أحمد بن راشد بن سعيّد العرب القطرية لعل حركة المقاومة الإسلامية (حماس) من أكثر القوى التي نزعت الشرعية عن عصابة السفاح بشار الأسد منذ بدايات الثورة السورية، فلم يكن السفاح بحاجة إلى شيء أشد من حاجته إلى «قشرة» المقاومة ليتعلق بها ويدندن حولها، ولما قررت حماس النأي بنفسها عنه ونفض يدها منه، سقطت القشرة، وبدا السفاح عارياً إلا من عاره. الضيق بمواقف حماس بدا واضحاً في المقابلة التي أجرتها صحيفة إكسبرسن السويدية مع الأسد في 18 نيسان/أبريل 2015، إذ زعم أن الأحداث الأخيرة في مخيم اليرموك «أثبتت أن جزءاً من حماس، والتي هي في الأساس منظمة إخوان مسلمين، تدعم جبهة النصرة في اليرموك»، مضيفاً أنهم «يعملون معاً»..و «هذا ما يجعل قيادة حماس في قطر الآن تطالب بالمساعدة...بعد أن هاجمت داعش جبهة النصرة وحماس». ولما سأل صحافي المطبوعة السويدية الأسد: «حماس إذن أصبحت اليوم تاريخاً في سوريا»؟ أجاب: «أعتقد ذلك، لا أعتقد أن الشعب السوري سيثق بهم مرة أخرى». الحقيقة أن قادة في نظام الأسد اتهموا حماس بمساعدة الثوار منذ الأشهر الأولى للثورة. صحيفة ذا ناشِنَل الإماراتية نقلت عن أحد مسؤولي النظام في 2 تشرين الأول (أكتوبر) 2011 زعمه أن حماس «تموّل منظمات معارضة للأسد في أوروبا». بعد ثورة 25 يناير في مصر (وتحديداً في يوم الجمعة، 24 شباط/فبراير 2012)، ألقى الشيخ إسماعيل هنية، رئيس الحكومة الفلسطينية السابق، خطبة في الجامع الأزهر قال فيها: «أحيي شعب سوريا البطل الذي يسعى نحو الحرية والديموقراطية والإصلاح». في اليوم التالي، علّقت وكالة رويترز على كلام هنية بالقول إنه «يحرم الأسد واحداً من مؤيديه السنّة القلائل الباقين في العالم العربي، ويعمّق عزلته الدولية»، مضيفة أن المصلين في الأزهر، إحدى أكبر مؤسسات التعليم السني في العالم، هتفوا بعد خطبة هنية: «على سوريا رايحين، شهداء بالملايين». في 5 نيسان (أبريل) 2013 نشرت صحيفة التايمز اللندنية تقريراً قالت فيه إن كتائب القسام قطعت علاقاتها مع الأسد، وشرعت في تدريب وحدات الجيش الحر في ريف دمشق، وتحديداً في بلدات يلدا وجرمانا وببيلا. ونقلت الصحيفة عن دبلوماسي غربي وثيق الصلة بالنظام والمعارضة في سوريا قوله إن القسّاميين الذين يدرّبون الثوار «محترفون ومؤهلون جداً»، كما نقلت عن «مصادر أخرى» أن «مدرّبي حماس يساعدون الجيش السوري الحر على حفر الأنفاق...»مضيفة، نقلاً عن مصدر في مخيم عين الحلوة للاجئين الفلسطينيين في لبنان، أنه بات معروفاً للجميع «أن بضع مئات من مقاتلي حماس يقاتلون جنباً إلى جنب مع الجيش السوري الحر في مخيم النيرب بحلب، ومخيم اليرموك بدمشق». ومع تتابع فصول الثورة السورية، توالت تقارير وتصريحات تشير إلى مشاركة حركة حماس في دعم الثوار. مصادر مقربة مما يُسمى «حزب الله» في لبنان قالت مطلع شهر حزيران (يونيو) 2013 إن وحدة الهندسة التابعة للحزب قامت بالتعاون مع وحدات هندسية تابعة لقوات الأسد بإبطال مفعول ألغام أرضية كان الثوار السوريون قد زرعوها داخل مدينة القُصير بريف حمص، وإن العشرات من هذه الألغام كانت ألغاماً لما يُسمى «حزب الله» زوّد» بها حماس عامَيْ 2007 و 2008. وأضافت المصادر أن طريقة زرع الألغام هي الطريقة نفسها التي يتبعها الحزب في جنوبلبنان، والتي درّب عليها مقاتلين من حماس، مشيرة إلى احتمال أن يكون بعض القادة القسّاميين قد أِشرفوا على تدريب «كتائب الوليد» و «كتيبة الفاروق»، التابعتين للثوار بريف حمص، على زراعة الألغام في القُصير وما حولها (القدس العربي، 9 حزيران/يونيو 2013). في 16كانون الأول (ديسمبر) 2014، نقلت وسائط الدعاية الرسمية في سوريا تصريحات للأسد يتهم فيها حركة حماس بالتدخل في الشؤون السورية، وهو ما نفاه إسماعيل أبو زهري، المتحدث باسم الحركة في غزة. في شهر أيار (مايو) الماضي حقق «جيش الفتح» في سوريا انتصارات كبيرة، والتقت قناة أورينت مع مقاتلين من «أحرار الشام»، وهم يحفرون نفقاً قبل تفجيره في قوات السفاح المتمركزة في جبل الأربعين بريف إدلب. أبو مصعب، أحد قادة الأحرار، أبلغ مراسل القناة، وهما داخل النفق الذي بلغ طوله 700 متراً، أن جزءاً من النفق أخذ في التصدع، وأن حل المشكلة أتى من غزة. قال: «تغيرت جغرافية الأرض، صارت طرية جداً، صارت تهبّط علينا، دخلنا جوا شغلة 100 متر، فجأة صار تهبيط، انحبس الشباب جوا، حتى ظلينا نشتغل كل النهار لحتى نحسن نطلعهن، حكينا مع صاحبين الخبرة، إخوتنا، الله يجزيهم الخير في غزة، استشرناهم في الأمر، قاموا قالوا لي: بتدخلوا خشب، بعثوا لي مقطع فيديو، كيف عم يشتغلوا هنّا، فاشتغلنا إحنا مثلن» (13 أيار/مايو 2015). بعد هذه المقابلة بساعات، فجّر الثوار النفق بنجاح، ما أسفر عن تدمير حواجز عصابات الأسد، وإحكام «جيش الفتح» (يضم «أحرار الشام» ولفيفاً من الفصائل الأخرى) على كامل جبل الأربعين؛ آخر معاقل الأسد في ريف إدلب الغربي، وهو ما مكّن الثوار بعد ذلك بساعات أيضاً من تحرير بلدة المسطومة ومعسكرها، ثم انتزاع مدينة أريحا الإستراتيجية المتاخمة لمحافظة سهل الغاب في محافظة حماة، والمطلة على طريق اللاذقية -حلب، والمحاذية للساحل السوري. لكن موقع ميدل إيست آي ينقل عن الصحافي الفلسطيني، إبراهيم خاطر، قوله إن الذين يشاركون مع الثوار السوريين هم أعضاء سابقون في كتائب القسام، لم تعد لهم صلة بحماس، وليسوا في غزة، بل من غزة، وإنهم يقدمون تجاربهم إلى من يرون أنهم فصائل إسلامية في سوريا، وليس لفصيل «أحرار الشام» وحده. هؤلاء المقاتلون ذوو الخبرة العالية والذين لا يتجاوز عددهم 200، بحسب خاطر، علّموا السوريين أيضاً كيف يصنعون المتفجرات، ويطوّرون صواريخ بعيدة المدى شبيهة بصورايخ غراد (22 أيار/مايو 2015). سألت الناشط من حماس، أدهم أبو سلمية، عن دعم كتائب القسام للثوار في سوريا، فاعتذر عن التعليق إلا أنه قال إن المقاومة في غزة بما قدّمت من إنجازات خلال معركة «العصف المأكول»، رغم كل الحصار وتجفيف المنابع، شكّلت مصدر إلهام للثوار والمظلومين في كل مكان». صحافي من غزة مقرّب من حماس، رفض الكشف عن اسمه، أخبرني أن مقاتلين من كتائب القسام ذهبوا إلى سوريا واستشهدوا هناك، لكنهم لم يحصلوا على إذن من قيادتهم. خرج آخر قادة حركة حماس من سوريا مطلع عام 2012. وفي 30 أيلول (سبتمبر) 2012، ألقى خالد مشعل، رئيس المكتب السياسي للحركة، كلمة في مؤتمر لحزب العدالة والتنمية التركي قدّم فيها التحية «لثورة الشعب السوري من أجل الحرية»، ما أثار غضب الأسد الذي شنت دعايته الرسمية هجوماً على مشعل ونبزته بالمقاوم «المشرّد» الذي «نسي القدس» مقابل «وعود بالتطبيع مع العدو». خسرت حماس الكثير من متاع الدنيا بخروجها من دمشق وانحيازها إلى الشعب السوري الذي احتضنها وقدم الكثير من أجل قضيتها وقضيته، وتشتت قياداتها في بلدان عدة، وانقطع عنها المال الإيراني أو معظمه، ولم تحصل على عرفان أو تقدير من دول الخليج، ومع هذا فلم يكن لها خيار إلا الاصطفاف مع أمتها، ورفض الركون إلى الذين ظلموا. مازالت أصوات كثيرة، بعضها يتاجر بالتوحيد والعقيدة، تنال من الحركة، وتخوّنها، محاولة اختلاق عيوب لها لتلومها، ومازال بيت الشاعر العربي يصفع أولئك المترفين: أقلّوا عليهم لا أبا لأبيكمو/ من اللوم أو سدّوا المكان الذي سدّوا! @LoveLiberty