نقلا عن موقع الإسلام اليوم : بداية.. لماذا يدور كل هذا اللّغط حول الثقافة الجنسية؟ المجتمع التقليدي الآبائي, غالباً ما يعيب تداول الألفاظ الجنسية و ينفر منها, معتقداً أنها من دواعي الأحوط في فك الارتباط بين الشباب وبين الوقوع في الرذيلة, ويصف الثقافة الجنسية بأنها من "الإباحية", ويجهل أن الإباحية ليست في تداول الألفاظ ونشر أدبيات التربية الجنسية بالطرق العلمية والشرعية, بل إن الإباحية أوضح ما تكون في استباحة حقوق الغير, و تضاؤل سلم القيم الاجتماعية وخاصة المتعدية للغير, كالصدق والتعاون والأمانة والإيثار, وشيوع ثقافة الاستغفال و الاستحواذ والأنانية, بحسبها مقومات النضج في الشخصية الاجتماعية. ولأننا لم نعتد الكلام في العموميات المباحة بشفافية, على الرغم من الحديث الكثير عنها في الخلوات والجلسات الخاصة, وبغياب المفردات الفقهية الإسلامية عن التداول اليومي في المشهد الإعلامي التي يعبر بها عن الثقافة الجنسية, وأيضا سطوة وتوّغل اللفظ الوافد وانتشار المفردة الحديثة, وتغوّل ثقافة العيب, أدى هذا كله إلى تضاؤل الثقة في المنتج التراثي للألفاظ والنصوص التي ترسم العلاقة البينية بين الرجل والمرأة, في إطار الجنس المشروع. فلو قمنا بعملية مسح عيني لكتب الفقه المعتمدة في المذاهب الإسلامية, لوجدنا تخصيص الفقهاء والعلماء لأبواب مثل النكاح، وتداول مصطلحات مثل الوطء والوقاع والجماع والسحاق والاستمناء, وهي مصطلحات لا تدل إلاّ على العمليات الجنسية, وشرح وتفصيل عمل الأعضاء التناسلية, بل إن قاموس الجنس عند العرب يدل على ثراء وغناء اللغة العربية في مجال الثقافة الجنسية, وكل هذا يعني إن العرب والمسلمين حين وثقوا بأنفسهم وبمواردهم العلمية والثقافية, كان الحديث عن الجنس-النكاح- أمراً اجتماعياً عاماً, ولم يكن الاستيحاش من تداول مفردات ثقافة الجنس. فهذا الجدل القائم حول مشهد التثاقف في أمور الجنس الفطري مرده هذه الأسباب الآنفة الذكر, وأهمها الاستيحاش من المفردات الجنسية الجديدة والوافدة, نظراً لما يكتنف بيئتها الصادرة عنها من ارتفاع سقف الحرية الجنسية. وربما مرّ هذا الاستيحاش من ذكر الأعضاء الجنسية في زمن الإمام الحافظ ابن قتيبة الدينوري, (ت 276 ه) الذي لقّبه ابن تيمية (بحجة الأدب المنتصب للدفاع عن أهل الحديث)، ويمثل كتابه "تأويل مختلف الحديث" هذا الاتجاه في التأليف؛ فقد وضعه ليوفق بين الأحاديث التي يُدَّعى فيها التناقض والاختلاف. هل ترى أن نشر الثقافة الجنسية مهم للدرجة التي تتسبب في كل هذا اللّغط؟ ربما يكون السؤال كالتالي: لماذا يأتي اللغط في نشر ثقافة الفطرة, وتنزيل الآداب الشرعية منزلة الممارسة والسلوك اليومي في الخضم الاجتماعي؟ فحين نسمي الأشياء بأسمائها ونتناول أدبيات الفطرة الإنسانية, بغير فحش اللفظ وقتامة النص, ونؤطر ذلك بالألفاظ العلمية العرفية والشرعية, لن يكون هناك مجال لحبس هذه المعرفة, وعدّها من أسرار الخلوات, ولا التوجّس بحسبانها وافداً أجنبياً تلزم مناكفته. إن التطهير الحقيقي لسلوكيات ووسائل الوعظ الاجتماعي, ليس بمنع تداول فنون المعاشرات الزوجية الحديثة, والنظر إليها وكأنها رجس مقيت, والتواثب لمنع إصدارتها وتعلمها ونشرها, بل بقبولها وتشجيع مبادراتها, وتوزيعها كعمل خيري بالمجان, فالتحصين الاجتماعي بالهدي النبوي ونشر الآداب المرعية في حقل المداعبات الجنسية, وتثقيف الشاب بها, وتهيئتهم قبل الزواج, فِعْل محمود سنجد آثاره بعد تكوين الأسرة الجديدة. وهل هناك خطوط حمراء فيما يختص بالثقافة الجنسية ونشرها؟ بمعنى هل هناك ما يجوز معرفته وما لا يجوز معرفته؟ ليس هناك خطوط حمراء أو خضراء, بل هناك مقادير ومصطلحات وألفاظ تناسب المراحل العمرية والدراسية والثقافية للإنسان؛ فمن المعتبر عرفاً أن كل ممنوع مرغوب, فإذا لم يكن ممنوعاً, أصبح البحث عنه, واختراق الموانع للتعرف عليه, أمر غير مرغوب, وثانوي, وغير مهم, ولكن حين تصبح الخطوط رمادية, فإن الرؤية حتى في نمذجة وتطبيق الآداب الشرعية في فنون المداعبة والملاعبة ومقدمات الجماع (الثقافة الجنسية) تصبح خطوطاً حمراء وطرقاً مقفلة, ويصبح الهدي النبوي في المعاشرة الزوجية مسكوتاً عنه أو مستغرباً منه. ما الحدود التي يجب الوقوف عندها؟ حدود الله, حدود العلاقات المحرمة, والوسائل المؤدية إليها, أما شرح ونشر وتطوير وتنمية العلاقات الجنسية في الحياة الزوجية, فلن يؤدي إلى تخطي حدود الله, بل بالعكس ينتج حياة أسرية مليئة بالجديد والمفاجآت الجنسية بين الزوجين. إن الرتابة في شكل العلاقة الجنسية بين الأزواج تؤدي إلى الملل, مما ينعكس على حيوية الجو الأسري, الذي يجب أن يكون مفعماً بالجديد واللذيذ في الوجبات الجنسية, مثل بل أكثر من التجديد في وجبات الطعام, وتجديد أثاث المنزل, وتجديد الملابس والأزياء؛ لأن العلاقة الحميمة في بيت الزوجية عنصر أساس في متانة واستدامة السعادة, ومن أهم عوامل نجاح العلاقات الحميمة البحث عن الجديد والمفيد في أنواع وفنون الممارسات الجنسية. ما المرحلة العمرية التي ترى أنها مناسبة لكي يتم فيها توعية الشباب بأهمية الثقافة الجنسية؟ منذ سن السابعة للطفل، وخاصة في مرحلة البلوغ والاحتلام؛ أي في السن الخامسة عشرة وما بعدها, يمكن إعطاؤه جرعات توعوية, تتناسب مع القدرة الذهنية والإدراك, لكي نحمي أطفالنا وشبابنا من الضلالات والإغواءات الجنسية التي تصل إليهم أو هم يصلون إليها عبر وسائط الاتصال الحديثة, ولا يزال -ومنذ عشرات السنين- يُدرّس في مراحل الكفاءة و الثانوية, وفي المعاهد الدينية, فقه النكاح, وما تفرع منه, مثل الوطء والجماع وموجبات الغسل, وخلافه من موضوعات تُعدّ بالنسبة لسن المراهقة فتحاً جديداً في التعرف على أبجديات التطهر من النجاسات الصغرى والكبرى مثل الجنابة, والتعرف على الأعضاء التناسلية بأسلوب علمي. وحتى لا يبحث المراهق عن زيادة في هذه المعلومات التي تخص جسده الناشئ, في أدبيات مشبوهة يُقدّم ذلك له بأسلوب توضيحي متدرج وعلى مقاعد الدراسة. لم يعد أطفالنا وشبابنا لا يعلمون شيئاً عن أبجديات الجنس, أو ربما حسبناهم كذلك, فنعفي أنفسنا من مسؤولية توفير البديل الشرعي, ونتعلل بقدرة العولمة وطغيانها, وننسى تجهيز الملائم لهم. إن تثقيف المتزوجين حديثاً أو الذين هم على أبواب الزواج من الشباب بالتربية الجنسية, وفنون الغرام, والملاطفات الزوجية, وطرق الاتصال الجنسي, والغزل السريري في عش الزوجية, أمر حتمي, بعد تقارب خطوط التماس بين عادات وطقوس الزواج بين الشعوب، وانتقال التقاليد عبر الأثير التقني بسرعة الضوء, وخاصة بعد غزو البث الفضائي واختراق البنية التحتية لعوائدنا, وتهديد خصوصيتنا, واجتراح هويتنا. برأيك: ما الأكثر ضرراً.. غياب الثقافة الجنسية بشكل كامل أم تواجدها بالشكل غير المناسب لها؟ ليس هناك غياب بل تغييب ما هو فطري وشرعي, ليحلّ محله ما هو مثير ومستهلك وسطحي ومبتذل. إن عدم وجود ثقافة جنسية كاملة بلغة وبأسلوب تربوي وفقهي محدّث, سيحل محله ما هو نقيض له أو بديل سيئ يخاطب الغرائز بغرض إثارتها, بدل تهذيبها وترشيدها وإدارتها بأسلوب علمي, يراعي مقتضى المرحلة العمرية, والعرف الاجتماعي, والحاجات الفسيولوجية للإنسان. ينبغي توفير كتب الثقافة الجنسية في المساجد ومكتبات المدارس والمكتبات العامة بعناوين واضحة وصريحة، وبكلام مباشر وليس مواربة, يجب ألاّ نخجل ولا نتردد في تعليم الناس سنن وهدي النبي -صلى الله عليه وسلم- في طرق المعاشرة والجماع, وأن نتعلم كيف نصنع المودة والرحمة التي جعلها الله بين الأزواج, بل نتعلم كيف نبدع في الحب وممارسة الحب, وكيف نجعل من برنامج التقوى اليومي مشاعر في الحب والغرام والمودة بين الزوجين في البيت المسلم. وإن لم نفعل ذلك، ونقدم الهدي النبوي في فنون المداعبة والملاعبة للشباب المتزوجين أو المقبلين على الزواج, تلقّفتهم منابر إعلامية أخرى تقدم لهم وجبات هابطة، أو تزين لهم الرذيلة بقالب الحب خارج مؤسسة الزواج الشرعي, وقدرة الإسلام في إدارة وإشباع الفطر الإنسانية، وخاصة الفطرة الجنسية وتهذيبها فوق الشك والريب. كيف كان يتصرف الناس في سالف الأزمان فيما يختص بنقل هذه الخبرات إلى الأجيال الشابة؟ ولماذا تزايدت الحاجة إلى مثل هذه الثقافة في الوقت الحاضر؟ حينما تثق أمة بنفسها, تتنوع ثقافتها، وتتحرر من المخاوف، وتنتج أدباً وفقهاً وعلماً في كل مجالات الإنسان والحياة؛ فلا تعتبر الحديث والتأليف عن الجنس عيباً ورذيلة أو سوء خلق, لكن الأمة أو المجتمع أو الشعب أو الثقافة حين تتخلف وتتوقف, فلا تعد قادرة على الثقة بنفسها ولا بقيمها؛ فتعدّ التأليف عن الجنس تردياً وانحلالاً وفسقاً. كان القضاة والفقهاء في العصر الإسلامي الوسيط أول من بدأ بتدوين وتأليف حكايات الجنس وأسرار وأحكام الجماع والوطء والحديث عن طرق المعاشرة, وكانوا يسمون الأشياء بأسمائها بتصريح دون تلميح, وكانت كتبهم يحدث بها من باب نشر العلم والأدب وتعليم الناس أخص أمور العلاقة بين الرجل والمرأة. كان الفقهاء والقضاة يكتبون ويؤلفون في ذلك، وهم يحكمون بين الناس، ويؤمون الناس للصلاة, وما من أحد عدّ ذلك انحرافاً عن السبيل القويم أو خروجاً عن الملة أو انتكاساً في الفطرة. ويذهب صلاح الدين المنجد في كتابه (الحياة الجنسية عن العرب) إلى أن ظهور المؤلفات الجنسية في العالم العربي والإسلامي يرجع إلى بداية القرن الثالث الهجري. ومن المؤسف أننا لم نحتفظ بكل شيء, ف"فهرس" ابن النديم يعطينا في نهاية القرن العاشر عناوين مائة دراسة فُقدت كلها, وبعضها لا يزال مخطوطاً في الخزانات العمومية أو الخاصة الغربية أو الشرقية. لقد كان السياق الاجتماعي مؤهلاً لتداول الخبرات والمعارف وأدبيات النكاح- الجنس- كمثل الكلام المتداول عن أي شيء طبعي من أمور الحياة, لذلك لم تنشأ أزمة نقل الثقافة الجنسية بين الأجيال. فكان السلف الصالح من التابعين -رضوان عليهم- يتذاكرون في مجالس العلم وتفسير القرآن فن الملاعبة ففي كتاب "جامع البيان في تأويل القرآن" للعالم الحافظ المفسر محمد بن جرير الطبري (310- 224) ه عند تفسير قوله تعالى: (وَيَسْأَلونَكَ عَنِ الْمَحِيضِ قُلْ هُوَ أَذىً فَاعْتَزِلُوا النِّسَاءَ فِي الْمَحِيضِ وَلا تَقْرَبُوهُنَّ حَتَّى يَطْهُرْنَ فَإِذَا تَطَهَّرْنَ فَأْتُوهُنَّ مِنْ حَيْثُ أَمَرَكُمُ اللَّهُ إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ التَّوَّابِينَ وَيُحِبُّ الْمُتَطَهِّرِينَ) قال: حدثنا تميم قال، أخبرنا إسحاق، عن شريك، عن ليث قال: "تذاكرنا عند مجاهد الرجل يلاعب امرأته وهي حائض، قال: اطعن بذكرك حيث شئت فيما بين الفخذين والأليتين والسرة، ما لم يكن في الدبر أو الحيض". كيف يمكن استجلاء –بوضوح- موقف الإسلام من الثقافة الجنسية؟ بقراءة وفهم الإسلام كدين جاء ليتناسب مع الفطرة البشرية بدون إفراط ولا تفريط, فمما لفت الإسلام إليه النظر مثلاً, ألاّ يكون كل هم الرجل قضاء وطره هو دون أي اهتمام بأحاسيس امرأته ورغبتها. ولهذا رُوي في الحديث الترغيب في التمهيد للاتصال الجنسي بما يشوّق إليه من المداعبة والقبلات ونحوها، حتى لا يكون مجرد لقاء حيواني محض. ولم يجد أئمة الإسلام وفقهاؤه العظام بأساً أو تأثّماً في التنبيه إلى هذه الناحية التي قد يغفل عنها بعض الأزواج؛ فنجد الإمام السلفي الورع التقي أبا عبد الله بن القيم يذكر في كتابه "زاد المعاد في هدي خير العباد" هديه صلى الله عليه وسلم في الجماع. ولا يجد في ذكر ذلك حرجاً دينياً، ولا عيباً أخلاقياً، ولا نقصاً اجتماعياً، كما قد يفهم بعض الناس في عصرنا. إن العلاقة الجنسية بين الزوجين أمر له خطره وأثره في الحياة الزوجية. وقد يؤدي عدم الاهتمام بها، أو وضعها في غير موضعها إلى تكدير هذه الحياة، وإصابتها بالاضطراب والتعاسة. وقد يفضي تراكم الأخطاء فيها إلى تدمير الحياة الزوجية والإتيان عليها من القواعد. وربما يظن بعض الناس أن الدين أهمل أصول وقواعد وأدبيات العلاقة الجنسية على الرغم من أهميتها. وربما توهم آخرون أن الدين أسمى وأطهر من أن يتدخل في هذه الناحية بالتربية والتوجيه، أو بالتشريع والتنظيم، بناء على نظرة بعض الأديان إلى الجنس "على أنه قذارة وهبوط حيواني". وقال ابن القيم -رحمة الله- في كتابة زاد المعاد: "ومما ينبغي تقديمه على الجماع ملاعبة المرأة وتقبيلها ومصّ لسانها. وكان رسول الله -صلى الله عليه وسلم- يلاعب أهله، ويقبلها. وروى أبو داود: "أنه صلى الله عليه وسلم كان يقبل عائشة ويمصّ لسانها"، ويُذكر عن جابر بن عبد الله قال: "نهى رسول الله صلى الله عليه وسلم عن المواقعة قبل المداعبة"، وهذا كله يفتح الباب لتعلم فنون الملاعبة والمداعبة؛ لأن جسد المرأة وجسد الرجل قارات ينبغي على الزوجين اكتشاف المناطق الساخنة والمثيرة فيها وتعلم مهارات الإبداع في الإثارة، وهي طريق الوصول لقمة اللذة في الجماع والحرث, وثقافة المداعبة والملاعبة التي تشمل أشكالاً كثيرة، وفنوناً واسعة, تجسيداً للهدي النبوي في ذلك, ولابد من تشجيع الحوار و التفاهم والمصارحة بين الأزواج، وعدم الخجل من المثاقفة حول هذه المسائل، وهو المتسق مع هدي الإسلام، وهو السبيل إلى الانسجام بين الزوجين، واستمتاع كل منهما بالآخر. المؤيدون للثقافة الجنسية هل هم الأقوى صوتاً أم الأضعف؟ ثم ما النجاحات التي حققتموها حتى الآن..؟ هل نجحتم في إيصالها للمدارس أو نحو ذلك؟ بل قل: المنادون لفتح صفحات منسية من أدبيات الإسلام والفقه الشرعي لمزيد التفقه والفهم لشرع الله بعيون واثقة من دينها وسنة نبيها صلى الله عليه وسلم, الذي صح وثبت في أحاديث كثيرة عنه كلامه المباشر والصريح في أدب الجماع والمعاشرة الزوجية, ولم يستنكف جيل الصحابة والتابعين عن نقل ودراسة هذه الآداب النبوية والتحدث عنها بالمساجد ودور العلم, فكان صوت السنن والآداب النبوية هو الأعلى؛ لأن الناس كانوا يقرؤون الإسلام بعقول واثقة تتدبر الدين والدنيا معاً. ستتواصل النجاحات بإيصال صوت دين الفطرة ومباحات المثاقفة الجنسية, كلما اجتهد الناس في الثقة بأن الحق أحق أن يُتّبع وألاّ تطمس "ثقافة العيب" ثقافة السنن النبوية, والخطوة الجديرة بالنظر ما تم من تبني المنابر الإعلامية الإسلامية الموثوقة-مجلات ومواقع إنترنت- نشرَ الدراسات العلمية والمقالات والفتاوى في الثقافة الجنسية, وإبراز الأحاديث النبوية الواردة في الصحيحين عن هذا الموضوع. هل تعتقد أن نشر هذه الثقافة سيسبب صدمة للمجتمع في البداية قبل أن يتعود عليها؟ كل فقه للدين يُبعث من طيّ النسيان، ويُنشر ويتداول يحسبه بعض الناس خلافاً للآداب الشرعية بسبب الران الاجتماعي. سيتم التعامل معه بالرفض والاعتراض، ثم لا يمكث الناس طويلاً حتى ينجذبوا له، ويسعوا لتعلمه كموئل للخير يدعو له الدين. وهكذا في كثير من المعالم للمدنية الإسلامية, التي اندرست بفعل الصدمة الحضارية الحاضرة. هل هناك فروقات بين المجتمعات العربية في تقبل هذه الثقافة أو رفضها؟ بقدر المحافظة ونسبة ودرجة الانفتاح تكون الفروقات بين المجتمعات العربية في تقبل الثقافة الجنسية أو رفضها؛ فالمجتمع المحافظ المنكفئ على إرث العادات, والنزاهة الخادعة والتطهر الموهوم, وقانون العيب في المجتمع الذي يرفض أو يتوجس من بعض أهداب وآداب الدين المغيب عنها, والمجتمع الذي يضيق -حتى في الفضاءات الواسعة لسماحة الإسلام- سيضيق بهذه الثقافة ولا يقبل الكلام عنها. والمشكلة في بعض المجتمعات العربية التي يتشكل على سطح الجسم الاجتماعي فيها التمظهر بالمحافظة وما يمور تحت السطح خلاف ذلك, ما يظهر فوق القشرة الخارجية لجسم المجتمع خلاف ما تحت القشرة, وهنا يخدع هذا المجتمع نفسه فلا هو الذي أعلن بكل ثقة انتمائه للانفتاح وقرأ مستجدات التحول الطارئة عليه, بعقل ناقد سؤول, ولا هو الذي حافظ على تماسكه ضد الانجراف مع الأمواج العاتية التي تحيط بسفينته. أين يقع المجتمع السعودي في هذه المعادلة؟ أرافض هو تماماً أم مستجيب؟ يخطو المجتمع السعودي في تقبل الجديد المنسجم مع دينه وإسلامه خطواته للأمام مترقباً دفعة من الثقة, متوجساً من القراءات الجديدة في متون الأدبيات الشرعية, وهذا مربك للخطو ويزيد من قدرة موانع الانطلاق, مما يشكل الاضطراب الاجتماعي غير الصحي على مجمل الظواهر الاجتماعية ويساعد في التعثر كثيراً, فلا التماسك يظل قوياً ورشيداً وممكناً, ولا تجاوز الهزات والصدمات في مسار التحوّلات يسلمه للشاطئ الآمن. وربما جنوح بعض الروايات السعودية الحديثة في الإسفاف الوصفي الجنسي يزيد من ظاهرة التردّد في قبول الناس لتداول الثقافة الجنسية الشرعية. مسألة نشر الثقافة الجنسية يثير أيضاً سؤالاً مهماً عن المصادر التي تُستقى منها هذه الثقافة ومدى أمانتها.. كيف يتم الاستيثاق من هذا الجانب؟ المصادر والمراجع الآمنة والموثقة والموثوقة في شرح وتفسير الآيات القرآنية و الخاصة بأمور النساء ومقدمات الجماع وحسن المعاشرة, وكذا مراجع ومصادر الأحاديث الصحيحة والثابتة عن النبي -صلى الله عليه وسلم- وكتب شرح الأحاديث. كل تلك المراجع أصبحت معروفة ومتوفرة, أصبح بعدها سهولة التمييز بين الحكايات المسطرة للترويح, وبين الآداب الشرعية في خصوصيات المعاشرة الزوجية, وفنون المداعبات ومقدمات الممارسات الجنسية التي كانت سلوكيات الناس في عصر الصحابة والتابعين -رضوان الله عليهم أجمعين- تطبيقاً وإحياء للهدي النبوي. المشكلة تقع عندما يتم التعبير عن فن المداعبة الزوجية, وآداب المعاشرة, بمفردات وألفاظ ليست في هذه المراجع الآمنة, بحكم قاعدة: أن لا مشاحة في المصطلحات، وأن المفردات والألفاظ تحكمها قوانين اجتماعية, فتخضع للتغير والتطوير والتبديل لكن تظل الدلالة والحكم الشرعي كما هو وإن تم التعبير عنه بمصطلح أو مفردة حديثة، وهنا يتبادر للذهن أنها (المصطلحات والألفاظ الجديدة) تحمل معها ثقافة وافدة ويكتنفها سوء الظن بها, وهنا يتم تداولها على استحياء, وربما رُفضت. و دور الباحثين استخراج ما في هذه المصادر الإسلامية الآمنة من كنوز غنية بأدبيات ومفردات الثقافة الجنسية, على أن تتم مقابلة تلك المفردات والألفاظ التي لم تعد دارجة ولا مستعملة بالأخرى الحديثة المطابقة لها, وهنا تصبح المراجع والمصادر الأمينة موئلاً يُستقى منه هذه الثقافة بلا خوف أو تردّد.