* العربي الجديد اللندنية لا أدري ما سر إلحاح الأمين العام لمنظمة التعاون الإسلامي، إياد مدني، على دعوة العرب والمسلمين لزيارة القدس، فبعد أقل من خمسة أشهر على زيارته القدس التي أتمها وسط غضب عربي وإسلامي واسع، ما انفك عن دعوة الجميع للشرب من النهر نفسه، متجاهلا الانطباع الذي تركته زيارته الإشكالية، أنها خطة في سبيل التطبيع مع العدو الصهيوني، بل لعلها ذروة هذا التطبيع. وفي كلمته الافتتاحية لمجلس وزراء منظمة التعاون الإسلامي، في الكويت قبل أيام، قال مدني إنه دعا، وما زال يدعو، "المسلمين لزيارة المسجد الأقصى، لتأكيد حق المسلمين فيه، ولكسر سياسة الاحتلال الرامية إلى عزل المدينة المقدسة من عمقها العربي والإسلامي". هل يحتاج حق المسلمين، وليس العرب وحسب، في "الأقصى" إلى تأكيد من هذا النوع؟ هل يمكن لمجرد زيارة تتم بطريقة سياحية بحتة، حتى وإن انتهت بركعات في المسجد الأقصى أن تؤكد حق أحد فيه فعلا؟ هل يستطيع سياح عرب ومسلمون يذهبون، بطريقة شخصية، وبشرط موافقة إسرائيل التي تختم جوازاتهم بختمها، ويدخلون الأقصى تحت حراب الاحتلال، أن يكسروا سياسة هذا الاحتلال حقا؟ هل تبدو القدس التي تشخص إليها خواطر القلوب، قبل نواظر العيون، مع كل دعاء، منعزلة من عمقها العربي والإسلامي؟ الإجابة على الأسئلة السابقة "لا" كبيرة، يتجاهلها مدني، وهو يدعو العرب والمسلمين بكل حماسة، لكسر قرارهم الشعبي التاريخي عدم التطبيع مع الكيان الصهيوني، منذ لاحت في الأفق أولى دعوات التطبيع في نهاية سبعينيات القرن الماضي. ويتجاهل مدني الإجابة على سؤال آخر: لماذا يبدو واثقاً من موافقة إسرائيل على دعواته المستمرة لزيارة القدس؟ إنه يعرف أن مثل هذه الزيارات لن تتم إلا بموافقة الاحتلال، فهل أخذ موافقة مسبقة من سلطات هذا الاحتلال على مثل هذه الزيارات التي يأمل أن يستجيب لها المدعوون بالآلاف قبل أن يتبناها؟ وإذا كان قد ضمن مثل هذه الموافقة، ألم يتساءل عن سر موافقة إسرائيل، وهي التي تمنع الفلسطينيين في المدن الفلسطينية الأخرى من زيارة القدس، إلا بشروط صعبة، وتمنع المقدسيين أنفسهم من الصلاة في الأقصى، إلا بشروط أقسى؟ ألا يعلم مدني أن من سكان القدس من تقع منازلهم في سياق الحرم المقدسي فتمنعهم سلطات الاحتلال من العودة إليها، إن تأخروا ليلاً بعد العاشرة، لظرف أو لآخر؟ إذا كان هدف مدني من دعواته المساهمة في تعزيز صمود أهل القدس، فما هدف إسرائيل منها، وهي توافق عليها إذن؟ يرفض مدني أن تعتبر دعوته تلك تطبيعا مع العدو الصهيوني، ويقول "إذا كان بعضهم يرون في زيارة القدس تطبيعاً، فإنه تطبيع مع المسجد الأقصى ومع القدسالشرقية ومع المقدسيين، ومع إخواننا في الأرض المحتلة". حسناً، هل نحن، العرب والمسلمين، في حالة عداء مع الأقصى، لكي نكون في حاجة للتطبيع معه الآن؟ سأحتفظ باحترامي نيات مدني الطيبة، لكنني أريد أن أقرر، وبلا تردد، أن دعوته، على الرغم من النيات الطيبة التي لا نشكك بها، تبدو وكأنها تنفيذ مخلص لسياسات إسرائيل الرامية إلى تمييع قضية الأقصى في الوجدان الجمعي للعرب والمسلمين، واستغلال عواطف هؤلاء تجاه أولى القبلتين وثالث الحرمين الشريفين وقلب فلسطين، كي يعملوا من دون أن يعلموا لخدمة مصالح إسرائيل وتعزيز اقتصادها. يقول مدني، في تصريح مخجل آخر، في السياق نفسه، "نريد إيجاد صيغة لوكالات السياحة الفلسطينية والأردنية، لنهيئ الفرصة للمسلمين الراغبين بزيارة القدسوفلسطين، كما هي الصيغة في السعودية لإقامة العمرة والحج". ومع عدم دقة المقارنة بين الحالين، فإنها تشير إلى مصلحة إسرائيل وحدها، في مثل هذه الزيارات التي ستستقبل فيها العرب والمسلمين سياحاً لا محررين فاتحين! ماذا تريد الدولة الصهيونية أكثر من هذا؟ سؤال للسيد مدني، لعله يتذكّر أو يجيب.. أو يخشى!