شهدت السنوات الماضية ثورة لم يسبق لها مثيل من حيث تكنولوجيات وقنوات التواصل والاتصال غيَّرت المشهد الإعلامي وأثرت في صناعة وتلقي المواد الإخبارية في العالم. ومع تطوّر هذه الأساليب، وجد الإرهاب فيها تربة خصبة لبث أفكاره والتواصل بحريّة وتجييش الشباب. دفع هذا الأمر عددا من البلدان إلى محاولة تحديد الأساليب المُستعملة لنشر العقائد المتطرفة وأيضا لرصد الأشخاص الذين لديهم ميول إرهابية ووضع حد لهم قبل انخراطهم في أعمال تخريبية تهدد أمن الدول. نشرت مؤسسة كويليام (Quilliam foundation) البريطانية، وهي مؤسسة أبحاث متخصصة في مكافحة الإرهاب تقريراً بعنوان اتجاهات الجهاد أو"Jihad trends" أشارت فيه إلى أن شبكة الإنترنت لا تشكل بالضرورة القناة الأولى، التي تغذي روح التطرف، بل نجد مساحات أخرى عديدة تسهل انتشار الفكر الجهادي كالمساجد، التي يديرها أئمة متطرفون والجامعات والسجون ووسائل الإعلام. يلحظ تقرير كويليام بدايةً أن "المساجد"، التي يديرها أئمة متطرفون توفر مساحة مؤاتية لأولئك الذين يسعون للتجييش وتغذية التطرف والإرهاب. ينطبق هذا الأمر على بعض المساجد في مدينة طرابلس في شمال لبنان، حيث تم تفكيك العديد من الشبكات الإرهابية في الأشهر الأخيرة. يوضح الشيخ والقاضي الشرعي محمد نكري أن" شيوخ الدعوة السلفية الجهادية لا يتبعون لدار الفتوى في لبنان ولكن لجمعيات خيرية تدير مساجد خاصة"، وبالتالي لا سلطة لدار الفتوى عليهم ولا على ما ينشرونه من أفكار متطرفة عن الإسلام. وفي السياق نفسه، اعتبرت جوديث ميلر من معهد مانهاتن في مقال لها في صحيفة وول ستريت جورنال نقلا عن دراسة أجرتها إدارة شرطة نيويورك أن "الابتعاد عن المساجد التقليدية يعتبر مؤشراً على بداية اعتناق الأفكار المتطرفة، فيرفض الشخص تعاليم الإسلام التقليدية مؤثِرا الخِطَب المتطرفة". وتستند ميلر في قولها هذا إلى التشدد الذي لوحظ عند تامرلان تسارناييف المتهم بتفجيرات ماراثون بوسطن عام 2013. فهو كان قد تشاجر مع إمام المسجد الذي اعتاد أن يصلي فيه كما أبلغ مقربون منه عن تغيّر مفاجئ في سلوكياته قبل أن ينفذ الهجوم الإرهابي. من ناحية أخرى، تلعب السجون دورا مهما في تجنيد الجهاديين وتلقينهم الأفكار المتطرفة. ويشير الدكتور بول طبر المختص في دراسات الهجرة في الجامعة الأمركية اللبنانية (LAU) إلى أن العديد من المسلمين الذين أدخلوا السجون الأسترالية بتهم بسيطة أو صغيرة تعرفوا داخل الزنزانات على شخصيات متطرفة لقنتهم عقائدها، وغذت أفكارهم بثقافتها. هذا ما يحصل أيضا في سجن رومية في لبنان، حيث يجري احتجاز القاصرين أو الشباب المسلمين مع متطرفين متمرسين، ما يسهِّل عملية تجنيدهم في صفوف منظمات راديكالية. يشرح المحامي محمد صبلوخ "أن المساجين في سجن رومية يوضعون من دون أخذ خلفياتهم وانتماءاتهم بعين الاعتبار". ينجح المتطرفون بكسب ولاء الداخلين حديثا من خلال التقرب منهم أو عرض الحماية عليهم، سواء من اعتداءات مساجين آخرين أو من سلطات السجن نفسها، التي توفر امتيازات خاصة للجماعات المتطرفة. "أما المساجين الذين يرفضون الانصياع إلى الخطاب المتطرف فغالبا ما يقعون ضحية المضايقات"، وفق صبلوخ. يشكل الإعلام عنصرا مهما آخر في نشر التطرف، وفقا لمؤسسة كويليام، التي ترى أن سهولة الوصول إلى الأخبار وتوزيعها شجعت ظاهرة التعصب الديني والفكري. وتأكيدا على ذلك أشارت عالمة الأنثروبولوجيا دنيا بوزار التي تعمل على حالات تجنيد المراهقين الفرنسيين من قبل منظمات متطرفة، أن جبهة النصرة تستخدم الأخبار والصور الوحشية للحرب في سوريا لجذب الفتيات الصغيرات للجهاد. يستغل المتطرفون الجامعات أيضا لتجنيد أتباعهم. هذا ما حصل مع ماجد نعواز البريطاني– الباكستاني، ومؤسس جمعية "كويليام"، الذي أورد في مذكراته بعنوان "راديكالي: رحلتي من التطرّف الإسلامي إلى الصحوة الديموقراطية" كيف التحق بالفرع البريطاني ل"حزب التحرير"، وهو حزب إسلامي متشدد يدعو إلى دولة إسلامية عالمية، ومن أعضائه البارزين الشيخ عمر فستق بكري، الموجود الآن في سجن في لبنان. وأخيرا تساهم شبكة الإنترنت بشكل كبير في بث العقائد الراديكالية. فقد اعتبرت مؤسسة كويليام أنه في الإمكان استعمال شبكة الإنترنت كوسيلة لتلقين العقائد الدينية من خلال تدمير المعتقدات السابقة وتسليط الضوء على العقائد المتطرفة وترسيخ أيديولوجية راديكالية. إزاء النزعة الجهادية المتزايدة في العالم انكبت الحكومات على رصد العوامل التي قد تساعد على تحديد الشبكات الإرهابية (Homeland Security) وكذلك تحديد الإرهابيين المحتملين. وفقا لتقرير صادر عن الأمن القومي الأمريكي، ثمة العديد من "العلامات أو الإشارات" التي تساهم في تحديد الأشخاص الذين لديهم ميول إرهابية قبل أن ينخرطوا فعليا في أي عمل تخريبي. فغالبا ما ينشأ لدى هؤلاء اهتمام في تصفح مواقع إلكترونية متطرفة، وينكبون على قراءة مواد تشجِّع على العنف، ويصبحون من المؤيدين والداعين إلى أعمال تخريبية بما فيه تأمين إمدادات أودفع الغير إلى ارتكاب أعمال إجرامية. كما يعمد بعضهم إلى تغيير أسلوب حياته فيبتعد عن عائلته وأصدقائه ويتخذ أحيانا اسما جديدا. يحاول هؤلاء أيضا السفر أو يُبدون اهتماماً في الانتقال إلى أماكن تشهد نزاعات مستمرة، حيث بإمكانهم الانخراط في معسكرات تدريب. هذا ما حصل مع محمد مراح الفرنسي من أصل مغربي، الذي نفذ هجوما إرهابيا في فرنسا عام 2012. فضلا عن ذلك، تعتبر النشاطات الإجرامية "إشارة أخرى" يجب التنبه لها بما أنها قد ترتبط ارتباطا وثيقا بالإرهاب، وفقا لتقرير صادر عن وزارة العدل الأمريكية. ذلك أنه غالبا ما يلجأ الإرهابيون إلى عمليات السطو والسرقات لتمويل نشاطاتهم، كما يعمدون أيضا إلى تصنيع بعض من أنواع الأسلحة والقنابل. ففي أيلول (سبتمبر) 2013 هاجم خمسة إسلاميين مطعم "كويك" للوجبات السريعة في باريس وسرقوا منه 2500 يورو لتمويل رحلتهم إلى تركيا ومن ثم الانتقال إلى سوريا للمشاركة في الجهاد. ينفذ الإرهابيون عموما عمليات السرقة والسطو بعيدا عن مواقعهم الأساسية لتجنب لفت الانتباه إلى أماكن تمركز المجموعة، وفقا لتقرير وزارة العدل. وبعيدا عن هذه العناصر جميعها، يبقى العامل النفسي وتفكك الأسر من أهم الأسباب التي تساهم في تأجيج هذه الظاهرة. فتامرلان تسارناييف قبل المشاركة في تفجيرات بوسطن شهد كيف تفككت أسرته بعد أن غادر والداه الولاياتالمتحدة عام 2010 عائدين إلى داغستان في الشيشان.