أعلنت كتائب عز الدين القسام (الجناح العسكري لحركة المقاومة الإسلامية حماس) مساء البارحة عن أسر الجندي الإسرائيلي "شاؤول آرون" صاحب الرقم العسكري (6092065) من قوات النخبة الإسرائيلية، الأمر الذي جاء إعلانه بعد ساعات من مجزرة الشجاعية التي راح ضحيتها قرابة 100 جراء القصف الشديد الذي لحق بالمدينة. ويقول تحقيق أعدته "نون بوت"، أن إعلان القسام عن خطف الجندي، جاء بعد 24 ساعة من خطفه خلال العملية التي نفذتها الكتائب في شرق "حي التفاح" شرقي قطاع غزة، حيث قتل في العملية 14 جنديًا وأصيب أكثر من 50 آخرين منهم قائد لواء جولاني، ثم أعلن جيش الاحتلال الإسرائيلي مقتل هذا الأخير فيما بعد. أسر الجندي كان ضمادًا لجراح الشجاعية التي عاشت يومًا كاملاً من الجنون الإسرائيلي بالقصف الشديد، وتهجير الأهالي، وجثث المدنيين في الطرقات، في ترجمة لعجز الجيش الإسرائيلي عن التقدم وخساراته المتتالية التي كبدتها إياه قوات المقاومة الفلسطينية، إلا أن كل ذلك لم يمنع أهالي الشجاعية في مشفى الشفاء من غزة من الاحتفال وتوزيع الحلوى بخبر الأسير. وتأتي هذه الاحتفالات أولاً من ثقة الشارع في غزة وخارج غزة من قدرات المقاومة على الأرض، وقدرته على تثبيث مواقفه السياسية في التفاوض على التهدئة، ومبادلة الأسير بآلاف الأسرى الفلسطينيين، على غرار "صفقة شاليط"، والتي خرج من السجن على إثرها 1027 أسيرًا فلسطينيًا عام 2011 مقابل تحرير الجندي جلعاد شاليط الذي أُسر في يونيو 2006. ومع أسر "شاؤول" تنتقل الآن حماس من المفاوضة على التهدئة فقط، إلى التفاوض على التهدئة وما بعدها من فتح المعابر وإخراج الأسرى، فهي تعلم أن خطف الجنود هي الوسيلة الأنجح للضغط على الجيش الإسرائيلي، فإن كان يستطيع التكتم على أعداد القتلى من جنوده في غزة، فخطف الجندي سوف يصبح قضية الرأي العام في إسرائيل، والذي سيزيد من الضغط على الحكومة، والذي كان في بعضه معارضًا لعملية برية في غزة من الأساس. ويقول المحلل السياسي الفلسطيني "طلال عوكل": "إن أسر الجندي الإسرائيلي يشكل تحولاً كبيرًا، وربما من المرات القليلة التي تتمكن فيها أي مقاومة من أسر جندي إسرائيلي خلال المعركة، وهذا مؤشر على أن هناك إمكانيات لأسر المزيد من الجنود الإسرائيليين"، مضيفًا أن هذا "سيوفر شرط جديد للمقاومة للتمسك بمطالبها، ويضعف الجانب الإسرائيلي". وأشار إلى أن "التحرك الأمريكي الجدي لوقف إطلاق النار هو محاولة لإنقاذ حكومة نتنياهو، وأن المزيد من العمليات العسكرية سيؤدي إلى المزيد من الارتباك وعدم وضوح الأهداف الإسرائيلية، والمزيد من الخسائر والورطات التي سيدفع ثمنها غاليًا على حسابه الشخصي". وقال "إن أسر الجندي تحول مهم، خاصة أنه جاء في وقت تجرى مفاوضات لوقف إطلاق النار، وهذا يعطي غطاء قوي للمفاوض الفلسطيني لكي يتمسك بشروطه". وأشار إلى أنه "عندما تهدأ أصوات الانفجارات سيخضع نتنياهو وحكومته لحساب عسير من زملائه في حزب الليكود، وسيؤدي إلى تفكيك تحالف الحكومة ومغادرة نتنياهو الحكومة والإطاحة بعدد من الرؤوس السياسية في إسرائيل". وتوقع الكاتب والمحلل السياسي "مصطفى الصواف"، ألا يستسلم الجيش الإسرائيلي بعد تمكن القسام من أسر جندي جديد، وأن الضراوة ستكون أكبر في المعركة الحالية، بارتكاب المزيد من الجرائم ضد المدنيين الفلسطينيين. وقال الصواف "سيكون للمقاومة حديث مختلف عما كان في السابق، وسيجعل الجانب الإسرائيلي يعيد حساباته تجاه ما يجري على الأرض، وسيسعى جاهدًا لدفع أطراف مختلفة لوقف إطلاق النار، ولكن بعد أن يشفي غليله من دماء الشعب الفلسطيني". وأضاف "إعلان القسام أسر الجندي وقتل 13 من جيش النخبة (الإسرائيلي)، وربما الساعات القدامة تحصل مفاجئات جديدة". وتابع "بنيامين نتنياهو (رئيس الوزراء الإسرائيلي) انتهى سياسيًا، وبعد المعركة هذه سيجمع أوراقه ويغادر الحكومة". وفي السؤال عن سبب تأخير الإعلان عن أسر "شاؤول" يقول الدكتور "سعيد الحاج": "لماذا أخر القسام الإعلان عن الأسر 24 ساعة، وما دلالات التوقيت؟ أولاً، وهذا الأهم، الإعلان بعد تأمين الجندي والاحتفاظ به في مكان أمين بعيد عن ساحة المعركة. ولذلك لاحظنا أن الصهاينة لم يجن جنونهم للبحث عنه. هم أيضاً يعرفون أنهم ما عاد في إمكانهم تحريره بالقوة. ثانياً، انتظار التوقيت المناسب للإعلان، واستثماره في الحرب النفسية والإعلامية، ولرفع المعنويات، وقد كان الإعلان في نهاية يوم عصيب وبعد أخبار مجزرة الشجاعية له بالغ الأثر في رفع المعنويات في الشارع الفلسطيني وفي الأمة العر..." أما أستاذ العلوم السياسية في الجامعة الإسلامية بغزة هاني البسوس، فيقول: "ستحاول الآليات العسكرية الإسرائيلية المتمركزة على الحدود مع قطاع غزة التوغل أكثر، فهي في حالة تخبط وغضب شديد، ولكنها تعلم في الوقت ذاته بأن هذا سيكبدها مزيًدا من الفشل وخطف الجنود". وأضاف: "إسرائيل تعلم أنها دفعت ثمنًا باهظًا من عمليتها العسكرية على قطاع غزة، بعد الذي واجهته من تطور نوعي للمقاومة، وبالتالي ستحاول ترميم الموقف من خلال مزيد من القتل في صفوف الفلسطينيين، في محاولة لإرضاء الشارع الإسرائيلي الذي يحمّل رئيس الحكومة الإسرائيلية بنيامين نتنياهو مسئولية فشل العملية". ويتوقع البسوس بأن يستمر العدوان الإسرائيلي على قطاع غزة، لأيامٍ معدودة، مشيرًا إلى أن إسرائيل في نهاية المطاف ستضطر إلى إيقاف عمليتها العسكرية والتفاوض مع المقاومة، كما أن أسر المقاومة الفلسطينية للجندي "أرون" سيمنحها الفرصة لرفع سقف شروطها ومطالبها كما يرى البسوس. أما الخبير في الشأن الإسرائيلي "عدنان أبو عامر" فيقول إن "أسر الجندي الإسرائيلي سيطرح نقاشات عديدة وكبيرة جدًا، فيما يتعلق بمسألة الهدنة وشروط المقاومة. وأضاف: "نحن اليوم أمام حديث عن صفقة شاملة لكل الموضوعات، العدوان والأسرى والحصار وغيرها، بعد هذه المستجدات في ساحة المعركة"، معتبرًا أن عملية اختطاف الجندي هي بمثابة "تحذير أمني" للقوات الإسرائيلية بعدم التوغل أكثر في قطاع غزة، لأن هذا سيرجح كفة اختطاف المقاومة لمزيد من الجنود، مضيفًا "لكن الساعات القادمة ستشهد مزيدًا من القصف".