عجز ملكة العالم عن الإبداع الأدبي، أو من جهة سمو منزلة العالم عن ملابسة الأدب. وعاد المحاضر ليؤكد الإجابة على سؤال عنوان المحاضرة، بالقول: نعم يمكن أن يكون العالم أديباً، موضحاً أنه من الصحيح أن من العلماء من تعاطى الأدب بغير موهبة فجاء به غثاً، ولكن ذلك ليس حجة على من امتلك الموهبة فجاء به فذاً، لافتاً إلى أن هناك أربعة أدلة تؤكد إمكانية أن يكون العالم أديباً، الأول: مناقشة النصوص المعترضة: وهو ما قاله ابن خلدون عن خدش الملكة ويجاب عنه من وجوه عدة: أولها: أن العلماء يبدؤون الاشتغال عادة بالقرآن والحديث وهما إلى الفصاحة، وثانيها: أن الموهوب منهم قد يبكر في اشتغاله بالشعر والعربية فيحصل من ذلك ما شاء قبل أن يحصل الخدش المزعوم للملكة، وثالثها أن حجم المحفوظ لديهم وجودته يؤهّل مع الملكة للإبداع، ورابعها حكاية الإمام الشافعي مع أبي القاسم بن الأزرق، فقد قال ابن الأزرق للشافعي: لك الفقه تفوز بفرائده فلا تزاحمنا في الشعر! وقد جئتُ بأبيات إن جئت أنت بمثلها تبتُ أنا عن الشعر وإلا تبت أنت، فأنشد أبو القاسم أبياتاً قافية، فقال الشافعي: أنا أقول خيرا منها ثم ارتجل أبياتا منها: إن الذي رزق اليسار ولم ينل أجرا ولا حمدا لغير موفق أما الدليل الثاني فهو الدليل العقلي فالإنسان جوهر أي: ذات، والشاعرية والعلمية عرضان أي صفتان ومن المعلوم عقلا ومنطقا أن الذات الواحدة يمكن أن تكون محلاً لصفات كثيرة ما لم تكن هذه الصفات متضادة، وإذا لم يكن ثمة ما يدل عقلا ولا نقلاً على تضاد صفتي العلمية والأدبية فما الذي يمنع من اجتماعهما في إنسان؟. والدليل الثالث: النبي والشعر: فقد كان صلى الله عليه وسلم أفصح العرب وله نصوص تكلم بها لم يسبق إليها منها: "حمي الوطيس"، "خضراء الدمن"، موضحاً أن نفي الشاعرية عنه إنما كان ليجيء القرآن من قِبَله أغرب، فإنه لو كان له إدراك الشعر لقيل: في القرآن من تلك القوة، وما نفي الشعر عنه إلا كنفي الكتابة عنه، لافتاً إلى أن صور علاقة النبي صلى الله عليه وسلم بالأدب كثيرة، منها استماعه له في مواضع عديدة وثناؤه عليه، وتأثره عند سماعه، وأشار باناعمة إلى أن الصحابة رضي الله عنهم كثر عندهم تناشد الشعر وسماعه ونظمه. أما الدليل الرابع فهو وجود فقهاء أدباء عبر التاريخ أمثال عبيدالله بن عبدالله بن عتبة بن مسعود، عروة بن أذينة، عبدالوهاب بن نصر المالكي، أبو السائب المخزومي، أبو بكر الشبلي.