الاقتصادية - السعودية عن النصر والهلال يحلو الكلام، ويتحول الغريمان في ألسنة محبيهما إلى ما يشبه قصائد المدح التي لا ترى غير الحسن، وتغض الطرف عن أي شائبة إن لم تحولها إلى جمال. والإغراق في المدح سمة التصقت بقصائد المديح العربية منذ الجاهلية، ويعتقد المؤرخون أن المدح كنوع من صنوف الشعر لم يدرج ضمنها إلا متأخرا، إذ إن فنون الشعر كانت ثلاثة فقط قبل ظهوره، ويقال إن الأعشى هو أول من جعل من الشعر متجرا. المديح مرتبط بالعاطفة، والحاجة، وقليل من الشعراء من يكبح جماحه ويصف الممدوح بما فيه دون مبالغة أو إغراق، يقول الخليفة عمر بن الخطاب رضي الله عنه، عن زهير: "إنك لا تمدح الرجل إلا بما فيه يا زهير". وزهير في مسلكه ذاك نادر بين أقرانه السابقين واللاحقين. .. كرة القدم ميدان خصب للمدائح والممدوحين، بمبالغة فجة أحيانا وأوصاف لم تذكر لملوك الغساسنة ربما، والمشجع الرياضي يتصل برباط العاطفة مع ناديه، رباط يحيد العقل كثيرا، فيحجب عن العين رؤية كل عيب، ويقدم الاعتياديات كجماليات لا مثيل لها. منذ أن تولى اليوناني دونيس تدريب الهلال، وقصائد المدح تلقى على مسامعه، وكأنه قدم لنا هلال الثنيان، فيما الأمر لا يعدو في ظني، أنه رتب صفوف فريق قوي مسبقا، كان يعاني ضغوطا جماهيرية وإعلامية هائلة، انحسرت عنه، فظهر شيئا من الهلال وليس الهلال كله. قوة الأزرق دائما في وسطه على مدى التاريخ، كان دائما يسيطر على هذه المنطقة الاستراتيجية بلاعبين مهرة، دونيس بطريقته الحالية يقلل من مصادر القوة الزرقاء، لكنه يفوز.. وعندما يفوز الفريق.. تلقى قصائد المديح. .. ومذ تولي دونيس قيادة الأزرق لم يلعب مباراة واحدة مصيرية، ولم يواجه منافسا حقيقيا في الإطارين الآسيوي والمحلي، وإن كانت قدرته على تحويل الفريق من نجومية الأفراد إلى نجومية جماعية ظاهرة وتستحق الإشادة. في الجهة الأخرى، يتغنى الأصفريون بفريقهم، الذي يتصدر دوري البلاد الصاخب منذ موسمين، ويلقون قصائد مديح مغرقة في المبالغة دون الاعتراف بأن الفريق في آخر مبارياته بدأ وكأنه فريق هواة لا محترفين. على سبيل المثال، في مباراة النصر ولخويا القطري، اندفع لاعبو الأصفر بحماسة فقط، تجاه مرمى المنافس، وأضاعوا في ربع ساعة خمسة أهداف لقلة التركيز ونسوا مرماهم، فأصيب مرتين وتضخمت المطالب، وحلت الخسائر تترى. الغريب فعلا أن الأصفر كان يحتاج إلى هدف واحد فقط، في 90 دقيقة، فلماذا كان هذا الاندفاع العشوائي، لماذا تلبستهم حماسة فوضوية؟ أين كان المدرب قبلها وبعدها؟ هل هذا فريق محترف؟ .. الغريب أن النصر الذي مر بمآزق في موسمه الماضي وعبرها، يفترض به أن يكون قد تعلم منها، ومع لأسف في كل مرة يبدأ بالطريقة نفسها، ضغط عال من البداية وينسى مرماه، نجح أمام الفيصلي وهجر، والعروبة، وكاد أن يسقط أمام التعاون، وسقط للسبب ذاته أمام الأهلي. النصر والهلال، كلاهما يعاني، وكلاهما تصاغ في حضرته قصائد مدح، تغيب الحقيقة، ولذلك ستكون مواجهة الغد، فاضحة لواحد منهما، من هو؟ بالتأكيد سيكون الفريق الذي صدق قصائد المديح ولم يعالج عيوبه الظاهرة في القريب الماضي.