-1- من بلدة في «الغرب».. حاضرة البحر وحاضنته هي: من تضاريس جغرافية جسد ذلك الوطن الذي لا ريب فيه انتماء، تم الاشتغال فيها رعونة على الاستئصال لشأفة: «القول» وذلك بكسر عنق القلم ابتغاء الرفع عنه دون حين..، وحسبي أني لست مما سبق بأية حال. ومن لم يجعل له قنينة من حبر ناصع يتوهج بياضاً في حالك العتمة فماله من حروف يمكن أن تقرأ في أسفار العالمين، إذ أنه قد جعل في الأزل من الحبر كل قلم حيا..، وأية حياة يمكن لها أن تدب في أوصال شلو قلم ممزق بكسر عنقه والإمعان تالياً في خلق القطيعة له وبه قد استحكمت دوائرها هي الأخرى حتى طالت تجفيف منابع أحباره وما يسطرون. ألفيتني إذ ذاك: ميت الأحياء ورحت من حينها أستبدل القراءة بالكتابة حتى أتبين الرشد من الغي. وآية موتي أني لم أخط سواداً ببياض..، ولم أنبس ببنت شفه إملاء على ذكر أو أنثى، وجعلت من حرفي غثاء أحوى...، وذانك برهانان على صدق ما مضى من القول الآنف. -2- ومن يكفّر بالاستجداء طاغوتاً سادساً يبسط سلطانه على مملكة الحرف ويمد رواقه على الكلم زوراً وبهتاناً..، ويؤمن بأن الكرامة للقلم نور مبين كالشمس وضحاها، من كان هذا شأنه فلا ريب أن قد استمسك بالعروة الوثقى لا انفصام لها ولا مشاحة أن سيلقى أذى ونكراناً..، ويبوء بالتالي شانئوه سخطاً وآثاماً..، واسألوا إن شئتم: قريشا التي اتخذت آلهة أصناماً.. ولم تعبد رب هذا البيت الذي هو وحده من أطعمهم من جوع وآمنهم من خوف. -3- ألم تر كيف هو الشيطان باسط ذراعيه بالوصيد، لا يحسن غير اجتراح التحريش فيما بيننا، وحسبه أن قد أفلح حيناً كثيراً وحيناً قد أخسر..، وبئس مثل هذا المصير الذي سيؤول إليه من جعل الشيطان له دليلاً..، ولو اطلعت على شيء من فلاحه لوليت فراراً ولمُلِئت من جرمه رعباً. -4- ألقوا أقلامهم أيهم يكفل خالداً.. فلم يكن بد إلا «قينان» يقتحم علي هو الآخر محراب «عزلتي» بيد أنه فاق الجمع إذ ولوا الدبر..، وبمهنية الذرب غشاني بسؤالات استفتحها ب: «أنى لك هذا»؟ بينما يكون الختم ولاية ب»أين أنت يا رجل»؟ تضحكه الإجابة من لدني..، ثم لم يلبث أن أزلقني بدماثته لما أن سمع الذكر.. فوجدتني في خميسكم هذا أتخذ منكم مكاناً شرقياً..، وسآتي أهلي غداة أحمل بين يدي «صحيفة ورقية» وأصيح فيهم: هاؤم اقرأوا مقاليا إن ظننت آثماً ألا أعود للكتابة ثانيا.. شأن «قينان» أن ينتصر إذ يجعل صيدك كله في جوف الفرا، ويمنحك ما تشاء لتكون أنت أنتَ ولست هو، الأمر الذي لا يقوى عليها في المشغول الصحفي مهنياً إلا قينان..، وليس من شأني وإن اختلفت مع «قينان» سوى أن آخذ «الكتابة» بالقوة. -5- ليس الإلقاء في غيابات جب «الصمت» ردحاً من الزمن إلا براقاً يعرج بك في سماوات مراقي تصوف أبيض بنقاء أبي محمد الجنيد.. وصفاء بشر الحافي..، وبالضرورة سينتهي بك هذا المعراج حيث سدرة منتهى «الكلم»..، اِدْنُ «خالدا» ولا تبتئس بما يمكن أن يقال، وهل إن أحداً من ألسن الناس سالماً... ادنُ «خالدا» ولا تخش من ذي العرش إقلالاً..، دنوت فتدليت وقاب قوسين أو أدنى أن أتعلم منطق كل شيء.. أو هكذا بدوت لمن حولي بادي الرأي. تضاءلت إذ لا أفقه تسبيح من حولي من الكائنات. -6- يبيعك أحدهم بثمن بخس ويكون فيك من الزاهدين ثم لا يفتأ يقتات منك وبك، ويأتي أباك عشاء ضاحكاً يحمل القميص بيد وبالأخرى يسوق الذئب بين يديه..، تفتأ تذكر خالداً حتى تكون حرضاً، ألم تكن أمه قد ماتت من ذي قبل؟!. قد صدقت الرؤيا فيه.. وخاب كل من اشتغل على أضغاث المنامات حتى لم يكن شيئاً مذكوراً. حسبك لا تفعل ذلك حاشاك أن تهم بالانحناء... ففي شرعتنا ليس السجود إلا لله الأحد الذي تصمد الخلائق إليه في حاجتها وإليه تضرع. -7- فتح مبين أن تحيي مواتك «الشرق» ويكفي في فقه هذا الإحياء أن أكون توأماً للشمس إذا الصبح استأنف يومه بالتنفس من رئة مملوءة حروفاً ومعاني.. وسيعلم الإلكترونيون أي منقلب ينقلبون، وحسبك أنهم بكل وادٍ يهيمون..، وإذا ما مسك طائف من «جن» النت فتذكر إبانها أن «الشرق» قبلة الرقاة ممن يتشوفون التحدي.. وعلى قدر رهانكم تبلغوا عنان نجاحاتكم. «ولتعلمن نبأه بعد حين». -8- الكتابة حالة «طهرانية» مبرأة من الأحداث والنجاسات، كما أن لها نواقض هي في ذلك سيان مثل الوضوء شأناً واعتباراً.. ويمكننا عد شيء من نواقضها بإيجاز: * للقلم سبيلان، فالخارج النجس منهما ناقض وتتوكد نجاسته إذ فحش والاستفصال في هذا يؤذي فآثرنا تركه لأهل الاختصاص في مظاناته. * زوال العقل وقد يتجاوز في هذا عما عمت به البلوى من نوم يسير وحسبنا أن: «العينان وكاءُ السّهِ...»، أما الجنون والسكر فقليله وكثيره سواء. * علو الذكر – ليس بالفتح هاهنا – وإنما بالكسر؛ ذلك أن من اعتورت كتابته هاته الغاية ولو مساً – بالسين دون الصاد – فهو إيذان بالفحش موجباً للغسل قولاً واحداً وحكي فيه الإجماع ولو لم ينتشر. -9- بقية القول: إن الشيء الذي يدرك بالحس إنكاره قبيح كما قال السفارييني: فكل معلوم بحس أو حجا.. فنكره جهل قبيح بالهجا. ذلك أن الذي يعلم بالحس لا يمكن إنكاره، ولو أن أحداً تجشم وعورة إنكاره مستنداً بذلك إلى الشرع لكان ذلك طعناً بالشرع وإزراء به. والغالب من خصوماتنا تنشأ من هذا... ومن قسيم آخر قال عنه ابن تيمية في الاقتضاء ما يلي: «.. واعلم أن أكثر الاختلاف بين الأمة الذي يورث الأهواء تجده من هذا الضرب وهو: أن يكون كل واحد من المختلفين مصيباً فيما أثبته أو في بعضه مخطئاً في نفي ما عليه الآخر».