بعيدا عن الأضواء الأعلامية المسلطة بشكل كامل على ملف المفاوضات الفلسطينية-الأسرائيلية وتعثرها بفعل انغلاق افاق تسوية حل الدولتين تدور داخل حركة التحرير الوطني الفلسطيني "فتح" رحى معركة كبيرة صامتة لأعادة صياغة الحركة تنظيميا وسياسيا وكفاحيا بما يتلائم ومرحلة فلسطينية جديدة ستحدد معالمها مخرجات ازمتي المفاوضات مع اسرائيل والتعطل المزمن لقطار المصالحة الداخلية مع حركة المقاومة الأسلامية "حماس″، وذلك وفق تقرير مفصّل من صحيفة "رأي اليوم"، واليكم التفاصيل: ثمة في اروقة صناعة القرار الداخلي لحركة "فتح" من لم يعد يؤمن بنظرية الأنتظار كسيد للموقف خاصة في ظل اقتراب موعد عقد المؤتمر السابع للحركة منتصف شهر اب المقبل وعلى ضوء قرار يبدو لغاية الأن ان لا عودة عنه اتخذه الرئيس الفلسطيني محمود عباس بالتقاعد الشامل وهو على بعد عدة أشهر من بلوغ الثمانين عاما وبعد ان بات على قناعة مطلقة بضرورة فتح الباب امام برامج سياسية اخرى لقيادة دفة النضال الوطني الفلسطيني بعد ان اصطدمت رؤيته المرة تلو الأخرى بالحٌكم الأسرائيلي المتعمق نحو اليمين. ومن استمع لخطاب عباس الأخير امام المجلس الثوري قبل بضعة اسابيع وأعلانه انه لن يختم حياته بتوقيع اتفاق ينتقص من حقوق الشعب الفلسطيني يدرك انه اقرب لخطبة وداع ان التزم بها كون ما يمكن الحصول عليه بالمفاوضات من حكومة اليمين الأسرائيلي الحالية اقل بكثير من الحد الأدنى الذي يقبل به اي فلسطيني. وكان عباس قد صرح اكثر من مرة علنا برغبته بالتقاعد كان اخرها خلال اجتماع المجلس الثوري قبل نحو شهر لكنه استجاب مؤخرا لمطالب من قادة حركته بالتعامل مع مطلبه بالتقاعد كقضية داخلية لحركة "فتح" مع السعي لترتيب اوضاع الحركة تمهيدا لهذا الأستحقاق القادم. وعدا عن كونه رئيسا لدولة فلسطين فأن عباس يشغل ايضا موقعين مهمين وهما رئاسته للجنة التنفيذية لمنظمة التحرير الفلسطينية وايضا رئاسته للجنة المركزية لحركة "فتح". ولا يبدو ان حركة "فتح" ستلجأ هذه المرة الى أحلال قائد جديد مكان عباس ليشغل المواقع الثلاث كما فعلت بعد استشهاد الزعيم ياسر عرفات وانما سيكون هناك توجها لتقسيم كعكة المواقع القيادية الثلاث, وهنا يبرز اسم عضو مركزية "فتح" الأسير مروان البرغوثي بقوة لموقع رئاسة دولة فلسطين خاصة وأن فوزه بالأنتخابات -ان حدثت- محقق فشعبيته في الضفة الغربية وقطاع غزة كاسحة بل ان معظم استطلاعات الرأي الأخيرة كشفت ان نحو ثلث من قالوا انهم يؤيدون حركتي "حماس″ و "الجهاد الأسلامي" افادوا ردا على سؤال أخر انهم ان شاركوا في انتخابات الرئاسة وكان البرغوثي مرشحا فيها فسيصوتون له. وعدا عن ذلك فأن وجود البرغوثي على رأس دولة فلسطين سيضع دول العالم واسرائيل في زاوية تفرض عليها التفاوض مع رئيس آسير أن لم يفرج عنه قبل الأنتخابات المقبلة فيما سيؤدي ذلك الى اعادة احياء الملف المهمل لما يزيد عن خمسة الاف أسير فلسطيني في سجون الأحتلال. ويسجل هنا ان الوسيط الأميركي في المفاوضات الفلسطينية-الأميركية مارتن انديك وصف البرغوثي امام الوفد الأسرائيلي المفاوض قبل ايام بأنه " ليس راديكاليا ومن مؤيدي حل الدولتين وسيعلن ذلك عبر بيان أن طٌلب منه". ولم يفصح انديك ان كان هناك اتصال قد جرى مع البرغوثي بهذا الشأن لكن ذٌكر ان عضو الكنيست العربي احمد الطيبي نقل مواقف البرغوثي الذي التقاه قبل أيام لأنديك. وليس معلوما من سيشغل موقعي رئاسة منظمة التحرير وحركة فتح في حال تمسك عباس بقراره -المحمود- بالتنحي والتقاعد وسيٌترك ذلك لما ستفرزه نتائج مؤتمر حركة "فتح" السابع لكن عٌلم ان عباس عهد بترتيبات المؤتمر لرجله القوي رئيس المخابرات الفلسطينية ماجد فرج ولعضو اللجنة المركزية الدكتور جمال المحيسن. وهناك شبه اجماع داخل قيادة حركة "فتح" على وضع حد أقصى يمنع اعضاء المركزية من الأستمرار بمواقعهم لأكثر من دورتين متتاليتين ما يعني ان قادة تاريخيين للحركة سيجدون انفسهم حكما خارج مركزية فتح وبينهم الدكتور نبيل شعث, عباس زكي وسليم الزعنون "ابو الأديب". ومن الخارجين المؤكدين من عضوية مركزية "فتح" العضو حسين الشيخ ضمن اجماع حركي بسبب قضايا متعددة وبقيت معلقة وتركت اثرا سلبيا كبيرا عليه ضمن قاعدة حركة فتح المعروفة بمحافظتها. ومن بين الداخلين المؤكدين للجنة المركزية رئيس جهاز لمخابرات ماجد فرج ومحافظة رام الله والبيرة الدكتورة ليلى غنام ورئيس جهاز الخدمة المدنية موسى ابو زيد. وتطرح للمركزية بقوة اسماء اعضاء من المجلس الثوري لحركة فتح وبينهم منظرها بكر ابو بكر وايضا المنظم احمد غنيم "ابو ضمير" وهو ممن عملوا على ملف استنهاض الحركة في اقاليمها خارج فلسطين. وخلافا لتوازنات سادت في مؤتمر الحركة السادس حيث افرز تحالف اقاليم لبنان, غزة مع التيار المركزي معظم القيادات الحالية فأن صورة التحالفات مختلفة تماما فلم يعد العامل الجغرافي هو الأساس القطعي لتشكل الكتل الأنتخابية داخل "فتح" فهناك اسس جديدة افرزتها تطورات الوضع السياسي والحركي الداخلي فكتلة غزة بعد مغادرة محمد دحلان للمركزية باتت كتل ترتبط بأجندات سياسية وبمراكز قرار تنظيمي مختلفة, اما كتلة تيار المركز المحسوبة تاريخيا على أي قيادة للحركة فخروج رؤوسها ان أقر تحديد عضوية المركزية بدورتين سيفتتها فيما تعاني باقي الأقاليم القوية كالخليل ونابلس من صراعات داخلية بين قادتها. ويقابل صراعات الكتل الأنتخابية الرئيسية للمركز تماسك للأطراف وتحديدا لأقاليم "فتح" في أوروبا وامريكا المشاركة بقوة مبنية على برامج استنهاض الحركة ومقاطعة اسرائيل والمطالبة برفع مظلوميتها التاريخية بسبب انعدام تمثيلها في الهيئات القيادية ومن ذلك مثلا ان حركة "فتح" في أقليم الولاياتالمتحدة غير ممثلة حتى على مستوى المجلس الثوري رغم انها تنشط بين نحو نصف مليون فلسطيني يقيمون هناك ورغم ان لها انصار ووجوه تاريخية لها ثقلها بينهم دكتور القانون الدولي غسان بركات حامل ملف مقاطعة اسرائيل والناشط علاء الشلبي مسؤل ملف الشبيبة الفلسطينية. ويتضح مما افرزته انتخابات الأقاليم لعضوية مؤتمر "فتح" ان نحو نصفهم لم يسبق لهم المشاركة في مؤتمرات فتح وبالتالي فأن توجهاتهم التصويتية وميولهم الأنتخابية غير معلومة وربما تقود الى قلب طاولة توقعات كانت تصيب في المؤتمرات السابقة ما يفتح الباب امام مفاجئات غير متوقعة على صعيد التشكيلة القيادية القادمة ل "فتح" ولمنظمة التحرير التي تسيطر عليها بما سينعكس على مستقبل الصراع في المنطقة.