في وقت مبكر من العالم الماضي، حضرت آراء تؤكد موت القاعدة، وآراء تقول إن «القاعدة» ماتت قبل الثورات، لكن تشييعها الرسمي كان مع مقتل زعيمها أسامة بن لادن. بعد اختطاف نائب القنصل السعودي لدى اليمن عبدالله الخالدي رأى محللون أن القاعدة استعادت حضورها في الساحة، ووظفت قضايا المعتقلين السعوديين على نحو خطر. كان الطرح المتزامن مع الثورات العربية، أن مفاهيم الحرية والعدالة والكرامة قتَلت تنظيمَ القاعدة، وسلبته بريقَه وجاذبيته لدى الشباب العربي، بعدما وفرت بنهجها السلمي ونضالها المدني بديلاً أنجع من الناحية العملية، وأقل إشكالاً من الناحية الأخلاقية، إلا أن الباحث في شؤون الحركات الإسلامية المشرف العام على مركز الدين والسياسة للدراسات خالد المشوح رأى في حديث ل«الحياة اللندنية»، أن القاعدة تستعيد تشكلها ولم تمت بل تستغل الفراغ السياسي في الدول. من تلك الأطروحات التي كانت تقول بموت القاعدة ما كتبه مأمون فندي بأن «القاعدة والإرهاب هما من إنتاج الأنظمة الديكتاتورية في مصر وتونس وغيرهما، من أجل الدفاع عن أنفسها، وهي في الرمق الأخير أمام الضغط الدولي، والأميركي تحديداً. «القاعدة» لم تكن بتلك المنظمة القوية القادرة على تهديد الغرب»، ويؤكد أنه بعد الثورة لا وجود ل«القاعدة» في مصر ولا في تونس، ولا وجود ل«القاعدة» في المغرب الإسلامي وشمال أفريقيا، كما يدعي الاختصاصيون في الحركات الإسلامية. الخطاب القاعدي كما يرى بعض المحللين لا يؤمن باللعبة السياسية، ولا بصندوق الاقتراع في التغيير، ولا حتى بالتغيير السلمي، إنما يؤمن بالعمل المسلح والسري، بصوره وصيغه المتعددة، لكنها مع اختطاف الخالدي، أرادت ركوب الموجة، والضغط على وتر العواطف، فطالبت بإخراج جميع المعتقلين والمعتقلات، ما جعل بعض الكتاب يتساءل عن سر تقاطعها هذه المرة، مع بعض من يعتبرون أنفسهم إصلاحيين في الداخل. واعتبر محللون محليون أن أقنعة الحقوقيين سقطت بعد محادثة المطلوب الأمني مشعل محمد الشدوخي مع السفير السعودي في اليمن علي الحمدان، لكن المدير الإقليمي لقناة العربية خالد المطرفي في حديثه مع «الحياة» رفض الربط بين مطلبي الشدوخي والحقوقيين، واصفاً ذلك ب«التعسف»، معتبراً أن المطلب الأهم بالنسبة للقاعدة في اليمن هو «الفدية»، لأنها تعاني من شح مالي. أشار المشوح إلى أن المناخ المناسب لتمدد فكر القاعدة هو الفراغ السياسي، إذ هي تستعيد تموضعها من دون ملاحظة المراقب العادي للمشهد، إذ يغلب على بعض المشاهدين النظر إلى الثورات العربية بعين الإعجاب بالحريات كنظرة قريبة، لكن النظرة الأبعد هي أن الفراغ السياسي الموجود في ليبيا ومصر واليمن مناخ جيد لإعادة التشكل، رافضاً القول بأن فكر القاعدة مات، إذ الأفكار برأيه لا تموت. ولفت إلى أن اختطاف الخالدي هو عودة للقاعدة ولكن بنكهة جديدة على المشهد السياسي، إذ لم يسبق للقاعدة في المدن كافة أن اختطفت مدنيين ومسلمين أيضاً، فبعد أن كان الخطف مقتصراً على الكفار، الآن نشهد اختطاف مسلم مدني ليس بكافر ولا عسكري، ما يدل على تراجع أخلاقي كبير في فكر القاعدة، معتبراً أنها أرادت إيصال رسالة بأن «أي شخص ضد أهداف القاعدة، ربما يختطف مستقبلاً». وحول مطالب القاعدة باليمن (إخراج المعتقلين والمعتقلات كافة) والفدية، رأى المشوح أنها ليست مطالب حقيقية، وإنما لمجرد الحضور الإعلامي، واعتبر أن التنظيم ذكي وحاضر في شبكات التواصل الاجتماعية، لذا حاول معرفة ما يدور من حراك وتوظيفه لمصلحته، واصفاً الربط بين الحقوقيين والقاعديين في مسألة إخراج المعتقلين ب«الكلام المفتقر لأي دليل» وقال: «لا توجد قرائن حقيقية». أما خالد المطرفي فاعتبر أن الدافع الأساسي وراء خطف الخالدي هو الشح المالي وقال: «هناك أسماء للمطالبة بإخراجهم لا صلة لهم بالإرهاب كالشيخ خالد الراشد» وأضاف: «ربما نشهد في الفترة المقبلة استهدافاً لأبناء الأغنياء، لقلة الدعم المالي للقاعدة». الدكتور محمد المختار الشنقيطي يرى أن الثورات العربية سحبت البساط السياسي والأخلاقي من تحت أقدام القاعدة، وسلبتها جاذبيتها لدى الشباب العربي. كما سحبت هذه الثورات البساط الاستراتيجي من تحت أقدام الأميركيين حينما هدت عروش بعض حلفائهم الأقربين. ورأى في مقال له أن القاعدة وُلدت ولادة غير طبيعية في ظروف غير طبيعية. وخرجت إلى الوجود من رحم المعاناة العربية والإسلامية في التسعينيات التي بدأت بالغزو الأميركي الأول للعراق، وما تلاه من عقوبات همجية قتلت عشرات الآلاف من العراقيين جوعاً ومرضاً، وهم قاعدون على أعظم ثروات العالم، كما ولدت القاعدة من رحم الإفلاس السياسي للأنظمة العربية المعتدلة التي سلمت زمامها لواشنطن، ومثلها الأنظمة العربية الثورية التي امتهنت شعوبها وذبحت الحرية الشخصية والسياسية باسم التحرر من الإمبريالية والاستعمار. يذكر أن وزارة الداخلية السعودية أعلنت، أن عناصر «تنظيم القاعدة» هم المسؤولون عن اختطاف نائب القنصل السعودي بمدينة عدن اليمنية عبدالله بن محمد الخالدي أثناء ممارسته مهامه الوظيفية. وقال المتحدث الأمني باسم وزارة الداخلية اللواء منصور التركي، إن مشعل محمد رشيد الشدوخي المدرج على قائمة المطلوبين ال85 التي أعلنتها الداخلية عام 2009 اتصل هاتفياً بالسفارة في اليمن، وطالب بدفع فدية والإفراج عن مطلوبين من السجون السعودية، كما هدد بشن هجمات بما في ذلك تفجير سفارات أو اغتيال أمراء.