قادت سنوات من الجهود الاستخباراتية التي قامت بها الولاياتالمتحدة إلى شن غارة الأحد على مخبأ زعيم تنظيم القاعدة "أسامة بن لادن" أدت إلى مقتله، بعد أن تعقب عملاء الاستخبارات مرسالاً كان محل ثقة "بن لادن". ذكرت وكالة "فرانس برس" أن العملية التي استغرقت أقل من أربعين دقيقة، كانت نتيجة جهد مدروس، إذ كثفت أجهزة الاستخبارات الأمريكية بحثها عن "بن لادن" عدة أشهر، فيما كان مسؤولون في الإدارة الأمريكية يخططون لعملية اقتناصه الخطرة داخل باكستان. وتعود جذور هذه الغارة إلى ما قبل أربع سنوات عندما تمكنت أجهزة الاستخبارات أخيراً من رصد مرسال شخصي ل"بن لادن" ليحدث الانفراج الذي طال انتظاره، حسب ما صرح مسؤول أمريكي بارز للصحافيين. وقال المسؤول، الذي طلب عدم الكشف عن هويته: "إن أشخاصاً مشتبه بضلوعهم في الإرهاب قالوا أثناء التحقيق معهم إن هذا الرجل هو أحد مراسلي القاعدة القلائل الذين يثق بهم بن لادن". وأضاف: "قالوا إن هذا الشخص ربما يعيش مع بن لادن ويحميه.. إلا أننا لم نتمكن لعدة سنوات من التعرف على اسمه الحقيقي أو على موقعه". ولكن قبل عامين ذكرت أجهزة الاستخبارات الأمريكية أنها "حددت مناطق يعمل فيها هذا المرسال وشقيقه.. لكننا لم نستطع أن نحدد بالضبط مكان إقامته نظراً للإجراءات الأمنية المشددة التي يتخذها وشقيقه.. وبعد ذلك وفي أغسطس/آب 2010 عثرنا على المسكن". وعلى الفور استرعى هذا المجمع الواقع في إحدى المناطق الفخمة في "ابوت اباد" على بعد نحو 50 كلم شمال غرب العاصمة إسلام أباد، اهتمام المحللين الاستخباراتيين، حسب المسؤول. وقال المسؤول: "عندما شاهدنا المجمع الذي يعيش فيها الشقيقان، صدمنا لما رأيناه.. فقد كان للمجمع بوابتان مؤمنتان، وكان أكبر بكثير من باقي المنازل في المنطقة.. ورغم أن قيمته تبلغ مليون دولار ليس فيه هاتف أو إنترنت". وتابع: "إن الإجراءات الأمنية التي كانت تحيط بالمجمع غير عادية، فقد كان يحيط به 12 جداراً بارتفاع 18 قدم (نحو 5.4 متر) يعلوها سياج شائك، كما تقسم جدران داخلية أجزاء من المجمع لتوفير مزيد من الخصوصية". وما لبثت واشنطن أن تأكدت أنه إضافة إلى المبعوث وشريكه، فإن عائلة أخرى تعيش في المجمع تطابق مواصفتها مواصفات عائلة "بن لادن" بمن فيهم صغرى زوجاته. وقال المسؤول: "كل شيء رأيناه.. الإجراءات الأمنية المشددة للغاية، وخلفية الشقيقين وتصرفاتهما، وموقع وتصميم المجمع نفسه، كان يتناسب بشكل تام مع المواصفات التي حددها خبراؤنا لما يمكن أن يكون عليه مخبأ بن لادن". وحصلت الأجهزة الاستخباراتية على تأكيد من مصادر أخرى على أنه من المرجح أن يكون "بن لادن" في ذلك المجمع، إلا أنها بذلت جهداً كبيراً في التأكد من معلوماتها، وأضاف المسؤول: "كانت كل المواصفات تنطبق على بن لادن". وبحلول فبراير/شباط كانت أجهزة الاستخبارات مقتنعة بأنها عثرت على "بن لادن"، وبدأ البيت الأبيض استعداداته لشن غارة داخل باكستان، حسب المسؤولين. وعكف مسؤولون أمنيون بارزون على التخطيط للعملية لمدة أشهر واطلعوا الرئيس الأمريكي على تطوراتها بشكل منتظم، وقال المسؤول: "إن الجدران العالية والإجراءات الأمنية التي تحيط بالمبنى وموقعه وقربه من إسلام أباد، جعل من هذه المهمة خطرة بشكل خاص". وبدءاً من مارس/آذار شرع "أوباما" في عقد سلسلة من الاجتماعات مع فريقه الأمني لدراسة مختلف الخيارات، ولم يكن على علم بهذه التطورات سوى عدد قليل من مسؤولي الإدارة الأمريكية، كما اختارت الإدارة الأمريكية عدم إبلاغ باكستان. وقال مسؤول ثالث طلب عدم الكشف عن هويته: "لم نطلع أي بلد آخر حتى باكستان على المعلومات الاستخباراتية التي حصلنا عليها.. كان هذا لسبب واحد فقط هو أننا اعتقدنا أن ذلك ضروري لأمن العملية ولأمن قواتنا". وفي الساعة 8.20 دقيقة من الجمعة بتوقيت واشنطن أصدر "أوباما" قرار تنفيذ الغارة بواسطة مروحيات قبل أن يتوجه في رحلة إلى الاباما، كما صرح مسؤولون. وقال مسؤول آخر: "إنه في غارة جراحية الأحد لم تستغرق سوى 40 دقيقة، نقلت مروحيات أمريكية فريقاً صغيراً إلى المجمع المحصن.. وقتل الفريق أسامة بن لادن في اشتباك مسلح كما قتل المرسال وشقيقه وابن بالغ لأسامة بن لادن". وقتلت امرأة في العملية وقال مسؤولون أمريكيون: "إن أحد مسلحي بن لادن استخدمها كدرع بشري"، وضم الفريق الأمريكي الذي لم يصب أي من عناصره بجروح خطيرة، عدداً من عناصر قوات العمليات الخاصة، إلا أن المسؤولين الأمريكيين رفضوا الكشف عن تفاصيل العملية. وصرح مسؤول أن مروحية شاركت في الغارة سقطت بسبب خلل فني، وقال: "إن طاقم المروحية قاموا بتفجيرها واستقل عناصر القوة المهاجمة وطاقم المروحية، المروحية الأخرى للخروج من المجمع".