منذ أن بدأ تصاعد العنف والفوضى بالعراق في أعقاب التقدم الخاطف لقوات تنظيم الدولة الإسلامية في العراق والشام "داعش"، أثيرت تساؤلات عدة حول حقيقة أعضاء ذلك التنظيم التي تمثل أخطر التهديدات التي تواجه العراق منذ أن أطاحت القوات الأمريكية وقوات التحالف بصدام حسين عام 2003. وبحسب كاتب هذا التحقيق من "بي بي سي عربي"، مايكل ستيفنز*، فقد ثبت بالأدلة الدامغة أن "داعش" يتكون من أفراد نجحوا في دمج خبراتهم الدينية والسياسية والعسكرية لينتج عن ذلك في النهاية قوة ضاربة اجتاحت الجنود النظاميين العراقيين الذين لاذوا بالفرار أمام تلك القوة وأعدمت الحركة اولئك الذين خلفهم وراءه الجيش العراقي. وكانت هذه الطرق التي يتبعها ذلك التنظيم إلى جانب تطبيقه الشريعة، كتلك الإجراءات الغريبة التي تكفل قطع التيار الكهربائي لمنع الناس من مشاهدة التلفزيون، سببا في تكوين السمعة المخيفة التي تحيط ب "داعش". "داعش" كأداة --------------- ويواصل الكاتب، أنه علاوةً على ذلك، كان "داعش" مصدر الإلهام الذي حث المتطرفين من جميع الأطياف على الانضمام إلى العمليات الجارية في سوريا عبر مواقع التواصل الاجتماعي والدعاية الإعلامية التي يروج من خلالها لأهدافه الجهادية. ولكن من الصعوبة بمكان التأكد من أن التنظيم يتكون من جهاديين متشددين على نطاق واسع. ومن الإنصاف أيضًا، رغم ماسبق، أن نقول إن المكون الجهادي للعمليات العسكرية التي يقوم بها "داعش" بالعراق أصغر بكثير مما يعتقد الكثيرون. وفي الحقيقة، وكما هو الحال في سوريا، تستخدم الجماعات المتطرفة أعضاءها كأداة لتحقيق مصالحها وتتبنى أسلوب الإسلاميين المتشددين وتتخذه غطاء لها في سبيل تحقيق أهداف سياسية أكبر. ولا يختلف الأمر في العراق عن ذلك. فالجماعات الجهادية هناك اجتمعت في إطار تكتل من فصائل مختلفة، لم يتبلور في شكل محدد بعد، والذين كونوا تحالفًا تحت لواء "داعش". بينما نرى أن هناك علاقة بين الاضطرابات في العراق والصراع في سوريا المجاورة، وهناك الكثيرون ممن قاتلوا في صفوف "داعش" في سوريا يقاتلون حاليا في العراق. كما يركز "التمرد" الحاصل في العراق في الوقت الراهن على إيجاد حل لمشكلات النظام العراقي المتداعي أكثر من تركيزها على أهداف المزيد من الجماعات الإسلامية المتشددة. وفي لقاء لصحيفة "دايلي تليغراف" قال زعيم عشيرة البطة وقائد الجيش الإسلامي في العراق، الشيخ أحمد الدباش "جميع العشائر السنية خرجت على (رئيس الوزراء العراقي نوري) المالكي". وأضاف أن "هناك أجزاء من الجيش، والبعثيون الذين ينتمون إلى عهد صدام حسين، ورجال الدين، والجميع خرج في مواجهة ما نعانيه من استبداد". استياء واسع النطاق ويُعد إنكار ما يحدث على الأرض في العراق والنظر إليه على أنه مجرد نزوات جنونية لعدد قليل من المتعصبين المتشددين إنكارًا للغياب الكامل للعدالة الاجتماعية في العراق. فمن خلال التجول في أنحاء مختلفة من البلاد، صُدمت من مستويات الحرمان التي يعانيها بعض المواطنين العراقيين. لذلك لم يكن تجمع المقاتلين الذين اجتاحوا العراق وأصبحوا على بعد 60 كيلو مترا من العاصمة بغداد مجرد تحرك من جماعة جهادية فوضوية تصر على تأسيس دولة الخلافة الإسلامية. هناك تصريحات من زعماء العشائر العراقية تؤكد مشاركتها في القتال إنها انتفاضة عامة قامت بها جماعات من المجتمعات غير الراضية عن الأوضاع تجتاح شمال العراق، وهي أيضًا نتاج سنوات من الإقصاء الاجتماعي، والحكم الضعيف، والفساد الذي نتج بدوره عن سياسات الحكومة العراقية. وعلى الصعيد العسكري، تعتبر الميزة التي يتمتع بها "داعش" هي الأداء القوي لميليشياته الذي جعله يتفوق على الجيش الأكثر نظامية. فعند حديثي إلى مسؤولين بقوات البشمركة الكردية، أشار بعضهم إلى أن مستوى تدريب "داعش" مرتفع وأن قوات البشمركة أحيانًا ما تواجه صعوبة في الاحتفاظ بمواقعها بالقرب من كركوك. وقال أحد المسؤولين عن تلك القوات يوم الثلاثاء الماضي "كانت لدينا القدرة على الحفاظ على مواقعنا إلى حدٍ ما، ولكن ذلك لم يكن سهلًا. إنهم (داعش) مسلحون ومدربون جيدًا". تحالف مؤقت ------------- وتابع الكاتب بأن أداء "داعش" يتفق مع التأكيدات التي تشير إلى أن ضباطا بعثيين سابقين ينسقون عمليات "داعش" العسكرية، وهو ما يؤكد على ما توصلت إليه من خلال المحادثات التي أجريتها مع مسؤولين في كركوك الأربعاء الماضي. أنه تحالف غريب، إذ أن أهداف العلمانيين من أنصار صدام حسين والإسلاميين المتشددين تبدو متناقضة، وهو ما يمكن أن يؤدي في نهاية الأمر إلى تفكك التنظيم. أما الأمل الوحيد الذي يتمسك به المسؤولون في أروقة الحكومة العراقية – مع 300 من المدربين العسكريين الأمريكيين والميلشيات المدعومة من إيران – من أجل وقف تقدم الحركة، هو تراجع معنويات المتشددين وبداية الانقسامات بين أعضاءها من ذوي الانتماءات المختلفة، والتي من المتوقع أن تظهر. ولكن التحالف لا زال متماسكا حتى الآن ولا زال "داعش" يواصل التقدم صوب بغداد، وسوف تزداد حدة القتال، إذا أن حكومة العراق تشن هجمات مضادة لوقف ذلك التقدم. وعلى المدى الطويل، إذا لم تتمكن حكومة بغداد من تفهم الحاجة الماسة إلى الإصلاح السياسي ووضعه على نفس درجة الأهمية التي توليها لتعزيز الأمن، فمن المتوقع أن تستمر مشكلات العراق لوقت طويل. *نائب رئيس المعهد الملكي للخدمات المتحدة