د. محمد بن سعود المسعود الاقتصادية - السعودية أحيانا نراقب ذنوبنا لنخفيها لا لنتطهر منها، وأحيانا لا نرى الذنب ذنبا إلا إذا فعله غيرنا، أو كنا ضحايا له، إننا جميعا اليوم مذعورون ممن حولنا، خائفون منهم، عسير الصدق في القلوب، عسير الصدق في النفوس، عسير الصدق في الوعود، وشحيح في المشاعر وإن ذاع وشاع وانسكب وفاض. هذا الصدق المرفوع عنا، خلف وراءه هذا الفراغ العاطفي العظيم الذي لا يملؤه شيء، وترك فينا هذا الشك العظيم في كل من حولنا فلو صدق القلب، وصدقت المشاعر، لما كانت القطيعة على أوهن الأسباب، ولما تمت الكراهية لأضعف الكلمات، ولما استحكمت العداوة لموقف غالبه غضب، وأظهرته هشاشة الطبع، وانعدام العصمة واستحالة الكمال، محال ألا يكون في المخلوق العجز والعيب والضعف وفي جميعها، يغفرها القلب إن صدق في الحب، ويتقبلها العقل بقبول الأم لسيئات صغارها، وسرعة مغفرتها لذنوبهم. لأن الصدق في الحب يعاجل المغفرة، ويستر القبيح، ويشيع الجميل، ويقيل الإساءة ويسرع إلى كل جميل ومغفرة. عجزنا عن الصدق مع أنفسنا، قبل أن نعجز عنه مع ما حولنا، خائفون، ومسلوبو القدرة على أن نمنح أحدا الأمان، كثيرون مختبئون، كثيرون عاجزون عن الصدق لأنه يظهر حقيقتهم التي يخجلون منها، ومشاعرهم التي لا يملكون الشجاعة لمواجهتنا بها، في "المحاكم" خصومات، وقضايا، لو اطلعت عليها لوليت من كثير من الناس فرارا، ولملئت من الخلق رعبا، لو كانت حقيقة المشاعر ظاهرة للخلق لتعذر أن يدفن بعضهم بعضا، لو كانت ظاهرة لألقي بالبعض إلى الضباع الجائعة المعتادة على أكل الجيفة.. واللحم الفاسد لخبث ما فيه، وخبث فعله وتدبيره. ما أكثر المتسلقين لنيل باطل، ما أكثر الغرائز الفصيحة التي تلقي شعرا وهياما لتمتطي جسد ضحية، وما أكثر سجادة الصلاة التي تنشر لاصطياد المال لا لذكر الله، ما أكثر الوعظ لمصلحة الواعظ أكثر من الموعظة وسامعها، وما أشد ضرس الراهب على الدنيا إن دنت لفمه، ما أكثر ما يستأكل الناس بالله وبالدين، وما أكثر الرياء في رجفة الأبدان، وخشوع الأطراف، وخلفها ذئب صبور، ما أجمل الرخام الأبيض فوق القبر، وفي باطنه عظام الموتى.. ونتن رائحته. الذي يبصر ما نبصره في "الخصومات والمنازعات"، والذي يرى ما نراه في حياتنا الاجتماعية، والذي يتأمل بغي الناس بعضهم في بعض بالحال الذي تبيع فيه زوجة ثيابها لتستكمل مهرا فرض عليها أن ترجعه، وبالحال الذي يخرج ميسور أخته من بيت أبيه للرصيف لأنه يريد قبض الثمن الذي لا يحتاج إليه، وهو في غنى عنه، وبالحال الذي لا يفي أكثر من 70 من كل مائة بالدين والحقوق المالية. هي أمة بتمامها ليس دولة محددة ولا مجتمع بعينه، هي أمة تعيش مذعورة النفس، خائفة راجفة واجفة من كل أحد ومع كل أحد، يخاف الصديق صديقه، والزوجة زوجها، والمدين دائنه، والطبيب مريضه، والمريض طبيبه. والعاشق والعشيق والمحب والحبيب، والمحامي ووكيله، كلهم مذعورون لأن الله رفع عنهم الصدق، فكان الخوف من كل أحد عقابهم العاجل. قلوب مذعورة ولا ملاذ...! إلا إليه وحده سبحانه.