استعرض رئيس هيئة حقوق الإنسان الدكتور بندر بن محمد العيبان جهود المملكة بقيادة خادم الحرمين الشريفين الملك عبدالله بن عبدالعزيز في مكافحة جرائم الاتجار بالأشخاص، مؤكداً في الوقت ذاته أن المملكة تدرك خطورة هذه الظاهرة الإجرامية وتعمل على مكافحته. جاء هذا خلال كلمته التي ألقاها في المؤتمر المقام بجامعة جونز هوبكنز في الولاياتالمتحدةالأمريكية تحت عنوان:"العناصر الاجرائية والموضوعية لملاحقة ومقاضاة حالات الاتجار بالبشر". وقال رئيس هيئة حقوق الإنسان الدكتور بندر العيبان: تدرك المملكة خطورة ظاهرة الاتجار بالأشخاص الإجرامية، وتعمل على مكافحتها من خلال سن إجراءات للمنع، والملاحقة القضائية، والحماية. وتابع: ففي الوقت الذي انضمت فيه لبروتوكول الأممالمتحدة لمنع وقمع ومعاقبة الاتجار بالأشخاص وخاصة النساء والأطفال، فإنها أيضا أصدرت قانوناً وطنياً لمكافحة جرائم الاتجار بالأشخاص يستوفي المعايير الدولية في المكافحة. كما أنها تشارك بفعالية في الجهود الإقليمية والدولية في هذا الجانب، ومن ذلك مشاركتها في صدور الاستراتيجية العربية لمكافحة جرائم الاتجار بالأشخاص، والقانون العربي الاسترشادي لمكافحة جريمة الاتجار بالأشخاص، وكذلك القانون الاسترشادي الخليجي. المملكة تدين المتاجرين بالبشر ولا تعترف بحجة «رضا الضحية» وأضاف: ان قانون مكافحة جرائم الاتجار بالأشخاص في المملكة يجرم كافة صور الاتجار بالبشر بغض النظر عن الوسيلة المستخدمة في الاستغلال، وهذا القانون لا يعتد برضا الضحية؛ فالمسؤولية الجنائية تقوم في حق الفاعل حتى ولو رضيت الضحية بما وقع عليها من استغلال، مشيراً أن القانون لأغراض الاستغلال التي نص عليها البروتوكول يشمل غرضين جديدين لم يردا في البروتوكول هما إجراء التجارب الطبية والتسول، كما يشمل القانون عقوبات مشددة بالسجن الذي يصل إلى 15 سنة، والغرامة التي قد تصل إلى مليون ريال، ومصادرة الأموال والأدوات التي استعملت في الجريمة أو معدة للاستعمال فيها.كما يشمل التجريم الشخصيات المعنوية كالشركات؛ إذ تصل الغرامة إلى 10 ملايين ريال. وشدد د.العيبان على ان مكافحة جريمة الاتجار بالأشخاص لا يجب أن تقتصر على نصوص التجريم والعقاب؛ فعملت المملكة على تطوير التشريعات والآليات الأخرى التي تساهم في المكافحة كدراسة أسباب جريمة الاتجار بالأشخاص، وتوعية الضحايا المحتملين وأفراد المجتمع، ومتابعة أوضاع الضحايا، وإنشاء لجنة وطنية دائمة لمكافحة جرائم الاتجار بالأشخاص تختص بمتابعة أوضاع الضحايا وتتألف هذه اللجنة من ممثلين من الجهات التالية: وزارة الداخلية، ووزارة الخارجية، ووزارة العدل، ووزارة الشؤون الاجتماعية، ووزارة العمل، ووزارة الثقافة والإعلام، وهيئة حقوق الإنسان. يجري العمل في المملكة على إصدار لائحة لتنظيم نشاط العمالة المنزلية وزاد: وتختص هذه بمتابعة أوضاع ضحايا الاتجار بالأشخاص لضمان عدم معاودة إيذائهم، ووضع سياسة تحث على البحث النشط عن الضحايا ووسائل التعرف على الضحايا، كما تضمن نظام مكافحة جرائم الاتجار بالأشخاص العديد من وسائل حماية الضحايا. ومن ذلك؛ إيداع الضحية أحد المراكز المتخصصة إذا كان في حاجة إلى مأوى، وتوفير الحماية الأمنية له إذا استلزم الأمر ذلك، وإيداع الضحية أحد مراكز التأهيل الطبية أو النفسية أو الاجتماعية إذا تبين أن حالته الطبية أو النفسية أو العمرية تستدعي ذلك،ومنحه الحق في الإقامة في المملكة وتسوية أوضاعه القانونية المتعلقة بذلك، وعرض الضحية على طبيب مختص لحاجته للرعاية الطبية أو النفسية، وإعلام الضحية بحقوقه القانونية بلغة يفهمها؛ لضمان مشاركته الإيجابية في إعطاء معلومات كاملة عن الجريمة تسهم في الوصول للجناة ومعاقبتهم. وأضاف: ان مكافحة جريمة الاتجار بالبشر جهد وطني ودولي على حد سواء عطفا على طبيعة هذه الجريمة باعتبارها من الجرائم المنظمة التي تعبر الحدود الوطنية؛ مما يجعل الجهود الدولية ضرورة قصوى. كما أن تبادل التجارب عبر الملتقيات العلمية، كما في هذه الندوة، يسهم في تعزيز الجهود الوطنية ويرفع من كفاءة الأجهزة المعنية بالمكافحة، كما خلص التقرير العالمي عن الاتجار بالأشخاص الصادر من مكتب الأممالمتحدة المعني بالمخدرات والجريمة عام (2009) إلى العديد من الاستنتاجات الجديرة بالدراسة والتأمل؛ ومن ذلك أن الاستغلال الجنسي يمثل أكثر صور الاتجار بالبشر شيوعا وبنسبة (79%)، ويليه العمل القسري بنسبة (18%)، في حين يمثل النساء ثلثي الضحايا. وهي نتائج - بحسب حديث د.العيبان- تستدعي توجيه تدابير المكافحة لمواجهة هذه الجريمة. وفي هذا الإطار،أوضح د. العيبان أنه صدر في المملكة قانون جديد للعمل في عام (2006)؛ حيث يحظر هذا القانون العمل الجبري، واحتجاز أجر العامل دون سند قضائي، ويؤكد على التعامل باحترام مع العامل، وعدم المساس بكرامته بأي صورة كانت. كما أنشأت وزارة العمل إدارة لرعاية العمالة الوافدة، وأصدرت كتيبا إرشاديا يُعرّف العمال بحقوقهم وواجباتهم. وصدر قرار وزاري يحظر بيع التأشيرات، ويعاقب على الإخلال بحقوق العامل. كما صدر قرار من مجلس الوزراء يعيد تنظيم علاقة العامل بصاحب العمل، بما في ذلك حظر حجز جواز سفر العامل، وإلغاء عبارة كفيل من نظام الإقامة. كاشفاً أنه يجري العمل حاليا على إصدار لائحة لتنظيم نشاط العمالة المنزلية، وإنشاء شركات وطنية لاستقدام العمالة بديلاً عن استقدام الأفراد؛ لتعمل هذه الشركات كوسيط وضامن لحقوق العامل وصاحب العمل، ولتلافي التجاوزات الفردية التي قد يرتكبها بعض الأفراد. وحول حماية حقوق الطفل والوقاية من العنف الأسري؛ قال د.العيبان انه أعد مشروع قانون حماية الطفل، ومشروع قانون الحماية من الإيذاء، ومن المؤمل أن يصدرا قريبا؛ ليمثلا حلقة مهمة في حماية حقوق الطفل والمرأة، والعمل بشكل غير مباشر في منع جرائم الاتجار بالأشخاص ومنعها. وفي مكافحة الفساد؛ بين أنه تم إنشاء الهيئة الوطنية لمكافحة الفساد؛ حيث ستعمل هذه الهيئة على مكافحة جرائم الفساد، بما في ذلك مواجهة جرائم الموظفين العامين المتعلقة بالاتجار بالأشخاص؛ حيث إن هذا الإجراء من التدابير المهمة لمكافحة إساءة استعمال السلطة لارتكاب أي من جرائم الاتجار بالأشخاص،أو حتى التستر على مرتكبيها. كما أكد د. العيبان أن من أهم وسائل الوقاية من جرائم الاتجار بالأشخاص؛ دراسة الأسباب والعوامل التي تؤدي إلى وقوع هذه الجريمة، وهذا الجهد ليس عملاً حكومياً فحسب؛ وإنما يجب أن تطّلع الجامعات، ومراكز البحوث، ومؤسسات المجتمع المدني؛ بجهود بحثية للمبادرة في تقصي ظاهرة الاتجار بالأشخاص،والوقوف على كل العوامل التي تعزز انتشار هذه الظاهرة الإجرامية، وأن من الإجراءات الاستباقية للوقاية من هذه الجريمة تضمين المناهج الدراسية الضمانات والحقوق الأساسية للإنسان، وخطورة استغلال البشر وانتهاك كرامتهم، لذلك فقد صدرت في المملكة موافقة سامية على برنامج وطني لنشر ثقافة حقوق الإنسان؛ تشترك فيه كافة الجهات الرسمية ومؤسسات المجتمع المدني، ونعمل في هيئة حقوق الإنسان واللجنة الوطنية لمكافحة جرائم الاتجار بالأشخاص على توعية القادمين للعمل في المملكة بحقوقهم القانونية لتلافي استغلالهم.