قالوا لشاعر مدح أحدهم: إن صاحبك هذا لا يستحق كل هذا المديح فما كان من الشاعر إلا أن قال: إذا ما ثبت لي عكس ذلك فسأهجوه وسأنتقم لشعري منه. بالطبع موقف هذا الشاعر يذكّرنا بالكثير ممن يعبرون حياتنا فيخدعوننا بطيبتهم وادعاء المواقف وكثرة المواعيد وتقمص المثالية، ولأن الروح الشاعرة فينا سريعة التأثر فإنها سرعان ما تكون أسيرة لتلك الصفات الجميلة التي (ننشدها في العالم كله) والتي (مثّلها) علينا ذلك الأحدهم الذي مدحه (أخونا) الشاعر والذي يتكئ بالطبع على موقفه (السليم)، وأقول السليم لأنه ربما يكون ضحية لخدعة كبيرة مررها عليه ذلك (الأحدهم) لكي ينتزع منه المديح ولأن الشاعر صادق في مشاعره آنذاك فقد انقاد إلى خديعة المديح تلك، وأقول موقفه السليم أي (الهجاء بعد المديح) لأنه اكتشف مع الأيام عكس ما كان يشعر به وهنا يأتي الموقف السليم في تقويم موقفه من ذلك الشخص، بل ومن كل القناعات التي خدعته مسبقاً وذلك لسبب جد بسيط ألا وهو أن مقولة (لا تمدح شخصاً لربما تضطر إلى مسبته) لا تنطبق على روح وشفافية الشاعر مثلما تنطبق على العقلانيين وذلك لأن الشاعر تسيّره مشاعره لا عقله ومن هنا يحق له أن يقول: «لو مدحنا من لا يحق له المدح لوى الشعر رأسه فهجانا» ولذا ولكي لا يهجو الشعر شاعره فإنه من المفترض أن يبادر إلى ممدوحه الذي لا يستحق المدح ويقول له بالفم المليان: «أعد مدحي علي وخذ سواه فقد أتعبتني يا مستريح ولا تغضب إذا أنشدت يوماً سواه وقيل لي هذا صحيح» وهكذا يجيب الشاعر بشجاعة على من يقول له: إن ممدوحك هذا لا يستحق المديح بل من أقصى درجات الشجاعة في الشاعر أن يقول لممدوحه المخادع بكل صلافة: «أعد مدحاً كذبتُ عليك فيه فقد عوقبت بالحرمان عنه ولكني سأصدق فيك قولاً فلا يصعب عليك الحق منه» هذا الأمر يذكرنا بالفعل أن الهجاء الصادر من القلب هو أصدق أنواع الشعر؛ لأنه يأتي نتيجة لتفاعلات وجدانية عفوية تخرجه قسراً من مكمنه، ولعل أطرف ما سمعته من الهجاء هو قول أحدهم: «إذا رمتُ هجواً في فلان تصدني خلائق قبح عنه لا تتزحزح تجاوز قدر الهجو حتى كأنه بأقبح ما يُهجى به المرء يمدح». لذلك لا نجد ضيراً في تحويل المديح هجاءً لمن تثبت لنا الأيام أنه لا يستحق ذلك المديح، نقول ذلك بمناسبة كثرة قصائد المديح لأناس لا يستحقون حتى الهجاء!!