رسميًا، تم تسمية أحمد داوود أوغلو لرئاسة الحكومة التركية بعد أن تم تعيينه لرئاسة حزب العدالة والتنمية، ليكون أوغلو هو رئيس وزارء الحكومة ال 62 في تاريخ الجمهورية التركية. في خطوة يرى البعض فيها أنها كانت متوقعة، ومطلوبة من ناحية أخرى، فمن هو داوود أوغلو؟ وما هي الأسباب التي دفعت لترشيحه؟ وهل سيستطيع أوغلو أن يكمل مسار أردوغان في رئاسة الحكومة؟ اليكم التفاصيل بحسب التحقيق التالي من موقع "ساسة بوست": 1- من هو أحمد داوود أوغلو؟ يُعرَف أوغلو بكونه سياسيًا وأكاديميًا ومفكرًا وخبيرًا في العلاقات الدولية، من مواليد ولاية قونيا عام 1959، تخرج من كلية الاقتصاد والعلوم الإدارية من جامعة البسفور تخصص الاقتصاد والعلوم السياسية، ثم حصل على شهادة الماجيستير في الإدارة العامة ثم الدكتوراه في العلوم السياسية والعلاقات الدولية. في عام 1990م بدأ عمله كمدرس بالجامعة الإسلامية في ماليزيا، ثم أسس كلية العلوم السياسية في نفس العام ليترأسها بعد ذلك، ثم عمل في جامعة مرمرة قسم العلاقات الدولية ثم أكاديمية القوات المسلحة وكلية الحرب التابعين لهيئة الأركان التركية. في عام 2003 أسند إليه منصب "وزير متجول". له العديد من المؤلفات أشهرها "العمق الاستراتيجي"، بالإضافة إلى "الأزمة العالمية"، "السياسة الخارجية التركية بين النظرية والتطبيق". في 2009 عيّن أوغلو وزيرًا للخارجية التركية، وكان المستشار الأول لرئيس الوزراء رجب طيب أردوغان والرئيس عبد الله غول. في عام 2010 اختارته مجلة فورين بوليسي كأحد أهم مائة مفكر في العالم، وفي 2011 اختارته المجلة هو وأرودغان لدورهما في تحقيق النهضة لتركيا الحديثة. 2- ما هي الأسباب التي دفعت حزب العدالة والتنمية الدفع بأوغلو تحديدًا لرئاسة الجمهورية؟ بالإضافة إلى علاقته الحسنة بأردوغان، والانسجام والتوافق معه، واعتباره المنبع المفكّر له منذ أن عُيّن مستشارًا له، فإن داوود أوغلو هو أفضل من يمكنه العمل على تحقيق أهداف أردوغان وحزب العدالة والتنمية – الذي صار أوغلو رئيسًا له، متطلعًا لتركيا جديدة تواصل المسار الذي نهجه حزب العدالة والتنمية منذ أن تسلم السلطة في تركيا، والاستمرار حتى عام 2023 للاحتفال بمئوية تأسيس الجمهورية التركية، وأهم ما يميز هذا المسار، هو الحد من نفوذ المؤسسة العسكرية، والعمل على التنمية الاقتصادية والاجتماعية. وهو ما جعل أوغلو يأكد بعد الإعلان عن ترشيحه أنه سيواصل هذا النهج، وقال في تصريح له: " ستتواصل حركة الإصلاحات الكبيرة، التي تحققت في تركيا في آخر 12 عاماً، من دون كلل أو انقطاع". أمّا عن سياسة أردوغان في رئاسة الوزراء، فأوغلو يسير على نفس النهج حتى في عداوته للكيان الموازي، أنصار جماعة الخدمة وزعيمها "فتح الله كولن"وللمتربصين المعارضين لسياسات أردوغان وحزب العدالة والتنمية. ففي تصريح له قال أوغلو: "فليعلم الأشخاص، الذين يريدون إيقاف هذه المسيرة المباركة، تحت مسمى الكيان الموازي، أو أي اسم غيره، أن كادر حزب العدالة والتنمية، سيقف في وجههم وقفة تاريخية، كالصخرة، وسيستمر في الوقوف". من الناحية الأخرى فالعداءات له كانت نفسها في عهد أردوغان، وظهر ذلك حتى قبل أن يتولى مهامه الرسمية، فقد أبدت أحزاب المعارضة عدم ارتياحها لاختيار داوود أوغلو كزعيم لحزب "العدالة والتنمية" وبالتالي خليفة للرئيس المنتخب أردوغان. كما أكد كمال كلجدار أوغلو زعيم حزب الشعب الجمهوري أن اختيار أوغلو يعني أن "زمن رئيس الوزراء الدمية قد بدأ". يمكن القول ها هنا أن من أهم الأسباب التي دفعت باختيار أوغلو رئيسًا للوزراء، هو أنه بالرغم من أن أردوغان قد حاز على منصب رئيس الجمهورية، إلا أنه لا زال منصبًا شرفيًا، كما أنه لا يحق لأدروغان أن يستمر في رئاسة الوزراء لولاية رابعة تبعًا للدستور، فكان لا بد ممن يضمن لأردوغان تحقيق تطلعاته الشخصية لمنصب رئاسة الوزراء والرئاسة كلاهما معًا. 3- ما هي أزمة الدستور؟ وماذا يُقصَد تحديدًا بمنصب الرئاسة الشرفي؟ تبعًا للدستور الحالي لتركيا الذي وُضِع عام 1982م بعد الانقلاب العسكري للجنرال كنعان إيفرين، فإن النظام السياسي في تركيا هو نظام برلماني، ولرئيس الجمهورية بعض الصلاحيات المنصوص عليها في الدستور، لا يتخطاها إلا في حدود معينة، وقد أجريت بعض التعديلات البسيطة على الدستور منها – على سبيل المثال – أن انتخاب رئيس الجمهورية يكون من قبل الشعب مباشرة. يطمح أردوغان أن يحول النظام السياسي إلى نظام برلماني، لتعديل النظام السياسي لا بد من موافقة ثلثي البرلمان، أي 367 صوتًا، وحزب العدالة والتنمية يملك – حتى الآن وقبل الانتخابات البرلمانية في العام المقبل – 313 صوتًا، أما طرح دستور جديد للاستفتاء لن يكون سهلًا لا سيما وأن أعضاء لجنة صياغة الدستور بها أعضاء من جميع الأحزاب الرئيسية. تبعًا للدستور الحالي أيضًا فإن رئيس الجمهورية ملزم بتسمية رئيس الوزراء من الكتلة السياسية الأكبر – وهي حزب العدالة والتنمية – وهو ما سيمهد الطريق على أردوغان، ويلغي احتمالية وجود تحديات لسطلته؛ فوجود أوغلو في رئاسة الوزراء قد يمكّن أردوغان – ولو بشكل مؤقت – من الجمع بين ممارسة الرئاسة ورئاسة الوزراء. 4- يعتبر أوغلو من أهم المفكرين في تركيا فهو صاحب "العمق الاستراتيجي" كما يُطلق عليه .. فما هي أهم هذه النظريات؟ وما هي "العثمانية الجديدة"؟ تعتبر نظريات أوغلو هي مَن تشكل العمق الفكري السياسي لتركيا ولحزب العدالة والتنمية، والتي لم تتوقف على النظريات وفقط، بل شهدت تطبيقًا سياسيًا وممارسات دبلوماسية لها، ساهم في ذلك وجود أوغلو في منصب وزير خارجية تركيا. في كتابه "العمق الاستراتيجي" الذي أعيد طبعه أكثر من 17 مرة منذ صدور طبعته الأولى عام 2001، يشرح أوغلو الدور الاستراتيجي المأمول لتركيا والذي ينطوي على أبعاد حضارية، وثقافية، وتاريخية، وجغرافية، ودينية، فيجب أن يكون لتركيا دور فعال، ليس على المستوى المحلي فحسب، بل المستوى الإقليمي والدولي، فيرى أوغلو أنه لا بد من وجود سياسة تربط الخارج بالداخل، فالعلاقات الخارجية في رأيه تضيف قوة إضافية للدولة. يتناول الكتاب الإطار المفاهيمي والتاريخي لنقل تركيا إلى بلد محوري ومؤثر دوليًا، ثم الإطار النظري والاستراتيجية المرحلية، وأخيرًا مجالات التطبيق، الوسائل والاستراتيجيات، والسياسات الإقليمية. أما العثمانية الجديدة فهي نظرية تقوم على إعادة تركيا إلى مناطق نفوذ السلطة العثمانية خصوصًا الشرق الأوسط، مع التصالح مع العلانية التركية وإعادة صياغتها وتخفيف تطرفها، بالإضافة إلى شعار "صفر مشاكل مع الجيران"، وهو ما تراجع ما بعد الربيع العربي لتدهور العلاقات مع مصر وسوريا وإسرائيل. 5- ما هي أهم التحديات التي تواجه أوغلو في الفترة الراهنة؟ أهم التحديات التي يواجها أوغلو في فترة رئاسته للحكومة، هو الحفاظ على الاستقرار والحيلولة دون التخبط والتوتر قبل الانتخابات البرلمانية، في الوقت الذي يواجه فيه حزب العدالة والتنمية أعنف المواجهات والعداءات وحملات التشويه لمنعه من الاستمرار في السلطة والحصول على الأغلبية في البرلمان. عليه أيضًا أن يساهم في تمهيد الطريق لأردوغان لتعديل الدستور والنظام الرئاسي أو الحصول على صلاحيات بطريق مباشر أو غير مباشر. كما أنه صار عليه – مع أردوغان – أن يرتب أمور الحزب الداخلية، والإعداد للانتخابات البرلمانية في العام المقبل، ومحاولة إيجاد حل سياسي للقضية الكردية، والتعامل الضغوط الداخية والخارجية تجاه موقفه من القضيتين السورية والمصرية، والتأكيد على مواصلة سياسات حزب العدالة والتنمية في تركيا.