نقلا عن الجمهور : اذا كنا نعيش اليوم ثورة تكنولوجيا المعلومات فلا شك أن الإنترنت أحد أهم أسلحة هذه الثورة.. لكن الإنترنت مثله مثل أي سلاح له بصمات إيجابية رائعة في خدمة الإنسانية.. كما أن له وجها آخر إذا كان من يستخدمه مجرما..!! هناك فئات كثيرة من المجرمين تحاول من خلال الإنترنت نشر رسالتهم الهدامة أو أفكارهم السلبية أو خلق حالة من التطرف.. بل وصل الأمر إلي صناعة الإرهاب والعنف. العديد من المنظمات والجماعات الإرهابية في مختلف أنحاء العالم احتلت جزءا كبيرا في شبكات الإنترنت لبث معتقداتهم. وأفكارهم واستخدام العنف والإرهاب والأسلحة الدموية. فأصبحنا نري مواقع لتعاليم صناعة المتفجرات. والألغام. والأسلحة الكيماوية. ومواقع أخري تدعو إلي اختراق البريد الإلكتروني. والمواقع المحجوبة والتجسس الإلكتروني وطرق نشر الفيروسات بدعوي القضاء علي الفساد. فقد شهدت شبكة الإنترنت مؤخرا تزايدا كبيرا لعدد المواقع التي تروج للفكر المتطرف. والعنف. والإرهاب فبعد أن كان عددها "12" موقعا عام 1998 ارتفع إلي 4800 موقع عام 2007. وقفز العدد الآن ليصل إلي 5 آلاف موقع. تتضمن "500" موقع يستهدف الوطن العربي الأمر الذي يستوجب وقفة جادة للتصدي للمشاكل والمخاطر المحتمل حدوثها في المستقبل خاصة مع ربط هؤلاء المجرمين لهذه الجرائم ببعض الآيات القرآنية والأحاديث النبوية. يقول نادر مسعد "مهندس كمبيوتر": إنني أقابل يوميا العديد والعديد من الأفكار الإرهابية الهدامة التي تبث علي الإنترنت ولا تقتصر فقط علي مواقع بعينها بل امتدت أيضا إلي "الفيس بوك". وغرف الدردشة. ورسائل "SMS" عبر التليفون المحمول التي تدعو إلي الجهاد بالنفس أو المال للقضاء علي أي مشكلة تواجهنا والدعوة إلي العنف في استرداد الحقوق ودائما ما تدعو هذه الحملات والرسائل التي ينشرها المتلقي لها ويكتب عليها ارسلها تؤجر أو أهملها تأثم فكثيرا ما نضطر إلي ارسالها خوفا من ارتكاب الإثم أو الذنب ومن هنا تبث هذه الأفكار المغلوطة بين الشباب. يضيف مصطفي علي "بكالوريوس تجارة": علي الرغم من وقوع الكثير من الشباب في مخاطر هذه المواقع إلا أن الكثير منها لا يستجيب لهذه الرسائل ليس لأنها غير جاذبة للاهتمام لكن لأنها أصبحت تنتشر بداع أو بدون داع فقد أي تأِير من قبل الشباب الذي أصبح يتجه نحو التحلي بأخلاق الدين الذي دائما يدعونا إلي الحكمة ونبذ العنف. وتري نيهال كمال "بكالوريوس سياحة وفنادق": أن هناك بعض المواقع التي تدفع الشباب إلي التربح المادي من خلال تعلم اختراق الأجهزة والمواقع. وتدمير بعضها بداع وبدون داع والغريب أن هذه المواقع قد تسمي ب "الهكر المسلم" فكيف تربط بين الإسلام والاعتداء علي حقوق الغير والتلصص والدخول علي النظم المعلوماتية التي تخدم الإنسانية وتبديدها. والتجسس علي أسرار الآخرين. وتضيف: أن هذا الأمر لا يحتاج سوي تحكيم لغة العقل من قبل الشباب الذي يبدو غالبا مندفعا تجاه بعض التيارات بغرض التجربة أو خوض مغامرة فسرعان ما يجد نفسه مجرما وآثما ومن هنا يجب علينا أن نفعل الرقابة الذاتية علي أنفسنا لأن المتعامل مع الإنترنت في كثير من الأحيان لا يوجد عليه رقيب. معتز صلاح الدين "المستشار الإعلامي لمجلس وزراء الداخلية العرب" يري أن السنوات الأخيرة شهدت تزايدا كبيرا في استخدام الإرهابيين لشبكة الإنترنت. وللمواقع التي تروج للفكر المتطرف. والإرهاب. حيث ارتفع عددها من 12 في عام 1998 إلي 4 آلاف و800 موقع في عام 2007. وقفزت الآن لتصل إلي 5000 آلاف موقع وذلك وفقا لتقرير للاتحاد الأوروبي. مشيرا إلي أن مجلس وزراء الداخلية العرب قام برصد 10% من هذه المواقع يتم توجيهها للمنطقة العربية وتستهدف تضليل المواطن العربي. يضيف: تحتوي هذه المواقع علي كتيبات وارشادات تشرح طرق صنع القنابل والأسلحة الكيماوية الفتاكة ولا يمكن أن نغفل أن مرتكب حادث الأزهر الإرهابي في 7 إبريل عام 2005 الطالب حسن بشندي بكلية الهندسة قام بتصنيع قنبلة بدائية استخدمها في تنفيذ هذا الحادث بمعاونة أحد المواقع الإرهابية عبر الإنترنت. ومؤخرا نشر موقع الإخلاص -وهو كثيرا ما يستخدمه أنصار القاعدة -نسخة محدثة من برنامج تشفير يسمي "أسرار المجاهدين" وهو أول برنامج يساعد أفراد هذه الجماعة علي التواصل والتراسل الآمن عبر الشبكات. ودائما ما تلجأ المنظمات الإرهابية للاستعانة بالبيانات والإحصاءات السكانية المنتقاة من المعلومات الشخصية التي يدخلها المستخدمون علي الشبكة من خلال الاستطلاعات والاستفسارات الموجودة علي المواقع ومن ثم يتم استجداؤهم لدفع تبرعات مالية أو المشاركة في أعمال خيرية بواسطة البريد الإلكتروني ولم يدرك المتبرع هنا أنه يقوم بمساعدة إحدي المنظمات الإرهابية. يري معتز أنه برغم التحديات التي تواجه الإعلام العربي في تغطية الإرهاب الإلكتروني والمتمثلة في صعوبة جمع المعلومات المتعلقة بهذه الظاهرة عبر الإنترنت. وغياب الرؤية الإعلامية الأمنية الشاملة وقلة البحوث والدراسات واستطلاعات الرأي في مجال الإعلام الأمني إلا أنه يلعب دورا كبيرا في مواجهة هذه المواقع خاصة مع إشراك منظمات المجتمع المدني وعلي رأسها وسائل الإعلام الحكومية وغير الحكومية في محاربة استخدام الإرهابيين لشبكة الإنترنت وتبصير المواطنين بذلك خاصة أن الإرهاب أخذ يهدد أمن واستقرار المواطن ومن هنا تبرز أهمية وجود تعاون بين أجهزة الأمن والإعلام لمواجهة الإرهاب ومكافحة الجريمة المنظمة. ومن جانبها تري د. عزة كريم أستاذ علم الاجتماع بالمعهد القومي للبحوث الجنائية والاجتماعية أن المواقع الإرهابية المنتشرة علي الإنترنت هي من أخطر المواقع التي يتعرض لها الشباب والمراهقون وتكمن خطورتها في العلاقة الوثيقة التي تربط بين إقبالهم علي استخدام هذه المواقع. وبين الظروف المعيشية الصعبة. والضغوط النفسية. وحالة الاحباط التي تملكت الشباب هذه الأيام. حيث تبحث عن البطالة. والفراغ. والفقر وتدني مستوي المعيشة ومن هنا تبدأ هذه المواقع في نشر سمومها لجذب هؤلاء الشباب من خلال إبراز مساوئ مجتمعه مما يؤدي إلي خفض مشاعره الانتمائية تجاه بلده بعد أن استشعر حجم الظلم الواقع عليه وأن حكومته فشلت في أن تمنحه أبسط حقوقه.. لذا يجد نفسه منجذبا بطريقة لا شعورية للتفاعل مع هذه المواقع بعد أن تأكد أن العنف هو الطريق الوحيد لاسترداد حقوقه أو للانتقام لنفسه. وتوضح د. عزة أن هناك بعض المواقع الإرهابية علنية ورسالتها واضحة للجميع. وهناك مواقع إرهابية غير علنية تقوم علي نشر العنف بين الشعوب بعضهم البعض ومن ثم تنجح في خلق الفتنة والفرقة فيما بينهم وهذا هو هدفها الدائم وبدا هذا واضحا في أزمة مصر مع الجزائر مؤخرا ومن هنا تكمن الخطورة علما بأن هذه المواقع لا يقوم بتنظيمها أفراد بل جماعات منظمة.. وتشير إلي أن هناك بعض المواقع الإرهابية التي تأخذ من الدين ستارا للإيقاع بفريستها من الشباب المسلم وتقوم بتأسيسها البلاد التي دائما ما تتشدق بالسلام وتدعو لنبذ العنف والإرهاب لاسيما أمريكا وإسرائيل ولم يأت هذا مصادفة بل وفقا لدراسة عميقة لطبيعة الشعوب العربية. ونفوسها. ونقاط القوة والضعف التي تتميز بها خاصة أن للإسلام مكانة عظيمة في نفوس الشعوب العربية والإسلامية ومن هنا تجد هذه البلاد المدخل لاستقطاب هؤلاء الشباب. وما يزيد من حجم المشكلة والكلام علي لسان د. عزة أن الشباب في جميع الدول العربية سريع الانفعال تجاه المواقف خاصة التي تمس هويته. أو دينه ويرجع هذا إلي نشأة الشعوب العربية علي هيئة قبائل تميزت بالكثير من القوة والعنف للحفاظ علي كينونتها كقلة وتوارثنا هذا الفكر حتي الآن. هذا بالإضافة إلي أن الشباب العربي سريع التصديق خاصة للبيانات والمعلومات التي تحمل عنفا أو إساءة ويرجع هذا إلي أنه غير باحث أو متعمق لحقيقة المعلومات التي يستقبلها.. لذلك يجب علي الحكومة لحماية شبابنا أن تقوم بإيجاد برامج وأساليب ثقافية جديدة تعمل علي تنوير الشباب وتحصينه تجاه هذه الهجمة الشرسة. ويساعد علي ذلك فتح مشروعات ومجالات عمل جديدة تستثمر طاقات الشباب فيما هو ناجح للقضاء علي أوقات فراغهم. ومن جانبه يري عادل عبد الكريم رئيس الجمعية المصرية لقانون الإنترنت أن هذه المواقع في ظاهرها الرحمة وفي باطنها العذاب خاصة انها تحث علي الفضيلة وتدعو إلي الأخلاق والتمسك بالدين مسترشدة بالعديد من الآيات القرآنية التي تحث علي الجهاد في سبيل نصرة الإسلام. لكن الجانب الخفي هو استهداف الشباب الفقير الذي يعاني من البطالة. والعجز عن إيجاد فرصة عمل مناسبة فيلجأ إلي التطرف والتشدد وأعمال العنف تجاه مجتمعه. يضيف: أن مصر لم تصل إلي مرحلة الخطر لكن ما يجب القيام به هو التصدي لمثل هذه الظواهر السلبية التي تخيم علي مجتمعاتنا قبل أن تنال من شبابنا في ظل الحالة الاقتصادية المتردية والتي تؤدي بدورها إلي الصراعات الاجتماعية وارتفاع معدلات الجريمة والعنف. لذا يجب علي الشباب أن يعي جيدا حجم المخاطر التي قد يتعرض لها بالتعامل اليومي مع الإنترنت وتحديدا من خلال "الإيميلات". وغرف الدردشة. و"الفيس بوك" ليكون أكثر حذرا وألا ينساق وراء بعض الأفكار البراقة التي ما هي إلا مخطط للإيقاع به في هذه الخلايا الإرهابية. يؤكد عبد الكريم علي أن مخاطر الإرهاب عبر الإنترنت لا تقتصر علي المواقع التي تبث هذه الأفكار المغلوطة فقط بل تمتد إلي المنظمات الإرهابية التي تسئ استخدامها. وكذلك الجمهور المتلقي لهذه الرسائل ممن يجهل ثقافة التعامل مع الإنترنت.. الأمر الذي يتطلب وقفة جادة نقوم من خلالها بالتمييز بين ما هو نافع. وما هو ضار علي الشبكة العنكبوتية وخلق نوع من الرقابة الذاتية النابعة من المستخدمين لها قبل الرقابة التي تفرضها المؤسسات الحكومية علي مثل هذه المواقع ومن هنا يبرز دور الحكومة في إنشاء المواقع التنويرية التي تهدف تبصير الشباب وتوعيتهم وهذا ما تسعي أيضا الجمعية المصرية لقانون الإنترنت للوصول إليه. الشيخ سالم عبد الجليل وكيل وزارة الأوقاف لشئون الدعوة والارشاد يري أن المواقع الإرهابية الإلكترونية التي تأخذ من الدين الإسلامي ستاراً للترويج إلي أفكار متطرفة يكون الإسلام بريئا منها لأن الإسلام لا يعرف العنف بل يدعو إلي السلام مصداقا لقوله عز وجل "أدفع بالتي هي أحسن. فإذا الذي بينك وبينه عداوة كأنه ولي حميم" أي يجب علي المسلم الحق أن يقابل الإساءة بالإحسان وأن يتحلي بتعاليم دينه ولا يمنعه هذا من الدفاع عن استرداد الحقوق المغتصبة فالإسلام دين يحرم العدوان ويحارب الظلم ويحترم النفس الإنسانية. وإن لاقت هذه المواقع إقبالا كبيرا من قبل بعض الشباب فهذا يرجع إلي الجهل بأحكام الدين الصحيح الذي هو بمثابة منهج شامل لحياتنا بجميع جوانبها في ظل التدين الشكلي القائم علي المظهر دون الجوهر. والأمية الدينية التي تنتشر بين الكثير من شبابنا في الآونة الأخيرة. يؤكد الشيخ سالم علي أن الخطاب الديني المقدم إعلاميا ليس بالخطاب الأمثل والمطلوب حاليا لمواكبة هذا التطور التكنولوجي الذي صاحبه الكثير من الأفكار المسيئة للإسلام أن يقابل برؤي مستنيرة تستطيع الوقوف أمام الهجمة الشرسة والأفكار المغلوطة التي تبث باسم الدين ومن هنا لابد من إيجاد برامج تعمل علي محو الأمية الدينية ونشر أفكار الدين الحق لتحصين الشباب من الوقوع في شرور هذه المواقع مثلما حدث مع كثير من الشباب المسلم الذي انجرف وراء السفر إلي أفغانستان حيث الجماعات التي تدعو إلي الجهاد فكان أحد ضحايا هذه الأفكار.