تخرج ظاهرة الاتجار بالبشر بتجلياتها المختلفة في المغرب من خانة المحظورات لتشكل موضوع اهتمام جدي معلن من قبل السلطات العمومية والمجتمع المدني، ينتظر أن يتجسد في التعديلات الجارية على مشروع القانون الجنائي، والذي يثير جدلا واسعا في المملكة على خلفية حقوقية بالأساس. وإن كانت المنظمات الناشطة في مجال حقوق الانسان ما فتئت تدق أجراس الإنذار حول بعض مظاهر هذه الظاهرة من قبيل تهريب البشر والاستغلال الجنسي للنساء والأطفال في إطار اقتصاد الدعارة المحلي والعابر للحدود، وغيرها، فان الظاهرة بصدد التبلور في أجندة الدولة، ولأول مرة في سياق مقاربة شمولية، كما بدا من خلال لقاء عقده مؤخرا وزير العدل والحريات، حول دراسة تحدد استراتيجية مواجهة آفة ذات أبعاد محلية ودولية. برز خلال ذلك اللقاء الذي نظم بتعاون مع مكتب الأممالمتحدة لتمكين المرأة، عبر انشغال مغربي أساسي بالضحايا الأكثر هشاشة وتعرضا للمناورات الاجرامية لشبكات الاتجار بالبشر، ويتعلق الأمر بالنساء والأطفال. فقد شدد وزير العدل مصطفى الرميد على أن "خطورة جريمة الاتجار بالبشر تزداد من منطلق أنها تستهدف النساء والأطفال بالخصوص" ولمح الى ظاهرة تهجير الفتيات الى الخارج لاستغلالهن جنسيا حين تحدث عن "التغرير بهن وتهجيرهن بداعي العمل." ولا يتضمن القانون المغربي تحديدا خاصا لجريمة الاتجار بالبشر وان كان يجرم جل أشكاله. ويواجه القضاء الجرائم التي تستهدف النساء والأطفال من خلال تدعيم المحاكم بخلايا خاصة لحماية هذه الشريحة والتكفل بها في مواجهة حالات سوء المعاملة والعنف. هل سيحل التنصيص القانوني على تجريم الاتجار في البشر وتشديد بنوده العقابية هذا المشكل؟ يقول الفاعلون الحقوقيون إن الشق القانوني ليس إلا واجهة تبقى محدودة النجاعة ما لم تكن مصحوبة بانكباب على معالجة الهشاشة الاجتماعية واقتصادية للعديد من الفئات، والتي تجعلها لقمة سائغة في فم الشبكات الاجرامية المتاجرة في المآسي البشرية. في هذا السياق، تدعو الناشطة الحقوقية، وممثلة مكتب الأممالمتحدة لتمكين المرأة، ليلى الرحيوي، إلى توفير الحماية الاجتماعية والنفسية للضحايا من خلال انشاء خلايا لاستقبال الضحايا في مختلف المناطق، مذكرة بأن هشاشة أوضاع الضحايا تشجع شبكات الاتجار بالبشر على تطوير أنشطتها. ودعت الدراسة التي عرضها وزير العدل إلى تضمين القانون الجنائي نصا يجرم الاتجار بالبشر، ويفرض عقوبات مشددة على هذه الجريمة تأخذ بعين الاعتبار سن الضحية وخطورة الأضرار التي لحقت بها. أما في مجال حماية الضحايا، فأكدت الوثيقة على ضرورة العمل على الرفع من عدد مراكز الحماية الاجتماعية للأطفال والنساء ضحايا الاتجار ومن طاقتها الاستيعابية، مع الحرص على استقبال المهاجرين في هذه المراكز على قدم المساواة مع المواطنين المغاربة. وحصرت الدراسة أصناف الضحايا المشمولين بالحماية، وبينهم النساء المهاجرات المتضررات من الاتجار العابر للحدود، والاستغلال في العمل، واستغلال الأطفال المولودين من أمهات مهاجرات في التسول لجني المال، والاستغلال الجنسي للنساء، وإجبارهن على التسول، والنساء المغربيات ضحايا الاتجار العابر للحدود اللواتي يقع استغلالهن جنسيا وفي العمل، فضلا عن الاستغلال الجنسي للمغربيات بالمغرب، والأطفال المغاربة المستغلين في العمل الشاق.