خمسون عاما باقية فقط، قد يتغير بعدها وجه الحياة في السعودية، ما لم تتخذ خلالها إجراءات تبعد عنها تداعيات نضوب النفط الذي ترجحه توقعات اقتصادية، ما يعني تهديد استدامة رخائنا نتيجة لتحولات ستفرضها الطبيعة على اقتصادنا الذي سيتحول من اقتصاد يعتمد في 85% منه على النفط، إلى اقتصاد آخر غير نفطي، بما يعنيه ذلك من تراجع في مستويات الإنفاق ومن ثم تدني مستويات المعيشة. تسريع التحول مطلوب -------------------------- ما ينبغي على السعودية التركيز عليه خلال الأعوام القادمة هو تطوير الكوادر البشرية المؤهلة في مختلف التخصصات بما يساعدها على التحول بعد 30 عاما إلى مجتمع يستفيد فيه مواطنوه من خدمة بعضهم بعضا، في وقت ستكون فيه احتياطياتنا المالية قد تضاعفت. وبالتالي فإن الأزمة المرتقبة ستفيدنا ولن تضرنا لأنها تقلل من المنافسة الخارجية وتشجعنا على الترشيد والتركيز على الصناعة المحلية. لا داعي للتشاؤم من تداعيات انخفاض أسعار النفط على الاقتصاد، إذ لم تصل بعد إلى الحد المقلق، فالسعودية تصدّر 7 ملايين برميل نفط يوميا بخلاف مليونين ونصف المليون برميل تستهلكهما محليا. ويقدر احتياطي السعودية من النفط بنحو900 مليار دولار، وهو رقم هائل، في وقت توقعت فيه وزارة الطاقة الأمريكية تراجع إنتاج بلادها من النفط الصخري اعتبارا من 2018، ما يعني أن الأزمة لن تدوم لأكثر من عامين. وستظل الولاياتالمتحدة بحاجة إلى استيراد سبعة ملايين برميل يوميا لتعويض العجز بين إنتاجها البالغ 11 مليون برميل، واستهلاكها البالغ 18 مليون برميل. وستشهد المرحلة من 2015 إلى 2020 تحولا مهما، نتيجة عدم قدرة اللاعبين الرئيسيين باستثناء السعودية والكويت والإمارات والجزائر، على رفع سقف إنتاجها، ما سينعكس على أسعار النفط، التي سترتفع إلى 105 دولارات. وقال إذا واصلنا إنتاج 9 ملايين برميل نفط يوميا فإن وضعنا سيبقى جيدا. ولا أرى أهمية لتوقعات صندوق النقد الدولي بشأن العجز الذي توقعه في ميزانية السعودية في العام المقبل. فالملاحظ حتى الآن وجود فائض سنوي في الميزانية. ورغم ذلك، تبقى هناك حلول للتعامل مع النقص المحتمل في التمويل كالاستدانة من البنك الدولي للوفاء بالدين العام التالي، أوتأجيل تنفيذ بعض المشاريع، أوترشيد الإنفاق. "الدكتور سداد الحسيني - نائب الرئيس التنفيذي السابق لأرامكو" *********** خطر غياب الاستراتيجية ---------------------------- تقدر أحدث التقارير احتياطي السعودية النفطي بنحو267 مليار برميل، على أساس معدل إنتاج ثابت يقدر ب 10 ملايين برميل يوميا، ما يعني أن العمر الزمني المتوقع لنضوب النفط هو73 عاما، لكنها تبقى مدة تقديرية مرتبطة بعدة أسباب منها تزايد عدد السكان، وزيادة الطلب على النفط السعودي، وزيادة الاستهلاك المحلي، وانخفاض الإنتاج في الدول الأخرى. لكن مع ذلك، يبقى الأمر مقلقا ويتطلب عملا جادا، وسرعة في دراسة البدائل والتحول إلى اقتصاد لا يعتمد على إيرادات النفط. ويجب ألا تغفل السعودية وسائر دول الخليج، من تطوير استراتيجيات بديلة للتحول إلى اقتصادات لا تعتمد على النفط. ولعل من المخيف، هجرة بعض الاستثمارات الخليجية إلى دول تمتلك مقومات اقتصادية مستقرة، إضافة إلى تعزيز دول الخليج لاستثماراتها الخارجية، ما يعد مؤشرا قويا على عدم توفر رؤية بعيدة وصحيحة وجادة فيما يخص الاستثمار في بدائل النفط. ويبدو أن الفساد هوما يعطل إيجاد استراتيجية لهذا التحول، وسينتج عن غيابها في نهاية المطاف فقر وهجرة بحثا عن لقمة العيش. ولا شك أن استثمار الشركات النفطية العالمية لنسبة كبيرة من إيراداتها في مجال بحوث الطاقة البديلة والمتجددة وتكنولوجيا النانو ليدعو شركاتنا النفطية إلى انتهاج استراتيجية مماثلة قبل فوات الأوان. وبالنسبة للسعودية، يكمن الخطر في اعتماد 85% من اقتصادها على إيرادات النفط، فيما لا تمثل الإيرادات الأخرى سوى 15%. وبالتالي، يجب أن تتجه الدول إلى تشجيع المستثمرين في شتى المجالات وتحفيزهم وتقديم المعلومات الكافية لصناعة القرار. "الدكتور عبدالوهاب القحطاني - أستاذ الاقتصاد بجامعة الملك فهد للبترول والمعادن" ********** فقر وهجرة وأشياء أخرى --------------------------- الفقر وهجرة الأحفاد بحثا عن عمل في الدول الغنية، ربما سيكون الاحتمال الأقرب إلى التحقق حال عدم المسارعة بتطبيق استراتيجيات للتحول باتجاه الاقتصاد غير النفطي. وستطال الهجرة أفضل الكفاءات والعقول، كما ستشمل رؤوس الأموال والاستثمارات. ومما يغذي هذا الشعور، النمو شديد الضعف للصناعات غير النفطية والتي لا تمثل في بعض دول الخليج أكثر من 3-5% من الناتج الوطني الإجمالي، بالرغم من النفط الذي ننتجه والذي يدخل كمكون أساسي في 400 ألف منتج لا ننتج نحن منها أي شيء، في حين أن الاعتماد على النفط لا يجب أن يتجاوز ال 30% فيما تتوزع نسبة 70% الباقية بين الصناعة والتجارة والسياحة والاستثمار في الزراعة خارج الخليج الذي يجب أن يرصد له ما لا يقل عن 100 مليار دولار، حيث ينتظر أن تشكل الصناعات الغذائية تحديا حقيقيا في السنوات المقبلة. ويقدر عمر الاحتياطي النفطي للسعودية ب 70 عاما، بإجمالي 280 مليار برميل، ومقابل كل 4 براميل نفط يكتشف برميل نفط واحد محليا، أي أن الاستهلاك أكبر من حجم الاحتياطي المتوفر. ولم يعد أمامنا سوى 25 عاما للتحول باتجاه الاقتصاد غير النفطي، لنحمي أنفسنا من تعطل المشاريع التنموية الناتجة عن نقص الميزانية نتيجة لتذبذب أسعار النفط لأسباب مختلفة، ولمواجهة تزايد الاستهلاك المحلي في وقود السيارات وتوليد الطاقة الكهربائية وتحلية المياه. ويسير الخليج في هذا الطريق من خلال مشاريع الربط المائي وسكك الحديد والمترو ومشاريع الطاقة البديلة. ولا بد من عمل جاد لتغيير ثقافة المجتمع الخليجي الاستهلاكي إلى مجتمع تنموي، وتطوير نظام العمل الإداري في الوزارات التي ما زال العمل دائرا فيها كما كان قبل 50 عاما. "حجاج أبوخضور - خبير نفطي كويتي" ************ الوصول لمستوى غير اقتصادي ----------------------------------- كميات الإنتاج ستنخفض إلى درجة مخيفة خلال 40 عاما من الآن حتى تصل إلى مستوى غير اقتصادي، وسيبدأ الانخفاض في الإنتاج عن المستويات الحالية خلال 20 عاما مع تضاعف في عدد السكان خلال الفترة ذاتها، ويعتمد الانخفاض على مقدار المبالغ المالية التي سوف نعتمدها لتعزيز الإنتاج، وهوما يزيد من التكلفة وإذا تساوى الإنتاج مع الاستهلاك المحلي، وقف التصدير، ومع وقف التصدير يتوقف الدخل وليس لدينا دخل مستقل عن المداخيل النفطية. ومعنى ذلك توقف الحياة، فيقل الاستهلاك المحلي وسنعود لتصدير ما يتوفر لدينا من الإنتاج. للأسف ليس لدينا خطط استراتيجية فعالة. فمنذ أكثر من أربعين عاما ونحن نتحدث عن الخطط الخمسية لتنويع الدخل، دون نتيجة. وأسباب فشل التحول الاقتصادي هو مستوى الدخل الكبير الناتج عن الإسراف في الإنتاج النفطي وفوائض الميزانية التي تزيد عن حاجة البلاد. الذي هو بمثابة مخدر الرفاهية الدائمة للجميع وقتل الطموح ونمو الاتكالية على الغير، لا بد من الحد من استنزاف ثرواتنا الناضبة وتقنين الإنتاج وتسريح الملايين من العمالة الوافدة لنخلق مجالا لعمل المواطن. استمرار هذا الوضع أمر خطير وبانخفاض دخل النفط، لن تكون لدينا أموال للاستثمار. وسيجد الشعب صعوبة في متطلبات حياته اليومية. ويزداد الأمر سوءا مع تكاثر عدد السكان غير المنضبط. ولن تكون هناك فرصة للهجرة، فجميع الدول سوف تكون آنذاك ملتهية بمشاكلها الخاصة مع ارتفاع تكاليف مصادر الطاقة، كما هو متوقع. "عثمان الخويطر - كاتب اقتصادي" *********** متى ستجف حقول النفط السعودي؟ ------------------------------------------ يبلغ حجم الاحتياطيات المؤكدة من النفط (أي كمية النفط التي يمكن استخراجها وإنتاجها بناء على أسعار وتقنيات الإنتاج المتوفرة اليوم) نحو 266 مليار برميل. وتنتج المملكة سنويا نحو 3 مليارات برميل، وبذلك ستكفي هذه الاحتياطيات لمدة 89 عاما من الآن. وهذه الفترة ليست بالطويلة في عمر الشعوب، فالطفل الذي يولد في 2015 أو 2020 قد يمتد به العمر ليرى اليوم الذي ننتج فيه كامل هذه الاحتياطيات. ولكن ماذا سيحدث بعد 89 عاما من الآن؟ هل ستجف حقول النفط في السعودية ولن يعود هناك ما يمكن إنتاجه؟ في الحقيقة الإجابة على هذا السؤال تعتمد على شيء واحد فقط لا غير؛ التقنية. تطور تقنيات استخراج وحفر البترول هو ما سيحدد مصير المملكة، ولكن كيف؟ في علم البترول هناك ما يدعى بالنفط الموجود أصلا في الأرض وهو يشير إلى كامل الكمية الموجودة تحت الأرض. وهذه الكمية في المملكة تبلغ أكثر بقليل من 700 مليار برميل. ولكن لا تستطيع أرامكو أو أي شركة أخرى إنتاج كامل كمية النفط الموجودة تحت الأرض، وبحسب التقنيات المتاحة فلن تستطيع أرامكو إنتاج سوى 50% من هذه الكمية، أي أكثر في حدود أعلى بقليل من 350 مليار برميل فقط، وهذا ما حدث بالفعل. فلقد أنتجت أرامكو خلال السبعين عاما الماضية نحو 100 مليار برميل تقريبا من النفط، وتبقى الآن نحو 266 مليارا تقريبا في الأرض. وبحسب أرقام قديمة تعود إلى 1992 اطلعت عليها «مكة» فإن المملكة كان لديها 298 مليار برميل من النفط المؤكد القابل للاستخراج. ومن الأرجح أنها أنتجت نحو 66 مليار برميل من النفط منذ بداية الإنتاج في 1938 وحتى ذلك العام، وتبقى 232 مليار برميل تقريبا. إلا أن أرامكو السعودية بفضل تقدم تقنيات الإنتاج استطاعت في السنوات الأخيرة رفع رقم الاحتياطيات من خلال وسائل حفر جديدة مثل الحفر الأفقي بدلا من الرأسي والذي يتيح للحفارات إنتاج كميات أكبر من المكامن من خلال الوصول إلى أماكن بعيدة داخلها. تعي أرامكو جيدا أن التقنية هي السبيل الوحيد لاستدامة إنتاج المملكة لسنوات تتجاوز العمر الافتراضي للحقول والبالغ 89 عاما، ولهذا السبب افتتحت الشركة مراكز بحوث لتقنيات الحفر وإنتاج النفط والغاز محليا في وادي الظهران وخارجيا في هيوستن والصين وباريس واسكتلندا لاستقطاب أفضل الباحثين والعقول والاستفادة من المصادر العلمية المتوفرة في تلك البلدان. وفي بداية العام الحالي قال المسؤولون في أرامكو السعودية إنها تنوي ضخ استثمارات كبيرة في الأبحاث لرفع معدل إنتاج الحقول من 50% إلى نحو 70%، وهو ما يعني أن المملكة قد تستطيع رفع الاحتياطي المؤكد من 350 مليار برميل إلى نحو 500 مليار برميل، أي إن المتبقي للنفط السعودي في حال نجاح أرامكو في ذلك سيكون 400 مليار برميل تقريبا بدلا من 266 مليارا. وبذلك سيمتد عمر النفط السعودي من 89 عاما إلى 167 عاما.